أكد كبار علماء الإسلام أن الرسوم المسيئة والتصريحات العدائية التي صدرت من بعض السياسيين وأدعياء الفكر والثقافة وحرية الرأي في الغرب لن تنال من الإسلام ورسوله العظيم الذي نشر قيم العدل والتسامح والرحمة في العالم وشدد كبار العلماء على ضرورة أن يتحلى المسلمون بضبط النفس في الرد على تلك السفاهات وعدم ممارسة أي عنف ضد المتطاولين والمتجاوزين، فالمعركة فكرية وثقافية، والرد على الفكر ينبغي أن يكون بالفكر، وتجسيد قيم التسامح والرحمة في التعامل مع المخالفين لنا في العقيدة.
وفيما يلي نصائح وتوجيهات عدد من كبار علماء الإسلام للتعامل بوعي مع حملة الإساءة ضد الإسلام ورسوله الكريم في الغرب.
"الدفاع يكون بالرأي والفكر وليس بالعنف"
في البداية يؤكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أن حملات الإساءة ضد رسول الإسلام في الغرب سواء أكانت في شكل تصريحات أو رسوم تجسد أبشع مظاهر الجهل والغباء الفكري والسياسي، وليس في ذلك حرية رأي ولا فكر، فحرية الرأي تكون في أمر جدلي يحتمل أكثر من وجه، أما الإساءة لشخص فى مكانة رسول الإسلام الخاتم فهي لا تندرج إطلاقاً تحت«حرية الفكر» بل هي حرية جهل وغباء وعدم وعي بالتداعيات التي تترتب على ذلك.
وأضاف شيخ الأزهر «الإساءة للنبي محمد صلوات الله وسلامه عليه ليست حرية رأي كما يدعون، بل هي «دعوة صريحة للكراهية والعنف، وانفلات من كل القيم الإنسانية والحضارية». ونحن كمسلمين من حقنا بل من واجبنا أن ندافع عن نبينا صلى الله عليه وسلم أغلى علينا من أنفسنا.. لكن هذا الدفاع يكون بالرأي والفكر وليس بالعنف، فقد تعلمنا من رسولنا العظيم كيف نتحاور مع المخالفين لنا في العقيدة أو الرأي، علمنا صلوات الله وسلامه عليه أن نقرع الرأي بالرأي، وأن ننفي التهمة بالحجة والبرهان، ونحن والحمد لله نتملك كل الحجج والبراهين على أن ديننا هو خاتم الأديان السماوية والمتمم لها، وأن نبينا عليه الصلاة والسلام هو مبعوث العناية الإلهية لخلقه أجمعين، بعثه الله برسالة حق لينشر الرحمة والتسامح وكل القيم الأخلاقية الراقية بين الناس أجمعين».
ويؤكد الدكتور الطيب أن حملات الإساءة للإسلام ورسول الإسلام تكشف عن جهل متوارث، وهؤلاء الذين يتطاولون ويتجاوزون في حق ديننا ورسولنا لا يكلفون أنفسهم قراءة سيرة هذا الرسول العظيم من مصادر معتبرة، وليس من خلال كتابات مسيئة يتناقلونها في الغرب، ويتوارثونها جيلاً عن جيل، ولو قرأ هؤلاء بوعي وعقول مجردة عن الهوى لتوقفوا عن إساءاتهم، وبعض المفكرين الغربيين الذين تعرفوا إلى الإسلام ورسالة رسوله من مصادر موثوقة اعتنقوا الإسلام عن قناعة وتحولوا الى دعاة له، ولهم مؤلفات عديدة ينبغي أن تكون من مصادر التعريف بالإسلام في المجتمعات الغربية.
الذين يبررون الإساءة لنبي الإسلام لديهم أزمة حقيقية بسبب ازدواجيتهم الفكرية وأجنداتهم الضيقة
ويرفض شيخ الأزهر تبرير الإساءة لرسول الإسلام بشعارات جوفاء، ويقول «الذين يبررون الإساءة لنبي الإسلام لديهم أزمة حقيقية بسبب ازدواجيتهم الفكرية وأجنداتهم الضيقة، ونحن نذكرهم بأن المسؤولية الأهم للقادة هي صون السلم الأهلي، وحفظ الأمن المجتمعي، واحترام كل الأديان السماوية، وحماية الشعوب من الوقوع في الفتنة، لا تأجيج الصراع باسم حرية التعبير».
"المسلم الحق يحب العفو، ويتخلق بالتسامح"
الدكتور شوقي علام مفتي مصر، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، يتفق مع شيخ الأزهر في ضرورة تبني موقف متزن وهادئ في التعامل مع تلك الإساءات مع اتخاذ الإجراءات القانونية ضد مرتكبيها حتى لا تتكرر مستقبلاً، ويوضح «هذه الإساءات ليست جديدة وهي تكشف عن روح التعصب الديني التي لا تزال تسيطر على نفوس بعض أدعياء الفكر والثقافة في الغرب، وعلينا أن نرد عليها بما يدحضها ويؤكد عبث من يرددها أو يتبناها بالأمن والسلم المجتمعي، فضلاً عن أنها تهدد مستقبل العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي».
القراءة العصرية لسيرة النبي وتطبيقها تطبيقاً عملياً صحيحا في حياة المسلمين أولاً أصبحت ضرورة ملحة
ويضيف «الذين يسيئون لرسولنا جهلاء فعلاً بسيرته العطرة، وهم يتناقلون معلومات خاطئة عنه، ولو قرأوا ووقفوا على حقيقة ما قدمه الرسول الخاتم للبشرية كلها- وليس للمسلمين فقط- لما صدرت عنهم تلك الإساءات.. وتعريف هؤلاء بسيرة رسولنا جزء من الدعوة التي يجب أن يقوم بها المسلمون كل حسب طاقته».
وهنا يؤكد مفتي مصر أن القراءة العصرية لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وتطبيقها تطبيقاً عملياً صحيحا في حياة المسلمين أولاً أصبحت ضرورة ملحة في ظل ما نعيشه من أحداث تتطلب منا التمسك بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وتحقيق مقاصد الإسلام السمحة، فما أحوج الأمة الإسلامية إلى التحلي بأخلاق نبي الرحمة في وقتنا الراهن، في ظل انتشار تيارات وجماعات التطرف والإرهاب التي لا تمت إلى الدين بصلة، ولا تعرف شيئا عن مبادئه وقيمه السمحة.
ويدعو مفتي مصر جموع المسلمين في العالم أن يجعلوا التعبير عن غضبهم المشروع لمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة إيصال أخلاقه وتعاليمه السمحة وصورته المشرقة للعالمين، فميلاد النبي صلى الله عليه وسلم كان ميلادا للرحمة غير المحدودة للإنسانية جمعاء، ورسالة الإسلام قائمة على الرحمة.
وعن الأخلاق الفاضلة التي نشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبين د.علام «الرسول علمنا كل ما هو راق ومتحضر من السلوك، رسولنا ورحمته وعفوه محفوران في سجل شرف الإنسانية.. لقد علمنا- عليه الصلاة والسلام- قيم التسامح، والعفو، والرحمة في التعامل مع كل خلق الله، لا فرق في ذلك بين مسلم وغير مسلم، فالمسلم الحق يحب العفو، ويتخلق بالتسامح، وشعاره قول الحق سبحانه «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين».. والمسلم الحق هو الذي يتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعلم علم اليقين أن عفوه ليس ضعفاً، بل قوة تكسبه احترام الآخرين، وتؤلف حوله القلوب.
ويؤكد د.علام أن «العفو» مطلب قرآني، حيث أمر الله رسوله الكريم بالتسلح بالعفو حتى في تعامله مع المخالفين والمنافقين وغيرهم، فقال «فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر».. ولم يقف حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترسيخ هذا الخلق على أقواله السابقة وغيرها، بل تجسدت كل معاني العفو في سلوكه الكريم حيث ضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في العفو والتسامح، فتحول أمام إنسانياته الكريمة العدو إلى محب.
"هذه الحملات المغرضة ليست جديدة، ففي كل عصر توجد حملات مشابهة"
عالم السنة النبوية د.أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، يتعجب من تجدد حملة الإساءة للرسول الخاتم في الغرب رغم أن كل الحملات السابقة جاءت بنتائج عكسية، ولم تحقق للمسيئين هدفا واحدا، ويقول «هذه الحملات المغرضة ليست جديدة، ففي كل عصر توجد حملات مشابهة، ورغم أن هذه الحملات تستفز مشاعر المسلمين إلا أنها تنقل للآخرين رسالة قوية مفادها أن مشاعر الحب والاعتزاز والتقدير في نفوس المسلمين تجاه رسولهم لن تموت، ولن تفتر، بل هي تزداد قوة في نفوس الأجيال الجديدة من المسلمين، وانظر الى مواقع التواصل الاجتماعي في كل بلاد العالم الإسلامي الآن لترى كيف يعظم المسلمون- كبيرهم وصغيرهم- رسول الأعظم، وكيف يدافعون عنه، وكيف يهبون للرد على كل إساءة توجه له».
ويضيف «رسول الإسلام شهد بعظمته القاصي والداني، والمعاني السلبية التي تستند إليها الرسوم المسيئة للرسول رد عليها وفندها مفكروا الغرب، وعلى هؤلاء المسيئين أن يرجعوا الى بني جلدتهم، وهم مفكرون كبار لهم وزنهم في الغرب، ليقرأوا بما شهدوا لرسول الإسلام، وماذا كتبوا عنه، وكيف ردوا على الأكاذيب التي روجها بعض المستشرقين الغربيين المغرضين عن هذا الرسول العظيم الذي بعثه الله هاديا للبشرية كلها».
ويؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثالاً في التعامل الرحيم مع خلق الله جميعاً، وكان نموذجاً لا مثيل له في العلاقات الإنسانية، ولذلك استطاع أن يجمع حوله قلوب الجميع، وأن يحقق مكاسب كبيرة في وقت وجيز للرسالة السماوية التي بعثه الله بها، وكان قمة في تحقيق العدل والإنصاف بين الناس».
ويضيف :كان صلوات الله وسلامه عليه يمتلك مقومات الداعية المثالي، والمصلح الاجتماعي الشامل، فعرف كيف يخاطب الناس على اختلاف قدراتهم العقلية وميولهم وتوجهاتهم الفكرية، كما كان يمتلك السمات الشخصية للقيادة وأهمها التواضع، ومن أقواله صلى الله عليه وسلم:
«التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله، والعفو لا يزيد العبد إلا عزاً فاعفوا يعزكم الله»، فقد علمنا رسول الإنسانية كيف نتعامل بتسامح، وكيف نتراحم ويعفو بعضنا عن بعض في إطار من الود والاحترام، فما أجمل أن يعفو الإنسان بطيب نفس عمن ظلمه، ويتعامل مع الآخرين بتسامح ورحمة مع كل خلق الله، لا فرق في ذلك بين مسلم وغير مسلم، فالمسلم الحق يحب العفو، ويتخلق بالتسامح».