حياة أسطورية
هل كانت الملكة نازلي، زوجة الملك فؤاد الأول وملكة مصر، تُدرك عندما أمرت دار "فان كليف أند آربلز" الباريسية الشهيرة عام 1939 بُصنع قلادة ماسية فاخرة من أجل حضور عُرس ابنتها الأميرة فوزية على شاه إيران، أنها قد تُودع يوماً حياة البذخ والرفاهية التي تحياها وتموت وحيدةً فقيرة بعد بضع سنوات في بلادٍ غريبة؟!
وُلِدت نازلي في 15 يونيو عام 1894 في مدينة الإسكندرية لأسرةٍ عريقة، حيث كان والدها عبدالرحيم باشا صبري وزيراً للزراعة ووالدتها هي حفيدة سليمان باشا الفرنساوي الذي قدِم إلى مصر مع الحملة الفرنسية ثم أعلن إسلامه واستقر فيها وأصبح قائداً للجيش المصري في عهد الخديوي عباس. ولاحقاً انتقلت الأسرة إلى قصرٍ كبير في القاهرة حيث تَرعرعت نازلي في حياة الترف وخالطت أرقى الأوساط الاجتماعية في ذلك الوقت. ومما لا شك فيه أن الصُدفة قد لعبت دوراً كبيراً في حياة نازلي التي كان يُعرف عنها ولعها الشديد بحضور حفلات الأوبرا المصرية، فهناك رآها الملك فؤاد لأول مرة عام 1919، ووقع في حبها على الفور وتقدم للزواج منها.
عشق خاص للمجوهرات
لم تكن نازلي متلهفة لإتمام هذا الزواج حيث إن الملك فؤاد الأول كان يكبرها بنحو 20 عاماً، إلا أن ضغط أسرتها كان كفيلاً بإتمامه. ونتيجة لهذا الفارق العُمري الكبير، كان الملك شديد الغيرة عليها ولكنه كان يحاول تعويضها عن ذلك الحصار الذي كان يفرضه عليها بالسماح لها بحضور حفلات الأوبرا التي تحبها، إضافةً إلى إهدائه إياها الكثير والكثير من المجوهرات باهظة الثمن. وقد امتلكت الملكة نازلي على مدار السنوات مجموعةً نادرة من المجوهرات التي لا تُقدّر بثمن، ولم تكن تعلم أن هذه المجوهرات ستكون مصدر دخلها الوحيد يوماً ما، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السُفن! فبعد وفاة الملك فؤاد في إبريل من عام 1936، تحررت نازلي من كافة القيود التي كانت مفروضة عليها، وأصبحت كثيرة السفر إلى أوروبا مع بناتها الأميرات للاستمتاع بالحرية التي حُرمت منها طويلاً.
ومع اقتراب موعد زفاف الأميرة فوزية في ربيع عام 1939، طلبت الملكة من دار "فان كليف آند آربلز" تصميم مجموعة من المجوهرات النفيسة لها ولابنتها، حيث صممت لها الدار تلك القلادة البلاتينية النفيسة التي تحتوي على أكثر من 600 قطعة من الماس وتزن أكثر من مئتي قيراط على هيئة ثلاثة أدوار تتوسطها ماسة كبيرة ترمز إلى الشمس ويتفرع منها أربعة أدوار إضافية من الماس، مع تاجٍ مماثل يضم 274 قيراطاً من الماس ويُعد تحفةً فنية بكل المقاييس.
نهاية مأساوية
ومع مرور السنوات، وانغماس الملكة في حياة الترف وانجرافها وراء نزواتها التي ملأت جنبات القصر وعلاقتها العاطفية مع أحمد حسنين باشا، أصبحت تصرفات نازلي مثاراً للسخرية وهمسات الحاشية، ما أثار حفيظة ابنها الملك فاروق ودفعه لإحكام سيطرته عليها، فادعت حاجتها للسفر إلى الولايات المتحدة في عام 1948 بحُجة تَلقي العلاج هناك واصطحبت معها الأميرتَين فائقة وفتحية، إضافةً إلى مجموعة كبيرة من مجوهراتها الثمينة التي أخذتها سراً حيث إنها لم تكن تنوي العودة إلى مصر مرةً أخرى. ومن بعدها تسببت سلسلة من القرارات الخاطئة في تدمير حياة الملكة وأبنائها، ففي عام 1950 باركت نازلي زواج ابنتها فتحية من رياض غالي، موظف الخارجية البسيط، الذي تعرفت عليه فتحية في فرنسا عندما كان يعمل مُلحقاً بالقنصلية المصرية في مرسيليا وكان مرافقاً للملكة وبنتيها في رحلتهن في أوروبا، ومن ثم سافر معهن إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تم هذا الزواج رغم أنف فاروق، وعلى الرغم من كَون غالي مسيحي الديانة حيث تزوج من فتحية زواجاً مدنياً، ليُفاجأ الجميع بعدها بإعلان نازلي وفتحية اعتناقهما الديانة المسيحية وقيام الملكة بتغيير اسمها إلى "ماري إليزابيث"، ما جعل الملك يستشيط غضباً فقام بتجريد أمه الملكة نازلي وأخته من ألقابِهما الملكية وجميع مُمتلكاتهما.
استمرت نازلي في الإنفاق ببذخ وشراء العقارات بالولايات المتحدة، وقامت بمنح غالي تفويضاً كاملاً بإدارة أموالها وممتلكاتها، ولكنه خسر أغلب هذه الأموال فقام باقتراض مبلغ مالي ضخم من أحد البنوك بضمان مجوهرات الملكة ولكنه فشل في سداده، ما تسبب في إلزام القضاء الأمريكي الملكة نازلي بدفع كافة المبالغ التى استدانها غالي أو إعلان إفلاسها وبيع ممتلكاتها بالمزاد العلنى وهو ما حدث بالفعل، وهو الأمر الذي زاد من إصرار فتحية على طلب الطلاق من رياض غالي بعد أن تكشّفت لها حقيقته.
بعد ذلك سكنت نازلي في شقة متواضعة في حي فقير يُدعى «ويست وود» في مدينة لوس أنجلوس، وحصلت الأميرة فتحية على حكم بالطلاق من زوجها إثر انفصالهما عام 1965. ولكن غالي كان يحمل الضغينة لطليقته، لهذا قام في ديسمبر من عام 1976 بإطلاق الرصاص على الأميرة فتحية فأرداها قتيلة، ثم أطلق رصاصة على رأسه في محاولةٍ منه للانتحار، إلا أنه تم إنقاذه وحُكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً قضى منها 11 عاماً مصاباً بالعمى والشلل ومات في سجنه عام 1987. وقد لحقت نازلي بابنتها فتحية بعد وفاتها بعامين حيث توفيت في 29 مايو 1978 عن عُمر يناهز الـ84 عاماً، ودُفنت في نفس المقبرة التي دُفنت فيها ابنتها في إحدى كنائس لوس أنجلوس.
ليست مجرد قلادة
وقد ظلت قلادة نازلي التي اضُطرت لبيعها لِدار مزادات "سوذبيز" عام 1975 مقابل 140,000 دولار مُختفيةً لنحو أربعة عقود، لا يعلم أحد ما حَلّ بها أو هُوية مُشتريها، إلى أن قام مؤخراً ذات الشخص الذي اشتراها منذ أربعين عاماً بالاتصال بدار المزادات عارضاً إياها للبيع. قامت "سوذبيز" على إثر ذلك بإرسال القلادة إلى دار "فان كليف آند آربلز" لمعاينتها والتأكد من أنها القلادة الأصلية، وهذا ما أكدته الدار مُعلنةً عن رغبتها في استرداد القلادة مرة أخرى، وبالفعل اشترتها الدار عام 2015 بمبلغ 4.3 مليون دولار، لتعود هذه التحفة النادرة مُجدداً إلى دار المجوهرات التي صممتها أول مرة بعد أن شهدت مراحل تاريخية استثنائية في حياة الملكة الأُم.. الملكة نازلي؛ أُم آخر ملك من ملوك مصر، والتي كانت أفعالها وسوء اختياراتها سبباً رئيسياً في عزلة وانتهاء عهد مصر الملكية إلى الأبد.
اقرأ ايضاً:
كيف أصبحت الأميرة العثمانية دُر الشهوار أميرة هندية؟