حذر مركز الأزهر العالمي للفتوى الآباء والأمهات من إهمال تربية أبنائهم ومنحهم حرية مفرطة، ليعبثوا بالقيم والأخلاق ويهددوا الأمن الأسري والاجتماعي.. وأكد أن «تربية الأبناء على القيم التربوية الصحيحة وتعاليم ديننا العظيم هو واجب الأسرة أولاً، وكل إهمال في القيام بهذا الواجب يعرض الآباء والأمهات للعقاب الإلهي، فالأولاد أمانة في أعناق آبائهم وهم مسؤولون عنهم أمام الله سبحانه وتعالى».
وأوضح المركز أن الإهمال في تربية الأبناء سلوك يستوجب غضب الله وعقابه، وقال «نصح الأبناء وتأديبهم من أوجب الواجبات الشرعية، ولذلك لا يجوز للآباء والأمهات التخلي عن هذا الواجب تحت أية مبررات، فحرية الأبناء لا تعني إهمال توجيههم وتربيتهم على الفضائل وتقويم سلوكهم».
كان المجتمع المصري قد ضج مؤخراً بسلوك فتى، 13 عاماً، ينتمي لأسرة في وضع اجتماعي مرموق، حيث ارتكب سلوكيات شاذة وغريبة ومنافية للقيم والأخلاق الفاضلة، وصوّر ونقل جزءاً منها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع أصدقائه، مما دفع النيابة العامة إلى احتجازه في إحدى دور الرعاية الاجتماعية بعد عجز الأسرة عن السيطرة عليه.. بينما تم توقيف أصدقائه لتجاوزاتهم الأخلاقية.
رجعنا إلى عدد من كبار علماء الأزهر الشريف للوقوف على المسؤولية الشرعية للآباء والأمهات عن تأديب وتهذيب سلوكيات أبنائهم.. وفيما يلي خلاصة ما قالوه ونصحوا به:
"لا يجوز أن ينشغل الأب عن تربية أبنائه"
في البداية يؤكد العالم الأزهري د.أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، أن الإسلام قدم منظومة تربوية وأخلاقية متكاملة لرعاية الطفل وحمايته من الانحراف.. ويقول «الطفل أولاً مسؤولية والديه، فهما المسؤولان شرعاً عن تربيته، وتهذيب سلوكه، وحمايته من كل وسائل الانحراف التي تحيط بأولادنا من كل جانب في هذا العصر».
ويضيف «الإسلام له منظومة تربوية أخلاقية تفوق بها على ما تتغنى به الدول الكبرى الآن في رعاية الطفولة والعناية بالنشء، فقد كفل الإسلام للطفل كل حقوقه، كحقه في تربية جيدة، وفي مهد صحي سليم، ومناخ عائلي مستقر، وأب وأم يتقيان الله في صغارهما، ويقومان بحقوق الأبناء خير قيام، ويبدأ اهتمام الإسلام بالطفل قبل أن يكون له وجود في الحياة، بأن وفر له البيئة الطيبة المناسبة لتربيته تربية جيدة»
ومن حقوق الطفل المهمة، كما يقول د.هاشم، حقه في الحضانة، لأنه في طفولته لا يعي من أمر الحياة ولا من أمر نفسه شيئاً، فهو في أمس الحاجة إلى رعاية والديه أولا، وإلى رعايتهما معا، فلكل واحد منهما طابعه في حياته، وأهميته في تكوينه، ولا يغني أحدهما عن الآخر.
ومن هنا يؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر مسؤولية الوالدين معاً عن التربية والتهذيب، فأمر التربية لا يعنى به أحدهما دون الآخر، فلكل منهما دور ورسالة مهمة في نفس الطفل، ولذلك لا يجوز أن ينشغل الأب عن تربية أبنائه بدعوى مشاغله وواجباته الوظيفية أو الحياتية، كما لا يجوز أن تترك الأم الأب يقوم وحده بهذا العبء الكبير، فالمسؤولية مشتركة وعليهما أن يتقاسماها بتعاون وتكامل من أجل مصلحة الأبناء.
"لا عذر لأب أو أم أهملا في تربية صغارهما"
الداعية والفقيهة الأزهرية د.عبلة الكحلاوي، أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر، تؤكد مسؤولية الآباء والأمهات أمام الله، وأمام المجتمع عن أولادهم، وتقول «لا عذر لأب أو أم أهملا في تربية صغارهما، فالتربية والتهذيب أهم واجباتهما مهما كانت مشاغلهما، وكل من يقصر في هذا الواجب آثم شرعاً، ومفرط في الأمانة التي ائتمنه الله عليها».
وترفض د.عبلة حجج ومزاعم بعض الآباء والأمهات الذين أهملوا في تربية أبنائهم بداعي الرحمة بالصغير، وتقول «الرحمة بالصغير تعني تربيته على القيم والأخلاق حماية له من عقاب الدنيا والآخرة».
وتضيف «من المعلوم بداهة أن قلب الأبوين مفطور على محبة الأولاد، ومتأصل بالمشاعر الأبوية لحمايتهم والرحمة بهم والشفقة عليهم والاهتمام بأمرهم وإلا لما صبر الأبوان على رعاية أولادهما، والسهر على أمرهم والنظر في مصالحهم، والقرآن الكريم يصور تلك المشاعر الأبوية الصادقة أجمل تصوير فتارة يجعل الأولاد زينة الحياة الدنيا، يقول تعالى: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا»، وتارة يعتبرهم نعمة عظيمة تستحق الشكر عليها وذلك في قوله تعالى: «وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً».. وفي ثالثة يراهم قرة للأعين وذلك في قوله تعالى «والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً»، وغيرها الكثير والكثير من الآيات القرآنية التي تصور عواطف الأبوين نحو أولادهما، وتكشف عن صدق مشاعرهما، ومحبة قلبيهما تجاه أفلاذ الأكباد وثمرات الفؤاد. لكن.. كل هذا لا يعني إهمال تربيتهم وتهذيب سلوكهم، وإذا كان من أهم المشاعر التي أودعها الله فى قلب الأبوين التعامل برحمة مع الأولاد، والرأفة بهم».
يتحمل الآباء الذين يدللون أولادهم ويتسببون في انحرافهم المسؤولية كاملة أمام الله عز وجل وأمام المجتمع
وتشدد العالمة الأزهرية على أن «هناك فرق كبير بين الرفق في التربية، وبين الإهمال والتسيب الذي يقع فيه بعض الآباء والأمهات، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالرفق في توجيهات نبوية عديدة منها قوله: (إن أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق؛ وإن كان خلقا لما رأى الناس خلقا أحسن منه، وإن العنف لو كان خلقا ما رأى الناس خلقا أقبح منه).. وقوله صلى الله عليه وسلم: ( الراحمون يرحمهم الله؛ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).. ولذلك لا يجوز للآباء أن يسلكوا الطرق الملتوية، والمعاملة القاسية، والعقوبة الظالمة الشديدة، لآنهم بذلك يكونوا قد جنوا على أبنائهم، بل وغرسوا فيهم وهم صغار بذور الانحراف أو التمرد أو العقوق».
"كل الانحرافات التي نشهدها في سلوكيات الصغار في البلاد العربية هي نتاج طبيعي لتربية خاطئة"
د.عبد الفتاح إدريس، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، يؤكد أن كل الانحرافات التي نشهدها في سلوكيات الصغار في البلاد العربية هي نتاج طبيعي لتربية خاطئة لا تستمد مقوماتها الأساسية من تعاليم ديننا العظيم، ويقول «التجاوزات السلوكية في حياة الصغار كثيرة ومتنوعة وهي تتفاوت من طفل لآخر، والسبب الرئيس في ذلك أننا ابتعدنا في أسلوب تربيتنا لأبنائنا عن تعاليم الدين وضوابط القيم والأخلاق، فساعدنا أطفالنا منذ نعومة أظفارهم على الكذب والتحايل والسرقة وعدم القيام بالواجبات المدرسية تحت حجج واهية، وتسترت كثيراً من الأمهات على مساوئ الأبناء، وضللن الآباء بهذا التستر، وأخفين عنهم تجاوزات ومساوئ صغارهم».
ويضيف «معظم انحرافات وتجاوزات الصغار يسأل عنها الكبار، فالطفل الذي ينشأ في أسرة منضبطة سلوكيا، وملتزمة أخلاقياً، وتؤدى فيها العبادات بشكل دائم، من الصعب أن ينحرف حتى ولو اختلط بقرناء سوء خارج الأسرة، لأن ما تربى عليه داخل الأسرة من قيم وأخلاق وآداب يمثل حائط صد قوي لما يتسرب إليه من سلوكيات منحرفة خارج الأسرة».
ويوضح أستاذ الشريعة الإسلامية مسؤولية الآباء والأمهات (شرعاً) عن رقابة الأبناء وتقويم سلوكهم، وتحذيرهم مما يتسرب إليهم عن طريق أصدقاء السوء خارج الأسرة.. ويبين «كل أب يفرط في هذا الواجب هو مفرط في الأمانة، وسيحاسبه الله على ذلك».