12 يوليو 2020

باسمة يونس تكتب: إرث مرفوض

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

باسمة يونس تكتب: إرث مرفوض

(عشر قصص حب صغيرة) هو عنوان الفيلم الثاني للمخرج ( رودريغو غارسيا) ابن الروائي العالمي الراحل (غابرييل غارسيا ماركيز) والحاصل على نوبل الآداب عام 1982. وينتهج (رودريغو) خط السينما إثباتاً لنفسه بأنه سيلقى النجاح في طريق مختلف تماماً عن الطريق الذي اختاره والده والذي عارض جده لأجله بسبب عشقه للكتابة وتهربه من دراسة المحاماة.

 وقد أعلن ( رودريغو) مراراً وفي أكثر من لقاء بأن روايات والده لا تصلح للسينما، وبأنه غير مهتم بالأدب ويرفض أن يستثمر نجاح والده كما يرفض أيضاً تساؤلات البعض حول إمكانية قيامه بتأليف كتب أو كتابة قصص يوماً، مجيباً على ذلك بأنه لا يحب الكتابة كما يحب التصوير وبأنه يعشق النظر إلى ما حوله ورؤية الأشياء أكثر من وصفها والتعبير عنها كتابة. 

المخرج رودريغو غارسيا
المخرج رودريغو غارسيا

ولا يزال ( رودريغو غارسيا) يحاول النجاح في عالم السينما متخلياً عن اسم والده، وعلى الرغم من أنه وبعد ثلاثة أفلام لم تلق النجاح يريد أن يقول للعالم بأنه لم يرث من والده حب الكتابة و لن يعيش في جلباب أبيه، والسينما هي المسار الذي اختاره بنفسه وهي المهارة التي ستنقله من كونه نجل الروائي العالمي إلى المخرج المستقل، وعلى الرغم من أن أفلامه تشبه مونولوجات القصص، لكنه يرفض تماماً فكرة أن يكون مؤلفاً مثل والده. 
ويمثل رودريغو بموقفه عصامية البعض ممن يرفضون العيش في عوالم آبائهم ويضحون بها بسهولة، ليس لأنهم لا يحبونها ولكن لأنهم يخشون التقليل من قدراتهم ومن النظر إليهم على أنهم مجرد ورثة لنجاح لا يستحقونه ولم يخوضوا مغامرة كالتي خاضها آباؤهم وتمكنوا من تحويل حياتهم بعدها إلى النجاح
وهناك الكثير ممن يرتاحون في هذا الجلباب الجاهز والذي سيحميهم من مغامرات مؤلمة وجهود قد لا تلقى سوى الفشل، لكن الأغلبية العظمى يريدون تحقيق نجاحاتهم الخاصة ويضحون بمواهبهم المتشابهة مع مواهب آبائهم ليتجهوا ناحية قمة مختلفة لمجرد إثبات قدرتهم في الارتقاء عليها بأنفسهم ومن دون الاعتماد على أحد وخصوصاً على آبائهم. 

ولكن هل من المفيد دائماً تخلي الأبناء عن نجاحات الآباء؟ وهل ينجح الأبناء جميعاً في تحقيق الاستقلالية من خلال المشي بطريق مختلف أم أن جلباب الآباء قد يكون مظلة أمان وحماية لمن ستخالف الظروف توقعاتهم وتضع الأقدار عوائق النجاح أمامهم؟ وماذا عمن يحملون جينات نجاح الآباء ولديهم نفس المواهب التي تميزوا من خلالها، ألا يعد رفضهم ذلك هدراً للنجاحات التي حققها الآباء ولا زال بإمكانهم الإبداع فيها؟ وعلى الجانب الآخر هل يجب أن يمثل نجاح الأب أو الأم في مجال نجاحاً لأبنائهم على الرغم من اختلاف القدرات ووجهات النظر والمهارات وعلى الرغم من عدم امتلاك الأبناء جينات النجاح أو المواهب نفسها التي كان يمتلكها أحد الآباء؟ ولماذا يرفض الكثير من الأبناء الانخراط في أعمال وعوالم آبائهم التي لاقت نجاحاً هائلاً، ولماذا يرفضون فكرة وراثة النجاح مثل المال ويحاولون التهرب من هذا النجاح وكأنه فرار من قيد يحتم عليهم الظهور بمظهر لا يخدم تطلعاتهم نحو التميز والتفرد؟ أليس نجاح الآباء إرثاً يستحقه الأبناء ويجب ألا يرفضونه مهما كان السبب؟