لا تأتي الأبوة ولا الأمومة بكتيب إرشادات ولكننا نمارسهما بالفطرة، وعلى الرغم من أن الكثيرين يرون أن المهمة ليست بالشاقة فنحن نربي أولادنا وفقاً لما تربينا عليه، لكن في الحقيقة هي مهمة وأمانة تحتاج للكثير من العناء والفهم والإدراك حتى لا نجد أولادنا كبروا ونحن لا نعلم عن حياتهم وطباعهم ومشاعرهم إلا القليل.
سألت «كل الأسرة» عدداً من أساتذة الطب النفسي والمتخصصين في مشاكل الأسرة والتربية حول أبرز الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الآباء والأمهات والتي تتسبب في بناء حاجز بينهم:
1- عدم إشباع حاجة الطفل للحب والحنان بالشكل الصحيح
في البداية يؤكد الدكتور محمد عادل الحديدي، أستاذ الطب النفسي في جامعة المنصورة، أنه من الطبيعي أن نرتكب جميعاً أخطاء في تربيتنا لأبنائنا ولكن من المهم أن نحاول تصحيح هذه الأخطاء حتى لا تترك أثراً سيئاً في نفسية الأبناء، ويقول «من أكثر الأخطاء التي يرتكبها الآباء والأمهات في حق الطفل عدم إشباع حاجة الطفل للحب والحنان بالشكل الصحيح، فالطفل يحتاج إلى المشاعر المتمثلة في القبلات والأحضان فهي تشبع عنده حاجات نفسية لا غنى عنها ونرى ذلك في مدى السعادة التي يشعر بها الابن عندما يقبله أبواه أو يحتضنانه».
فلنفرق بين ضغط الحياة علينا و ضغطنا على أبنائنا ولا نستخدم أبناءنا كمتنفس لنا من ضغوط الحياة
ويضيف «يخطئ الكثير من الأهل في الغضب من أبنائهم لأمر لا يستحق، وقد يكون هذا الغضب ليس بسبب سلوك الابن نفسه ولكن بسبب ضغوط الحياة اليومية التي نتعرض لها، فلنفرق بين ضغط الحياة علينا و ضغطنا على أبنائنا ولا نستخدم أبناءنا كمتنفس لنا من ضغوط الحياة. وللأسف يظن العديد من الآباء أن التعامل بشدة هو الطريقة السليمة لأن ضيق الوقت قد لا يسمح بتوجيه أبنائه، لذا يشعر الأب أن عليه التعامل بحزم دائماً حتى يتمكن من توجيه الأطفال وإرشادهم كي يلتزموا بتعليماته، وهو أمر خطأ وقد يأتي بنتيجة عكسية ويتسبب في نفور الأبناء شعورهم بالضيق طوال فترة وجود الأب في المنزل».
ويرفض د. الحديدي اتباع بعض الأهل لأسلوب الضرب أولاً بحيث يسبق الضرب الكثير من الوسائل العقابية التي قد تكفي واحدة منها فقط لزجر الطفل وتنبيهه لما أخطأ فيه كأن نخاصمه أو نهمله ولا نتحدث معه لفترة أو نحرمه من أشخاص وطقوس يحبها لفترة.
ويوصي أستاذ الطب النفسي الآباء والأمهات بسعة الصدر والتعامل مع أخطاء الطفل بسياسة النفس الطويل، فلا ينبغي أبداً أن يضطرنا إلى الغضب والصياح. ويشدد على الأمهات أن يكنّ على تواصل مستمر مع أولادهن خاصة البنات بحيث يكون بينهما تقارب من أجل التحدث في كل المواضيع وبدون خطوط حمراء خاصة وأن الفتاة عندما تصل إلى سن المراهقة تحتاج لمعرفة كل شيء عن أمور الحياة لكن للأسف هذا الجسر المفتوح بين الأم والبنت عندما ينهار أو يتصدع يصبحان كالغرباء وتكون علاقتهما سطحية.
2- الإفراط في النقد والتوجيه
وتتفق معه الدكتورة أميرة يوسف، استشاري طب نفسي أطفال ومراهقين بجامعة عين شمس، في أن الكثير من الآباء والأمهات يبنون حاجزاً كبيراً بينهم وبين أولادهم بكثرة النقد والتأنيب على كل صغيرة وكبيرة وفتح الدفاتر القديمة بمناسبة وبدون مناسبة، لهذا نرى بيننا أشخاصاً لديهم جوع لتقدير الآخرين لأن جهاز التقدير الذاتي لديهم تعطل فأصبحوا يعتمدون في صحتهم النفسية على رضا الآخرين كما أنهم أصبحوا دائماً يتوقعون النقد، ولهذا نرى أيضاً أشخاصاً يخشون الخطأ مع أنه جزء أصيل من الحياة.
وتوضح «دائماً ما أحذر الأهل من الإفراط في التوجيه بمعنى زيادة مراقبة الطفل وتوجيهه وإعطائه الأوامر في كل شيء فلا يترك الأهل لطفلهم الحرية في التصرف ونحن دائماً ما نراقب أولادنا كمراقبة الكاميرات 24 ساعة ثم نشتكي من ضعف شخصيتهم أو أنهم لا يسمعون الكلام والصواب أن نعطيهم مساحة بعيداً عن إشراف الوالدين. كل الدراسات النفسية تؤكد أن التدخل الدائم في تفاصيل حياة الأبناء، مثل التدخل في اختيار ملابسهم وطعامهم وألعابهم، يؤدي لمشاكل نفسية كأن تصبح شخصية الطفل مهزوزة وثقته بنفسه منعدمة، ومما يزيد الطين بلة لدى بعض الأهل هو توجيه الطفل أمام الآخرين مما قد يضعف شخصيته ويقلل من ثقته بنفسه».
وتوضح استشارية نفسية الطفل أن المواعظ والمحاضرات التي يفعلها الآباء والأمهات مع الأولاد لا تعلم الطفل المناقشة فالأفضل هو الاستماع إليه وإتاحة الفرصة له للتعبير عن رأيه أما التوجيه الدائم والمباشر فيخلق شخصاً لا يثق في قدرته على التفكير ويعتمد على غيره في تكوين آرائه واتخاذ قراراته.
3- المقارنات المدمرة
أما الدكتورة شيماء إسماعيل، استشاري تعديل السلوك وعلاج نفسية الطفل والخلافات الزوجية بالقاهرة، فترى هي الأخرى أن من أكثر الأخطاء التربوية التي يقع فيها الآباء والأمهات هي مقارنة أولادهم بغيرهم أو مقارنتهم ببعض رغم أنه لا يوجد اثنان من البشر متشابهان تماماً وعامل الفروق الفردية يجب وضعه أمام أعيننا عند التعامل مع الأبناء، ومن هنا تحذر الأهل من مقارنة أطفالهم بغيرهم فالعقول مختلفة والمهارات متباينة والمقارنة قد تحبط الصغير وتجعله يغار من الآخرين ويحقد عليهم ويحسدهم حتى ولو كانوا إخوته.
لذلك يجب علينا عدم التفريق في المعاملة لأنه من أكثر الأمور التي تبني فجوة وحاجزاً بين الأهل والابن، وهذا العدل يجب أن يكون في كل شيء حتى في الحنان والأحضان والقبلات، وعلى الأم أن تراعي ذلك حتى مع قدوم وليد جديد في البيت فلا تهمل الأول بسببه حتى لا يحقد عليه ويكبر الحاجز بينهما.
وتواصل القول «من المهم أيضاً إقناع الطفل بالأوامر والسياسات في المدرسة والبيت لأن ذلك أمر مهم وضروري أمام التعامل معه بأسلوب «افعل ولا تسأل» واستعمال الديكتاتورية أمر غير مطلوب بل لابد أن يفهم مغزى الأمر والنهي الذي قد يوجه إليه ولا تكون تعاملاتنا معه مجرد مجموعة من الأوامر ليس عليه إلا التنفيذ وفقط».
المجتمع يتقبل عيوباً كثيرة في الشخص إلا الوقاحة، فإن كان الأب والأم يهدفان لتربية سليمة لطفل محبوب من المجتمع عليهما الحرص على تعليم الطفل حسن الخلق
وتحذر د. شيماء إسماعيل من السماح للطفل بعدم احترام الأهل «إن لم يحترم أبويه.. فمن سيحترم؟ فالمجتمع يتقبل عيوباً كثيرة في الشخص إلا الوقاحة، فإن كان الأب والأم يهدفان لتربية سليمة لطفل محبوب من المجتمع عليهما الحرص على تعليم الطفل حسن الخلق والتهذيب والاحترام. كما أحذر الأهل من التبرع بالحلول لكل مشكلة تواجه أبناءنا فنفكر عنهم ونلغي تفكيرهم فيصبح شخصية سلبية اتكالية معتمدة على الآخرين في إدارة المشكلات الحياتية الخاصة به».
4- غياب دور الأب
في المقابل، يرى الدكتور إيهاب عيد، أستاذ الطب النفسي وتعديل السلوك للأطفال والمراهقين في جامعة عين شمس، أن تربية الأبناء دور مشترك بين الأب والأم وهذا الدور لا يقتصر على تلبية الالتزامات المادية لهم، إذ على الأب والأم أن يتواجدا دائماً في حياة الأبناء للقيام بهذا الدور والتواصل معهم قدر الإمكان والاستماع لمشاكلهم والعمل على مساعدتهم في إيجاد حلول لها ويجب ألا يمر يوم دون أن نتواصل مع أولادنا حتى ولو كنا مسافرين للعمل.
ويقول «العلاقة بين الآباء والأبناء يجب أن تكون مبنية على المحبة والود والاحترام والتفاهم حتى لا تنشأ الفجوة بين الأجيال لعدم وجود رابط ود أو تفاهم أو حوار هادف، لأن البيت الذي يغيب فيه الحوار تزداد فيه الفجوة التي تجعل الابن لا يثق في والديه ولا يبوح لهما بأسراره الخاصة بل يفضل أن يأخذ معلوماته من أصدقائه».
غياب الأب لا يعوضه البذخ الشديد عليهم، فليس دورنا في حياة أولادنا أن نلبي كل ما يطلبه الابن والإفراط في تدليله
ويؤكد د. إيهاب عيد أن غياب الأب لا يعوضه البذخ الشديد عليهم، فليس دورنا في حياة أولادنا أن نلبي كل ما يطلبه الابن والإفراط في تدليله وعدم تحميله أي مسؤوليات «إن مظاهر الحب التي يقدمها الآباء من توفير السكن والملبس والتعليم والمدارس وألعاب التسلية لا تغني عن وجود الوالدين الدائم مع الأبناء والجلوس معهم وحمايتهم بالحوار والتشاور ومحاولة معرفة ما يجول بأفكارهم ومساعدتهم في حل مشاكلهم الخاصة وتشجيعهم والتقرب والتودد إليهم من دون فرض الرأي».
ويحذر استشاري تعديل السلوك من الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي خلال فترة التواجد في المنزل، من هاتف محمول وتلفاز وخلافه، لأن هذه الوسائل جعلت كل طرف في عالم خاص بعيداً عن باقي الأسرة يعيش مع أشخاص افتراضيين أكثر من حياته داخل أسرته.