06 أغسطس 2024

إنعام كجه جي تكتب: يشيخون ونكبر معهم

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: يشيخون ونكبر معهم
جيّوم دوران

حين وصلت باريس، قبل دهر، سحرني البرنامج الصباحي الذي كانت تقدمه القناة الفرنسيّة الثانية، إنه من نوع البث المباشر الذي يتضمن فقرات صحيّة ورياضيّة وغذائيّة وفنيّة منوّعة، مع نشرة سريعة للطقس ومعلومات مفيدة عن الأفلام والكتب والمسرحيّات الجديدة.

كان مقدّمو الفقرات الجالسون حول طاولة مشتركة، من أبرع الصحافيين والخبراء وأكثرهم لطافة وخفة دم، لكن كل مقدمي الفقرات في كفّة وصاحب البرنامج في كفّة، إن جيّوم دوران وسيم مثل نجوم السينما، ذكي وقدير ومثقف. هادئ وديع غالباً وبركان عند الحاجة، ولم يكن نهاري نهاراً طبيعيّاً بدون متابعة برنامجه.

ذات يوم، فوجئت أن جيّوم دوران يودّع مشاهديه ويعلن أنه سينتقل إلى قناة أخرى خاصة، لقد اشتروه مثلما يتم شراء لاعبي كرة القدم، من سيحلّ محله يا ترى؟ جيء بشاب يدعى وليم ليمرجي، لبق لطيف ويميّزه افتراق سنيه الأماميين في الفك العلوي عن بعضهما، قال للمشاهدين إنها علامة حسن الحظ..

لم يصدّقه أغلبنا ولم يتعاطف معه أحد، لكننا اعتدنا عليه بعد أيام قلائل، صار وليم ليمرجي هو الوجه المبتسم الذي أفتتح به صباحاتي، أتعرف على أهم الأخبار وعلى حالة الطقس وكل ما هو جديد في عالمي القريب والبعيد.

لكن الدوام في الشاشات مستحيل، وبعد ربع قرن استغنوا عن خدمات ليمرجي وانتقل إلى برنامج للظهيرة في قناة أقل مشاهدة ومتابعة، ولا أدري لماذا لم ألحق به إلى برنامجه وواصلت متابعتي لبرنامج البث المباشر الصباحي رغم أنه ما عاد يعتمد على مقدّم واحد، أو مايسترو يضبط الإيقاع، بل على مجموعة من المذيعين والمذيعات المبتدئين.

وأمس، بينما كنت أقلّب المحطات استوقفني وجه بدا لي مألوفاً، عجوز حفرت وجهه التجاعيد، ذو شعيرات بيضاء خفيفة وصوت متحشرج، اشتغلت ذاكرتي بكل طاقتها بحثاً عن الاسم الذي يمكن أن يتطابق مع الصورة.

يا إلهي... إنه جييوم دوران!

كان في عز الشباب حين رأيته للمرة الأولى والآن تجاوز الثمانين، قلت لنفسي: كيف كبر وشاخ بهذه السرعة؟ ثم عدت وقلت لنفسي: لابد أنني كبرت بالوتيرة نفسها، كما يقول الشاعر: «شبكت عَشْري على رأسي»، أي لطمت هامتي، وغيّرت القناة وقررت ألا أتطلع في المرآة ذلك النهار.

يأتون ويذهبون ونأتي ونذهب ولا يبقى في الآخر سوى وجه ربّك ذي الجلال والإكرام.