من شدة تمسكه بالمظهر الشاب والشعر المزروع وعمليات شد الوجه والجفون، تصور المحيطون به أن سيلفيو برلسكوني لن يموت. لكن الخلود للخالق وحده، وقد ووري رئيس وزراء إيطاليا السابق إلى مثواه الأخير في جنازة كبيرة تخللتها التساؤلات عن مصير امبراطوريته الاقتصادية والإعلامية.. من هم ورثة الزعيم الشعبوي الذي تصور أنه يستطيع أن يشتري بفلوسه كل شيء؟
في الجنازة من اليسار إلى اليمين بربارة، إلينورا، لويجي، مارينا وبابلو الشقيق الأصغر للزعيم الراحل
كانوا يسمونه الفارس. وبما أن لكل جواد كبوة، كما يقول المثل العربي، فقد ترجل سيلفيو برلسكوني عن صهوة فروسيته في 12 من الشهر الجاري عن 86 عاماً. إنه الرجل الذي أوحى لرفاقه أنه سيعيش 100 عام وأكثر. لكن حديث الرفاق وغيرهم اليوم لا يتركز على سنوات عمره بل على رقم ثروته. وبلغة الأرقام فإن الراحل يملك 6.8 مليار دولار. وعلى غير عادة كبار الأثرياء فإن برلسكوني لم يحدد وريثاً معيناً ورسمياً له. وبهذا فإن توزيع التركة لن يكون سهلاً وسيدخل في المعمعة كثير من المحامين.
برلسكوني.. المرتبة السادسة بين أثرياء إيطاليا
بدأ هذا السياسي الشهير حياته مغنياً في النوادي الليلية، كما كان يغني للساهرين على متن السفن التي تقوم بجولات سياحية بحرية. بعد 8 عقود من تلك البدايات فارق المغني السابق سيلفيو برلسكوني الحياة عن 86 عاماً تاركاً وراءه أملاكاً لا تحصى. وبحسب تقديرات صحيفة «فوربس» فإن ثروته تقترب من 7 مليارات دولار. وهي ثروة وضعته في المرتبة السادسة بين كبار الأثرياء في بلده، إيطاليا. إنه يمتلك، بشكل خاص، أسهما في البورصات بقيمة تزيد على 3 مليارات دولار، هذا إلى جانب العديد من الشركات وأبرزها «ميدياسيت» التي تعتبر واسطة العقد في امبراطوريته الإعلامية. كما أنه يضع اليد على مؤسسات في ميادين مختلفة، منها دور النشر والصحف الورقية والنوادي الرياضية، وهو يملك نادي «أي سي مونزا» لكرة القدم منذ 2018.
كان يتنقل بثلاث طائرات نفاثة ورابعة عمودية. كما اشترى «فيلا كورتوسا» في جزيرة سردينيا ومنزلاً يقع في ساحة كرازيولي في روما. وكانت له استثمارات عقارية ومجموعة شقق بقيمة تزيد على 3 مليارات يورو. لكن الخبراء الاقتصاديين يرون أن أهم أملاك الثري الراحل هي شركته العائلية العملاقة «فينيفيستي»، حيث كان يتمتع بالقسم الأكبر من أسهمها، أي 61 في المئة. وقد جرى تقدير نشاط الشركة في عام 20121 بـ 6 مليار يورو، مع أرباح بلغت 360 مليون يورو في السنة.
لا وريث رسمي لبرلسكوني
المشكلة في كل هذه الأموال أن المتوفي لم يحدد وريثاً رسمياً له. وبهذا فإن القسمة ستكون معقدة، حسب ما أعلنه مصدر قريب من العائلة لصحيفة «الإيكو» الاقتصادية. إن حسن تقسيم التركة يعتمد على حسن التفاهم بين أبنائه الخمسة المولودين من زوجتين. وسيجري تقسيم أسهم الشركة العائلية التي كانت باسم والدهم عليهم بالتساوي. ومن هؤلاء ابنته مارينا وولده بيير سيلفيو المولودين في 1966 و1969 من زوجته كارلا إلفيرا لوتشيا دالوجليو، التي عاشت معه ما بين 1965 و1984. ويدير الولدان دار النشر الشهيرة «موندادوري» وتلفزيون «ميدياسيت»، إنهما يملكان سوية حالياً 7.65 في المئة من الشركة العائلية.
أما أبناء الزوجة الثانية فيرونيكا لاريو، وهم، بربارة، المولودة عام، 1984 وإلينورا، المولودة عام، 1986 ولويجي، المولود عام 1989، فإنهم يملكون مجتمعين 21.42 من أسهم الشركة العائلية. هذا مع العلم أن الأب انفصل عن والدتهم في عام 2009.
هؤلاء الأبناء تزوجوا وأصبح بينهم آباء. فقد رزقت مارينا بولدين: جابرييلا وسيلفيو، ورزق بيير سيلفيو بثلاثة أطفال: لوكريزيا ولورينزو وصوفيا، بينما رزقت باربارة بخمسة أبناء: أليسانرو وإدواردو وليوني وفرانسيسكو وإيتوري. ورزقت إليونورا بثلاثة أبناء: ريكاردو وفلورا وأرتميسيا. ورزق لويجي بولدين: إيمانويل وتوماسو.
بحسب القانون الإيطالي يمكن للأحفاد أن يشاركوا في تركة الأجداد. وينص القانون على حضورهم في تقسيم الإرث أسوة بالزوجات والأبناء والبنات الذين يحتلون الصف الأول بين الورثة. وكلما كان الشركاء والأولاد والأحفاد كثيرين كلمت زادت القسمة. على سبيل المثال، لو كان للمتوفى ولداً واحداً، فإن الزوجة ترث نصف التركة والنصف الثاني للابن. وإذا كان للمتوفى ولدان فأكثر فإن كلاً منهما يرث الثلث ويذهب الثلث الثالث للأم.. وهكذا بالتتابع، وهو قانون يختلف عن المعمول به في فرنسا حيث يرث الأبناء كافة بالتساوي، إلا في حال وجود وصية تخالف ذلك.
مع شريكة حياته الأخيرة مارتا
معركة الوراثة بدأت
الغموض فيما يخص ثروة برلسكوني سيتركز على الطريقة التي سيتم فيها تقسيم الممتلكات. إذ سيجد بعض الورثة أنفسهم في موقع متراجع، حسبما ورد في صحيفة «ربوبليكا» الإيطالية. فلو طلب برلسكوني تقسيم أسهمه في شركته العائلية على أبنائه الخمسة بالتساوي لما كانت هناك مشكلة ولحصل كل واحد على 12.24 من حصة الوالد الراحل. لكن بدون وصية فإن الأبناء الثلاثة للزوجة الثانية سيحصلون على 58 في المئة تقريباً من أسهم الشركة العائلية في حين أن مارينا وبيير سيلفيو أبني الزوجة الأولى سيحصلان على 19.9 في المئة لكل منهما.
وهناك الطامة الكبرى المسماة مارتا فاسكينا، المرأة التي صاحبها برلسكوني في سنواته الأخيرة بعد طلاقه الثاني، وكانت بمثابة زوجته. هل ستأتي بجيش من المحامين لكي تطالب بحصتها من الإرث؟ الجواب متروك للأشهر المقبلة حين يجف تراب القبر وتحتدم معركة الوراثة.