18 ديسمبر 2024

أفلام الرعب ليست للهواة فقط.. أسرار نفسية ورسائل خفية

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

الغاية التي لم تعُد خافية في أفلام موسم الكريسماس، خروج أفلام تُدين هذا الاحتفال، وشخصه، ومن وراءهما، ما يمثله من قيمة لدى معظم شعوب العالم. هذا دأب متواصل يتأكد بحضور فيلم رعب جديد عنوانه Terrifier 3 الذي يدور حول قاتل متوحش، يطلق عنان كرهه لأبناء بلدة صغيرة، فاتكاً بأجسادهم وأرواحهم، بلا رحمة… آه… لا ننسى أنه يتنكّر بثياب «بابا نويل»!

إنه الفيلم الذي اعتلى القمّة، في الأسبوع الماضي، في العديد من العواصم (بينها عواصم عربية ولو قليلة)، على أساس أنه ينتمي إلى سينما الرعب التي هي من بين عماد تاريخ السينما الأمريكية، والغربية عموماً.

مجلة كل الأسرة

طبعاً أفلام الرعب القديمة، وحتى الستينيات، كانت تنتصر للخير، ولا تحوّله إلى ضحية أمام شر لا يمكن قهره. لكن التيمة اللازمة للعديد من أفلام الرعب منذ ذلك الحين، هي أن الشر لا يُهزم، وأن القيم المجتمعية والدينية لا تستحق الدفاع عنها، أو مناصرتها.

الانتشار المريب لأفلام القتل المباح في هذه الفترة من العام يتضمن، على سبيل المثال فقط، «لا تتكلم شراً» (Speak No Evil)، «ابتسم 2» (Smile 2)، «لا تدعه يفلت» (Never Let Go)، «رأس أبي»، من بين أخرى كثيرة. كل واحد من هذه الأفلام هو إما عن وحوش غير منظورة، وإما عن بشر مُصابين بعاهات نفسية خطرة.

مجلة كل الأسرة

من الطبيعي التساؤل حول السبب الذي يدفع الجمهور السائد للإقبال عليها بزخم ملحوظ.

مجلة كل الأسرة

الخوف والمتعة معاً

الحال أن الناس يحبون أن يخافوا، لأنهم يدركون أن ما يقع على الشاشة لا يمكن أن يؤذيهم. سيخيفهم، إذا كان الفيلم جيداً، لكن العنف، والقتل، والطعن (التي هي أكثر عنفاً من القتل بإطلاق النار، لذلك لا نجد في هذه الأفلام وحشاً أو شرّيراً يقتل بمسدس)، ستبقى على الشاشة، ولن ينتقل إلى الجمهور الذي يشاهد وهو يتسلى بـ«البوب كورن».

هذا كان صحيحاً، ولا يزال. لكنْ، هناك أسباب أخرى نشطة، وتلك الطمأنينة الطاغية ليست سوى حالة ظاهرة. فهناك المزيد مما يجعل انجذاب الجمهور، الذي لا يتجاوز الثلاثين سنة من العمر غالباً، مشدوداً إلى هذه النوعية من الأفلام، والأعمق إيذاء هو الخروج من الأفلام (على تكرار مشاهدتها)، بدرجة أقل من الثقة بالنفس، وبالمحيط المجتمعي. الخوف من السير ليلاً، حتى في أحياء آمنة. الخوف من الغرباء حتى ولو كانوا مسالمين. الخوف من الوحدة التي، رغم ذلك، تصبح الملجأ الوحيد.

مجلة كل الأسرة

غريزة سادية

حبكات مختلفة، ومشاهد معيّنة، تتوارد فيما لو كانت الأشجار القريبة تخفي قاتلاً راصداً، كما في «في طبيعة عنيفة» (In a Violent Naturer)، لكريس ناش. أو فيما لو ارتاب أحدنا بعائلة انتقلت إلى المنزل المجاور، أو أخرى استضافته («سيقان طويلة» (Longlegs). القاتل المسلسل الذي لا يعرف الرأفة قد يكون زميلاً في العمل، أو شبحاً في الظلام («حادث غريب»، Oddity)، أو دمية تُبث فيها الروح (Killer Doll).

 وحسب دراسات منشورة، تتأثر الأعصاب في جزء من الدماغ مسؤولة عن التصرف عدائياً، من حيث لا يدرك المُشاهد. من صفات هذا التأثير أن يشعر المُشاهد المدمن على هذه الأفلام بالتوتر، والخوف، والغبطة، معاً. هذا المزج هو من أخطر ما قد يحدث للفرد (خصوصاً إذا ما كان شابّاً)، فهو قد لا يوافق على القتل والعنف لكنه- من دون قرار مسبق- يود مشاهدتهما لذاتيهما. يشعر بغريزة سادية، أكثر مما يشعر بالرعب المفترض.

هناك احتمال أن بعض المدمنين على هذه الأفلام لديهم خلفيات مريعة وقعت لهم، تركتهم غير قادرين على نسيانها، ما يدفعهم إلى الانتقال إليها مجدداً (على طريقة «المجرم الذي لابد أن يعود إلى مكان الجريمة»).

الشعور بأن هناك مسافة آمنة يجعل البعض الآخر يقبل على تلك الأفلام ليشعر بالثقة. الحالة هنا تشبه حالة أحدنا إذا ما أقدم على فعل خطر لأول مرّة، قبل أن يعتاد عليه.

الخوف هو ردّ فعل طبيعي. ودائماً ما نحاول درء أي خطر مُحدق قد نتعرض له.

في أكثر من فيلم هناك حديث يتلاعب بالموضوع الماثل بقناعتك. يهز إيمانك الروحاني (The Omen)، يحذّرك من طفل يسكنه شيطان (The Exorcist وسواه)، أو من قوى غيبية ترصد أنفاسك، ويقترح عليك أن الدنيا ليست آمنة، والمستقبل كذلك.