29 أغسطس 2023

إنعام كجه جي تكتب: باي باي صوفي

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: باي باي صوفي
صوفي دافان

طوال ست سنوات كانت المذيعة الفرنسية صوفي دافان تطل على المشاهدين في ساعات العصر، كل يوم، لتقدم برنامج «تمت الصفقة». ولم تكن صوفي خلال تلك السنوات مجرد مذيعة لواحد من أنجح برامج المنوعات في القناة الثانية، بل تمكنت من الاقتراب من قلوب المشاهدين وعقولهم وأصبحت خبيرة في المادة التي تقدمها.

لماذا يتابع ملايين المشاهدين هذا البرنامج؟ لأنه يفتح لهم نافذة على قيمة الحاجيات المهملة والأثاث القديم الموجود في مخازن بيوتهم. إن كرسياً ممزقاً أكل الدهر عليه وشرب وتجشأ يمكن أن يجد له مشترياً يدفع فيه مبلغاً معتبراً. وكانت صوفي هي الوسيط بين البائع والشاري. يشاركها في مهمتها عدد من خبراء المزادات والحاجيات النفيسة، يقومون بتقدير قيمة البضاعة المعروضة، ثم يدخل البائع ليدافع عن بضاعته أمام منصة من أصحاب مخازن الأنتيكا أو من جامعي التحف. يبدأ المزاد علناً أمام المتفرجين، وفي دقائق معدودة تذهب البضاعة لمن يدفع الثمن الأعلى.

ليس من الضرورة أن تكون البضاعة المقترحة ذات قيمة كبيرة. هناك من يأتي بلعبة مكسورة من ألعاب أطفاله، أو بمرآة مشروخة، أو لوحة لرسام مجهول، وأحياناً حقيبة سفر متهالكة لكنها تحمل توقيع مصمم معروف. يدفع المقتنون مبالغ تتراوح ما بين عشرين يورو وعشرين ألفاً!

كل ذلك يتم في إطار من العرض الجذاب والمفاوضات الممتعة والمعلومات التاريخية التي تغني ثقافة المتفرج. يبحث متابعو البرنامج في كراكيب بيوتهم عما يمكن تقديمه للبرنامج الشهير. ينبشون الحقائب القديمة ويستعينون بمقتنيات الأجداد ويقررون بيع أطقم البورسلين والفضيات وهدايا الزواج التي بقيت محفوظة في الخزائن الزجاجية دون أن يستعملها أحد خشية الكسر أو العطب.

صارت صوفي أكثر وجوه الشاشة الصغيرة شعبية. إنها سيدة شقراء صغيرة القامة في الستين من العمر، بدأت مسيرتها مقدمة للنشرة الجوية قبل أكثر من ثلاثين سنة. ثم حالفها الحظ وفازت ببرامج ذات أهمية. لها تسريحة مميزة تقلدها فيها آلاف الفتيات، تلبس كعوباً عالية وثياباً ملونة مع قلائد جميلة. كبرت مع التلفزيون لكنها تجتهد في الحفاظ على ملامح طفولية. وهي قد تعلمت من خلال البرنامج خبرات في تقدير قيمة الأشياء وزمنها ومصدرها ونوع خامتها. يذهب كثير من المشاركين دون أن يكون هدفهم بيع بضاعة ما بل لمجرد أن يشاهدوا صوفي وجهاً لوجه ويصافحوها ويلتقطوا صورة معها.

قبل أيام قررت المذيعة المحبوبة أن تستريح وتترك البرنامج. ستتولى تقديمه مذيعة أخرى. انهالت عليها الآلاف من رسائل الوداع. وكانت حلقتها الأخيرة مهرجاناً من المحبة والغصة في آن. لن يفتقد المتفرج وجهاً لطيفاً مألوفاً فحسب بل سيشعر بأن شيئاً من عاداته اليومية قد ذهب مع صوفي. إن التعود أقوى من الحب أحياناً.