14 أكتوبر 2021

العنف ضد الأبناء..يدمر نفسيتهم ويقطع روابط المحبة

محررة في مجلة كل الأسرة

العنف ضد الأبناء..يدمر نفسيتهم ويقطع روابط المحبة

يظن بعض الآباء أن التعامل بعنف مع الأبناء بحجة تربيتهم وتعديل سلوكهم إنما هو صمام الأمان لتربية قويمة، غير مكترثين بتأثير ذلك عليهم وبما تتركه ممارسة هذا السلوك من أثر في النفس قد يظل عالقاً في الأذهان حتى المشيب، فالمبالغة في القسوة تعتبر نوعاً من الاعتداء وربما تؤدي إلى عقوق الأولاد وعصيانهم وكراهيتهم للأسرة، وهو ما ينعكس على المجتمع بشكل عام، وهذا ما دفعنا لفتح باب للنقاش حول الآثار المترتبة على هذا السلوك وفحوى تأثيره على أرض الواقع وما إذا كان يأتي بنتائج مرجوة أم لا.

العنف والقسوة ليسا الوسيلة المثلى في التعامل مع الأولاد، وليسا المناسبين في التربية والتأديب، خاصة مع الأولاد الصغار

الدكتور محمد عيادة الكبيسي، كبير مفتين بإدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، يشير إلى أنه «من واجب الأب أن يربي ابنه ويؤدبه، ويحرص على مصلحته في أمور دينه ودنياه، وإذا احتاج الولد إلى تأديب فينبغي عليه أن يتعامل معه برحمة، وأن يكون التوجيه بالتدريج، فيبدأ بالنصح ويستمر في تكرار الوعظ والتنبيه بالحكمة والموعظة الحسنة، أما العنف والقسوة فإنهما ليسا الوسيلة المثلى في التعامل مع الأولاد، وليسا المناسبين في التربية والتأديب، خاصة مع الأولاد الصغار».

ويضيف «ما يلاحظ أن أكثر ضرب الأولاد يكون سببه انفعال الأب والأم أو الضغوط المعيشية أو النفسية أو بسبب انشغالهم ومقاطعة الأولاد لهم، وفي هذه الأمثلة ونحوها يكون الضرب ردة فعل انفعالية، وليس عملية تأديبية أو تعليمية، فيكون الخطأ مضاعفاً والأذى على الطفل أكبر والنتيجة سيئة. فما يظنه بعض الآباء من أن العنف والقسوة هما اللذان ينفعان مع أولادهم ويدفعانهم إلى الاستجابة لهم يعد فهماً خطأ، لأن العنف مع الأولاد إنما يؤدي إلى الاستجابة بالإكراه، ولا يزرع مفاهيم وقناعات حقيقية ولا يؤدي إلى النتائج التربوية التي يريدها الأب.

العنف والقسوة مع الأولاد قد يعتبران من عقوق الأب

ويكمل الكبيسي «العنف والقسوة مع الأولاد قد يعتبران من عقوق الأب، فكيف يتوقع العنيف القاسي أن يكون ابنه باراً به؟، وقد جاء رجل بابنه إلى عمر رضي الله تعالى عنه، فقال: إن ابني هذا يعقني، وبعد أن تقصى عمر رضي الله تعالى عنه وجد أن الأب قد قصر في حق ابنه من قبل، فالتفت عمر رضي الله تعالى عنه إلى الأب وقال قولته المشهورة العظيمة «ابني يعقني، فقد عققته قبل أن يعقك».

وعلينا أن نتذكر أن العنف من أسباب الشر وقلة البركة، ويؤدي إلى فساد العلاقات بين الناس، بخلاف الرفق فإنه من أسباب الخير والبركة والعلاقة الطيبة بين أفراد الأسرة والمجتمع. يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه»، كما أن الرفق واللين في المعاملة من علامات الرحمة والتوفيق من الله تعالى، ومن أسباب زرع المحبة والألفة بين الناس، بخلاف العنف والغلظة في المعاملة فإنها تؤدي إلى النفور والكراهية. يقول الله تعالى «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة المثلى في معاملة الأبناء بالحب والرحمة والنصح والتأديب، وكان يعبّر عن حبه لأولاده ويقبلهم ويضمهم، وبين أن هذا من الرحمة المطلوبة شرعاً، وهي من أسباب نيل الرحمة من الله تعالى، وقال لرجل كان لا يقبّل أولاده: «من لا يَرحم لا يُرحم»، كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإحسان إلى الأولاد من أسباب دخول الجنة والعتق من النار».

via GIPHY

ويقول الكبيسي «أنصح كل والد ووالدة بتقوى الله تعالى، والحرص على مصلحة الأولاد، والقيام بمسؤولية التربية والرعاية، مع معاملة أولادهما بالحب والرحمة والشفقة، والبعد عن العنف والقسوة، والحذر من المبالغة في الضغط على الأولاد أو تنفيرهم، والإكثار من الدعاء لأولادهما أن يؤلف بين قلوبهم وأن يجعلهم صالحين بارين».

النتائج سلبية لاستخدام العنف مع الأبناء

يعقوب الحمادي، أخصائي اجتماعي وخبير علاقات أسرية، يوضح «العنف لا يولد سوى عدوان، وهي حقيقة نفسية وسلوكية يؤكدها علماء النفس والاجتماع، فعندما يمارس الأب سلطته بالضرب أو السب أو علو الصوت فمن المؤكد أن النتائج تكون سلبية.

ومن واقع تماسي المباشر مع بعض الطلاب ألاحظ أن العنيف منهم دائماً ما تكون لديه مشكلة في طريقة تربيته، وما يصدر منه من سلوك تجاه زملائه إنما هو نوع من الإسقاط لما يمارس ضده من تصرفات في المنزل، عكس الطالب الذي يتربى في وسط هادئ حتى عندما يشتكي ننظر لشكواه إذ يجبرنا أسلوبه الراقي على حل مشكلته وتعامله باحترام.

ولذلك دائماً ما ننصح الآباء والأمهات بالأخذ بالأساليب الحديثة في التربية وتقبل المراهق كما يكون لا كما يجب أن يكون، ونحاول بقدر الإمكان تعديل سلوكه السلبي وتقييم وتشجيع الإيجابي منه، على أن يكون ذلك تحت مظلة ما يتماشى مع مبادئ ديننا الحنيف، والتي إن اتبعناها سلم المجتمع وأفراده».

دائما ما يتذكر الابن قسوة والده أو والدته عليه حتى وإن كانت في صالحه، فعلو الصوت نقطة ضعف والمتعالي به يعاني أزمة نفسية

ويكمل «تترك القسوة آثاراً نفسية سيئة داخل الإنسان على مر الزمن، ودائما ما يتذكر الابن قسوة والده أو والدته عليه حتى وإن كانت في صالحه، فعلو الصوت نقطة ضعف والمتعالي به يعاني أزمة نفسية داخلية، وأكبر خطأ نرتكبه عندما نقرر ونخطط في تلك اللحظات، وما يجب علينا فعله هو التحلي بالصبر والاستماع لشكوى الأبناء ومشاكلهم بطريقة تضمن عدم الاستهانة بها، فكم من حالات كتب لها نهاية تعيسة بسبب الإهمال وعدم إعطائها الفرصة للتعبير عن رأيها والإنصات لها بشكل جيد، فلنكن إيجابيين في حياة أبنائنا ونكون لهم الملاذ الآمن، الذي يضمن أن يكونوا أبناء صالحين في المجتمع».