فيروز بين أنور وجدي ومديحة يسري في فيلم "ياسمين"
في السينما المصرية، كما في السينما العالمية، نجح الأطفال في منافسة الكبار، بل وكتبت أسماؤهم بأحرف من نور في تاريخ السينما، وخلدت أفلامهم في الذاكرة، وتركوا بصمة كبيرة، بعد أن استطاعوا خلق عالم مختلف في أعمالهم، لتشهد السينما عبر تاريخها نماذج من أطفال خطفوا الكاميرا من الكبار، غير أن عدداً قليلاً منهم مَن استمرت رحلتهم، ليصبحوا من كبار النجوم.
شيرلي تمبل وروبرت يونج في فيلم "مسافر متخفي"
شيرلي تمبل.. معجزة السينما العالمية
في عام 1932 اختارت هوليوود الطفلة «شيرلي تمبل»، ولم يزد عمرها آنذاك على أربع سنوات، لتقدمها من خلال فيلم Kid's Last Stand، أو «وقفة الطفل الأخيرة»، فلفتت الأنظار إليها بقوة، وتبعته في العام نفسه بفيلم Red-Haired Alibi أو «أليبي ذات الشعر الأحمر»، لتسارع شركة «فوكس» في عام 1934 إلى التعاقد معها لتقديم عدد كبير من الأفلام، وأطلقت عليها لقب «معجزة السينما العالمية»، وقدمت عدداً من الأفلام الناجحة، لكنها توقفت في عام 1949 ليكون فيلمها الأخير A Kiss for Corliss أو «قبلة لكورليس»، لتظل واحدة من أشهر نجمات العالم، ليس من خلال الأفلام الأربعة التي قدمتها في مرحلة الشباب، فقط، لكن عبر ما يقرب من 20 فيلماً قدمتها خلال مرحلة الطفولة.
فريدي هايمور في "ذروة أغسطس"
آسا باترفيلد في "هيوجو"
جوليا روبرتس ويعقوب تريمبلاي في فيلم "رائع"
معجزة هوليوود نبهت صناع السينما في العالم لتلك الهالة الخاصة التي تحيط بهؤلاء الصغار، بمجرد ظهورهم على الشاشة، فظهر عدد كبير من الأطفال في السينما العالمية بعدها، كما ظهر في ربع القرن الأخير عدد آخر أصبحوا نجوماً، أمثال فريدي هايمور، إيزابيل فورمان، آسا باترفيلد، صوفي نيليسي، والطفل الأعجوبة جاكوب تريمبلاي، وغيرهم، في محاولة للسير على النهج نفسه، وأغلبهم لا يزال يكمل رحلته خلال مرحلة الشباب.
فاتن حمامة مع محمد عبد الوهاب في فيلم "يوم سعيد"
سيدة الشاشة العربية بعمر 22 عاماً فقط
المخرج المصري محمد كريم، تنبه مبكراً إلى هذه الظاهرة العالمية، وقرر الاستعانة بالطفلة فاتن حمامة، التي تم اختيارها من بين عشرات الأطفال لتقف أمام محمد عبد الوهاب في فيلم «يوم سعيد»، الذي عرض في عام 1940، لتبهر الجميع. وبدلاً من أن تكون مجرد طفلة في عدد محدود من المشاهد، أصبحت إحدى بطلات العمل، وراح النقاد والصحفيون يشيرون إليها بأنها معجزة السينما المصرية.
غير أن فاتن حمامة تفوقت باستمراريتها، وكما كانت معجزة السينما في طفولتها، أصبحت بعد 13 عاماً فقط «سيدة الشاشة العربية»، وهي في عمر الـ22 عاماً، ذلك اللقب الذي منحه لها الجمهور والنقاد في عام 1953، بعد دورها في فيلم «موعد مع الحياة»، لتنطلق رحلتها منذ البداية في عام 1940 من دون توقف عبر 60 عاماً، لتقدم ما يزيد على 100 فيلم سينمائي خلدت في تاريخ السينما، وتم اختيار ما يقرب من 10 أفلام من بينها، لتكون الأفضل في تاريخ السينما المصرية.
فيروز في طفولتها
أما المعجزة المصرية الثانية «فيروز»، فقد سارت على درب «شيرلي تمبل»، منذ أن التقطها الفنان والمنتج والمؤلف والمخرج، أنور وجدي، وهي الطفلة «بيروز آرتين كالفايان»، صاحبة السبع سنوات، ليوقع مع والدها عقد احتكار تتقاضى عنه ابنته ألف جنيه عن كلّ فيلم، ويصبح اسمها «فيروز»، ليبدأ عهد جديد في حياة الاثنين، من النجاح الباهر عبر فيلمها الأول معاً «ياسمين»، في 1950.
وفي صباح يوم العرض ظهر إعلان في الصحف المصرية يدعو كلّ أطفال مصر لحضور حفل العاشرة صباحاً الذي سيعرض فيه الفيلم، ثم ستقوم البطلة الصغيرة فيه بتوزيع هدايا على الأطفال.
وبالفعل، تم وضع مئات الهدايا في سينما «الكورسال»، بعده قدمت فيلم «فيروز هانم» عام 1951، ثم «صورة الزفاف» عام 1952، وصولاّ إلى فيلم «دهب» في 1953، ليكون الأخير أشهر أفلام الثنائي أنور وجدي وفيروز، والذي أنفصل بعده الثنائي، ويتولى والدها إنتاج أفلام لها، بداية من فيلم «الحرمان» في عام 1953، وظهرت فيه فيروز إلى جانب شقيقتيها الأصغر «ميرفت»، و«نيللي»، كما قدمن معاً، فيلم «عصافير الجنة»، لتنقطع فيروز سنوات عدة، وتعود بعدها شابة يافعة، وتقدم البطولة الأولى لها أمام نجم الكوميديا إسماعيل ياسين في فيلم «إسماعيل ياسين للبيع»، ثم «إسماعيل ياسين طرزان».
كما قدمت بعدهما فيلم «أيامى السعيدة»، ثم فيلم «بفكر في اللي ناسيني» الذي كان آخر أفلامها، لتعلن بعده اعتزال التمثيل وعمرها لا يزال 17 عاماً، وتتزوج من الفنان الكوميدي بدر الدين جمجوم، ولم تعد للتمثيل حتى رحيله في العام 2016، لكنها تركت أثراً كبيراً في ذاكرة السينما المصرية.
نيللي في طفولتها
نيللي على خطى فيروز
أثناء وبعد اعتزال فيروز، استكملت الرحلة شقيقتها الأصغر «نيللي»، التي واصلت رحلتها الفنية، حيث قدمت في طفولتها خمسة أفلام هي «الحرمان، عصافير الجنة، رحمة من السماء، حتى نلتقي، وتوبة»، ثم تنقطع لمدة خمس سنوات وتعود في عام 1964، في بداية الشباب بفيلم «المراهقان»، وتنطلق لتكون واحدة من نجمات الشباك خلال السبعينات والثمانينات، من القرن الماضي.
فضلاً عن تقديم «فوازير رمضان» لسنوات عدة، لتكون أشهر من قدم هذا اللون الاستعراضي الغنائي، وتكمل رحلتها الفنية لتكون واحدة من أهم النجمات في تاريخ السينما والدراما المصرية والعربية، برصيد يتجاوز 100 فيلم، ومسلسل، ومسرحية.
لبلبة في طفولتها
سارت على الخطى نفسها ابنة خالها الفنانة «لبلبلة»، التي بدأت رحلتها أيضاً في الخامسة من عمرها من خلال فيلم «حبيبتي سوسو»، مع المخرج نيازي مصطفى، ثم قدمت بعدها أربعة أفلام في طفولتها هي «البيت السعيد، يا ظالمني، أربع بنات وضابط، والحبيب المجهول»، حتى عام 1955، لتعود في عام 1960 شابة من خلال فيلم «النغم الحزين»، وتتوالى بعدها أعمالها كبطلة أولى في أفلامها.
كما اشتهرت في بدايتها بتقليد المشاهير، ودرست البالية الكلاسيكي، وعملت في الغناء من خلال الأغاني الخفيفة والمونولوجات، فقدمت ما يقرب من 268 أغنية، منها 30 أغنية للطفل، وحصلت عبر رحلتها الفنية على أكثر من جائزة كأحسن ممثلة، من خلال نحو 100 عمل، أحدثها فيلمان لم يطرحا للعرض حتى الآن، هما «آل شنب» مع النجمة ليلى علوي، و«الجواهرجي» مع النجم محمد هنيدي.
ميمي جمال في طفولتها في فيلم "أقوى من الحب"
أيضاً من الفنانات اللاتي بزغ نجمهن في الطفولة، الفنانة القديرة ميمي جمال، التي بدأت في عمر 12 عاماً، من خلال فيلم «المستهترة» مع المخرج عبد الله بركات، وقدمت بعده عدداً كبيراً من الأفلام خلال مرحلة الطفولة، وتستمر رحلتها، لتشارك خلال العام الجديد 2024 في بطولة فيلم «انا وابن خالتي»، أمام بيومي فؤاد.
سارت على الدرب نفسه الفنانة القديرة بوسي، زوجة الراحل نور الشريف، التي بدأت مشوارها في عمر 9 سنوات من خلال فيلم «عودي يا أمي»، عام 1961، ثم «الليالي الدافئة» أمام صباح وعماد حمدي، وغنت لها صباح أغنية «حبيبة أمها».
وفي بداية الشباب شاركت مع فرقة ثلاثي أضواء المسرح في مسرحية «جوليو وروميت»، لتنطلق بعدها وتصبح واحدة من نجمات السينما المصرية، كما شاركت زوجها شركة الإنتاج التي قاما بتأسيسها، وقدما من خلالها العديد من الأفلام التي أصبحت من علامات السينما المصرية.
دينا عبد الله في فيلم "الحفيد"
كذلك الطفلة المميزة دينا عبدالله، التي اشتهرت بجملتها الشهيرة: «حسين ما تطلق الست دي وتريحنا»، في فيلم «الحفيد» في عام 1975، لتشتهر بلقب «رويترز الصغيرة»، وتستمر إلى اليوم في رحلتها الفنية برصيد يتخطى 140 عملاً، وتسير على خطاها الفنانة منة عرفة، منذ ظهورها كطفلة في فيلم «مطب صناعي» في عام 2006 أمام أحمد حلمي، ولا تزال تكمل رحلتها الفنية عبر ما يقرب من 50 عملاً.
أحمد فرحات مع عبد المنعم إبراهيم في فيلم "طاقية الإخفاء"
القليل جداً من الأطفال النجوم الذكور
رغم العدد الهائل من الأطفال الذين ساهموا في تاريخ السينما المصرية، وظلوا متمسكين بوجودهم إلى أن أصبحوا من كبار النجوم، إلا أن اللافت للنظر أن أغلبهم كان من الإناث، وعدد قليل جداً من الأطفال الذكور، من بينهم الطفل الشهير أحمد فرحات، الذي اشتهر بأدوار الطفل «الغلباوي»، منذ أن ظهر في السينما المصرية بنهاية الخمسينات، ولم يكمل عامه الثامن، عندما أسند إليه المخرج صلاح أبو سيف دور الطفل اليتيم في أحد الملاجئ في فيلم «مجرم في إجازة» في عام 1958، وبعده قدم عشرات الأفلام، ثم توقف لسنوات طويلة ليعود مؤخراً بعد بلوغه سن التقاعد، ويقدم بعض الأدوار الثانوية.
سليمان الجندي في طفولته مع الفنان الكبير محمود المليجي
صلاح ذو الفقار في طفولته مع الفنانة عزيزة أمير
كذلك الطفل سليمان الجندي، الذي قدمه المخرج صلاح أبو سيف في عمر السابعة في فيلم «الأسطى حسن»، أمام فريد شوقي، لتتوالى بعده العديد من الأعمال، ثم اعتزل في عام 1967، بعد أن تم حصره في أدوار الطفل، ولم يجد الأدوار المناسبة كشخص بالغ.
وربما كان الفنان الوحيد الذي بدأ رحلته الفنية وهو في سن الخامسة عشرة، واستمرت رحلته الفنية إلى أن بلغ عمره 67 عاماً، هو النجم الكبير صلاح ذو الفقار، الذي قدمه المخرج محمد كريم من خلال فيلم «ليلة فرح» عام 1942، ليشارك شقيقه النجم محمود ذو الفقار وزوجته آنذاك، عزيزة أمير، بطلي الفيلم.
ثم يختاره المخرج نيازي مصطفى ليشارك في فيلم «حبابة» عام 1944، لينقطع بعده عدة سنوات التحق خلالها بكلية «البوليس»، ليعود نجماً شاباً في فيلم «عيون سهرانة» في عام 1956، وينطلق ليصبح أحد أهم نجوم السينما المصرية بأكثر من 200 عمل، ما بين السينما والتلفزيون والمسرح، كان آخرها فيلم «الإرهابي» أمام النجم عادل إمام.
إعداد: نادية سليمان
اقرأ أيضاً: فاتن حمامة.. من ملكة جمال الأطفال إلى سيدة الشاشة العربية