21 ديسمبر 2021

تعرفوا إلى نساء مجهولات في شوارع باريس

كاتبة صحافية

كاتبة صحافية

تعرفوا  إلى نساء مجهولات في شوارع باريس

جدل يدور في أروقة بلدية العاصمة الفرنسية حول الغبن الواقع على النساء في تسمية الشوارع. ومن بين 6 آلاف شارع في باريس هناك 300 فقط تحمل أسماء أنثوية. مع هذاـ فإن من بينهن شخصيات نسيها التاريخ ولا يعرفها أحد من العابرين الذين يمرون بالشارع ويقرؤون اللافتة الزرقاء المعلقة على الجدار ويتساءلون: من تكون هذه؟

300 شارع بأسماء نساء

تعرفوا  إلى نساء مجهولات في شوارع باريس

لكي يستحق المرء أن يخصص له شارع يحمل اسمه في باريس، فلابد أن يكون قد قام خلال حياته بعمل يستوجب تخليد ذكراه لكي تبقى حاضرة في وعي الأجيال التالية. وإذا كانت ميادين العلوم والسياسة والأدب تحفل بآلاف الرجال بحيث لا يخلو حي من أحياء باريس من اسم مخترع أو جنرال، فإن المجال أمام النساء كان محدوداً. وبهذا فإن الفرصة ستكون محدودة أيضاً لبروز واحدة منهن بشكل يستدعي إطلاق اسمها على شارع في عاصمة النور.
حاولت بلدية باريس، في الآونة الأخيرة، تعويض بعض ما فات. لكن هيهات. إن صرخات الجمعيات النسائية المطالبة بالعدالة بين الجنسين تساهم في تغيير الغبن الواقع على المرأة لكنها لا تستطيع أن تشطب تاريخ عدة قرون بجرة قلم. فمن بين 6000 شارع تحمل أسماء علماء وأدباء وفلاسفة وزعماء وملوك وقادة عسكريين، هناك 300 شارع بأسماء نساء.

كتاب المؤرخة الفرنسية ملكة ماركوفيتش
كتاب المؤرخة الفرنسية ملكة ماركوفيتش

وبعض هؤلاء النسوة مجهولات للعامة، وحتى للخاصة. وقد عكفت المؤرخة الفرنسية ملكة ماركوفيتش على نبش تاريخ أولئك البطلات المجهولات وتتبعت قصص حياتهن ومصائرهن في كتاب جميل بعنوان «باريسيات». والمؤلفة مهتمة بقضايا المرأة، وهي أيضاً مخرجة لأفلام وثائقية وتعمل مستشارة دولية لقضايا حقوق الإنسان. وسبق لها أن نشرت كتاباً أثار ضجة بعنوان: «الأمم غير المتحدة».

ترى المؤلفة أن اختيار السيدة آن هيدالجو لرئاسة بلدية باريس كان فرصة لتوعية الرأي العام بالإجحاف الواقع على النساء في أسماء شوارع العاصمة.

والتسميات لا تخص الشوارع وحدها ففي المدينة مئات الساحات والحدائق العامة والممرات والجسور التي تحمل أسماء خالدة. وقبل انتخابها عمدة للعاصمة التي توصف بأنها الأجمل في العالم، شغلت هيدالجو منصب مساعدة العمدة. وقد شكلت لجنة لمراجعة أسماء الطرقات وأوصت أعضاء اللجنة بضرورة أن يطالع سكان العاصمة الحضور النسائي بشكل ملموس وهم يتجولون في الشوارع والساحات ويقرؤون أسماءها. ومنذ عام 2011 كان هناك 110 أسماء لشوارع وحدائق وأزقة جديدة أضيفت إلى ما هو موجود.

وتقديراً لعمل العمدة دعتها المؤلفة لكتابة تقديم لكتابها الصادر عن منشورات «بالان». وتوضح هيدالجو أن لجنة التسميات في البلدية تتلقى عشرات المقترحات لأسماء شخصيات من كل المشارب والأصول. فليس من الضروري أن تحمل شوارع باريس أسماء لشخصيات فرنسية.

وهذه المقترحات تأتي غالباً من مستشارين في البلدية لكن يمكن لأي شخص أن يتقدم باقتراحه. إن من حق أي مواطن أن يلفت نظر مسؤولي العاصمة إلى ما ينقصها. بعد ذلك تخضع المقترحات للدراسة والنقاش والتصويت داخل اللجنة، ثم تنتقل إلى تصويت ثان في المجلس الاستشاري لباريس.

الكاتبة والفيلسوفة سيمون دو بوفوار

الكاتبة والفيلسوفة سيمون دو بوفوار

يحتاج الأمر، بالتأكيد، إلى جرأة في القرار لكي تنال المرأة المبدعة ما تستحقه من تسمية شارع باسمها. ومنذ سنوات تم طرح اسم الكاتبة والفيلسوفة سيمون دو بوفوار باعتبارها كياناً قائماً بذاتها وليست مجرد اسم ملحق بالفيلسوف جان بول سارتر الذي ربطتها به علاقة عميقة. وبعد جهد حثيث نالت دو بوفوار المكافأة التي تأخرت طويلاً وجرى إطلاق اسمها على الجسر الخشبي الرائع الذي جرى تشييده على نهر «السين»، مقابل المبنى الجديد للمكتبة الوطنية.

كما جرى تكريم الكاتبة مرجريت يورسنار بإطلاق اسمها على مركز للمعلوماتية، وتسمية حديقة باسم الرسامة ليونور فيني وأخرى باسم نصيرة حقوق المرأة بولين رولان، ومكتبتين عاميتين باسمي مؤرخة المقاومة الفرنسية جيرمين تيون وشهيدة المقاومة خلال الحرب الثانية هيلين بير.

هذه أسماء تنتمي للماضي القريب. لكن في باريس شوارع مسماة بأسماء نساء نبيلات لا يعرفهن أحد. ومنها زقاق ملكة هنغاريا الواقع في حي «الهال» وسط العاصمة. أي ملكة منهن؟

زقاق ملكة هنغاريا (جولي بيشور بائعة الزهور)

زقاق ملكة هنغاريا (جولي بيشور بائعة الزهور)

بحثت المؤلفة عن صاحبة الاسم ووجدت أنها جولي بيشور. وهي كانت بائعة زهور حسناء اعتادت التردد على قصر فيرساي لبيع بضاعتها. والحكاية تقول إن سيدة القصر، ملكة فرنسا ماري إنطوانيت التي كانت من أصل هنغاري أيضاً، خرقت البروتوكول ونزلت لملاقاة البائعة الفقيرة لأنها وجدت في ملامحها شبهاً بوالدتها، ملكة هنغاريا ماري تيريز. وفجأة صارت البائعة تسمى «ملكة مايو»، أي أيار. لقد رفعها لقاؤها بالملكة إلى مرتبة لم تكن تحلم بها لكن العلاقة انتهت نهاية مأساوية. و
بعد الثورة الفرنسية جرى إعدام ماري إنطوانيت بالمقصلة، ولقيت جولي بيشور المصير نفسه.

شارع «ماري ريجنييه»

شارع «ماري ريجنييه»

من الأسماء المبهمة أيضاً الشارع المسمى «ماري ريجنييه» والواقع في الدائرة 16 من العاصمة. وبعد البحث والتنقيب تبين أنها كاتبة من أوائل القرن الماضي، كانت تنشر مقالاتها في صحيفة «الفيجارو»، بتوقيع «الجوال». وهي ليست فرنسية بل ابنة الشاعر الكوبي الأصل جوزيه ماريا دو هيريديا. لقد كان عليها التخفي وراء اسم رجالي لكي تؤخذ كتاباتها على محمل الجد والاعتبار. والجوال، أي «فلانور» في اللغة الفرنسية تعني الشخص السائر بدون هدف محدد، والحالم أو السرحان.

شارع مرجريت بوسيكو

وهناك في الدائرة 15 من باريس شارع باسم مرجريت بوسيكو. من تكون هذه؟ الحقيقة أن صاحبة الاسم المجهول عاشت حياة مدهشة. فهي قد ولدت عام 1816 في أحضان الفقر والجوع. لكنها تزوجت رجلاً يدعى أريستيد، كان أول من ابتكر فكرة المتاجر الكبرى المؤلفة من عدة طوابق وتحتوي على كل ما تحتاجه المرأة العصرية والرجل الأنيق.

وهو وراء تأسيس متجر «بون مارشيه» الراقي. وبعد وفاتها، أوصت باستخدام تركتها في بناء ثلاثة ملاجئ للنساء المطرودات من عائلاتهن لأنهن أنجبن بدون زواج. وجاء في الوصية: «لتكن بيوتاً للفتيات الحوامل التعيسات غير المتزوجات اللواتي أوقعهن سوء حظهن في الغواية».

ولم تنس مرجريت بوسيكو في وصيتها أن تخصص أموالاً لمعهد باستور للأبحاث الطبية، كما منحت مبلغاً لتأسيس مستشفى كان يحمل اسمها لكنه اختفى. أما ما تبقى من ثروتها فقد تركتها حسب ما ورد في وصيتها: «للسلطات القوية القادرة على مساعدة المحرومين والبؤساء وعلاج المتألمين».

هذا عن بعض أسماء الشوارع والأزقة، لكن ماذا عن الجادات الكبرى والرئيسية؟

ماذا يتوجب على المرأة أن تفعل لتفوز بوضع اسمها على واحدة منها؟ توضع بعض الأسماء على الشوارع الفرعية والممرات في مناسبات معينة ثم ترفع ولا يتذكرها أحد. وفي وسط باريس، طريق يحمل اسم لور سورفيل. وهي إذا كانت مجهولة فإن فرنسا كلها تعرف اسم أخيها الأديب الشهير بلزاك.

وهي كانت ملهمته في العديد من الشخصيات النسائية التي جمعها في مؤلفه الكبير «الكوميديا الأنسانية». وهناك، مثلاً، شارع باسم بولين ليون يحتاج إلى دليل وخرائط لكي يستدل عليه المارة ويعرفوا مناقب صاحبته. وختاماً، يرى كثيرون وكثيرات أن التقسيم غير عادل. وغالبية الشوارع المسماة بأسماء نساء تقتصر على الملكات والأميرات أو القديسات. واليوم ترتفع أصوات تطالب بتغيير تلك الأسماء لصالح شخصيات نسائية وطنية أو فكرية معروفة.

 

مقالات ذات صلة