17 ديسمبر 2020

علماء الأزهر: هذه أسباب تحريم زواج المسلمة من غير المسلم

محرر متعاون

علماء الأزهر: هذه أسباب تحريم زواج المسلمة من غير المسلم

كثر الجدل في مصر خلال الأيام الماضية حول إباحة زواج المسلم من نساء أهل الكتاب (المسيحيات واليهوديات) وتحريم زواج المسلمة من المسيحي أو اليهودي.. الأمر الذي دفع الأزهر ودار الإفتاء المصرية إلى المبادرة بالرد وتأكيد تحريم الإسلام لزواج المسلمة من غير المسلم، وتوضيح أسباب ودوافع هذا الرفض.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا حرّم الإسلام زواج المسلمة من المسيحي أو اليهودي وإباحة زواج المسلم من المرأة المسيحية أو اليهودية؟ 
هذا السؤال وغيره من التساؤلات التي تكشف فلسفة الإسلام في الإباحة والمنع نناقشها مع عدد من كبار علماء الأزهر الشريف لنرد على كثير مما يدور في العقل المسلم وغير المسلم حول هذه القضية.

"الزواج في الإسلام ليس عقداً مدنياً، بل هو رباط ديني يقوم على المودة بين طرفين"
 
في البداية يؤكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أن الأمر بعيد تماماً عن العنصرية، فالإسلام جاء ليواجه كل صور العنصرية ضد البشر، لكن هذا الأمر تحكمه فلسفة وحكمة شرعية، ومبررات مقنعة ينبغي أن تحترم من جانب الجميع.. مسلمين وغير مسلمين.
ويضيف «الزواج في الإسلام ليس مشروعاً مدنياً إنما هو «عقد ديني» والقرآن الكريم استخدم مرتين كلمة الميثاق الغليظ؛ مرة وصف بها الميثاق الذي أخذه الله على النبيين في بيان الهدى الإلهي للناس، والمرة الثانية وصف به علاقة الزواج بين الرجل والمرأة، فالميثاق الغليظ ذكر مرتين في القرآن مرة أخذه الله على الأنبياء والمرة الثانية أخذته النساء من الرجال، و(الميثاق الغليظ) رباط قوى يربط بين طرفين وله عظمته ومكانته في الإسلام».

ومن هذا يتضح أن الزواج في الإسلام ليس عقداً مدنياً كما هي الحال في الغرب، بل هو رباط ديني يقوم على المودة بين طرفين، فالمسلم يتزوج من غير المسلمة كالمسيحية مثلاً، لأنه يؤمن بعيسى عليه السلام، وهو شرط لاكتمال إيمانه، كما أن ديننا يأمر المسلم بتمكين زوجته غير المسلمة من أداء شعائر دينها، وليس له منعها من الذهاب إلى كنيستها للعبادة، ويمنع الزوج من إهانة مقدساتها؛ لأنه يؤمن بها، ولذا فإن المودة غير مفقودة في زواج المسلم من غير المسلمة.

وهنا يوضح شيخ الأزهر أن زواج المسلمة من غير المسلم يختلف عن المثال السابق، فهو لا يؤمن برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ودينه لا يأمره بتمكين زوجته المسلمة - إن تزوجها - من أداء شعائر الإسلام أو احترام مقدساتها، لأن الإسلام لاحق على المسيحية؛ ولذا فالزوج غير المسلم يؤذي زوجته المسلمة بعدم احترام دينها، والتعرض لرسولها ومقدساتها، ولأن المودة مفقودة في زواج المسلمة من غير المسلم فقد منعه الإسلام.

ويؤكد د. الطيب أنه لا مجال هنا لبث فتنة بين أتباع الأديان السماوية بقضية لا يستوعبها كثير من المتحدثين فيها، ولسنا في حاجة لنؤكد أن الإسلام دين يحترم كل الأديان السماوية السابقة، ويجعل الإيمان بالأنبياء السابقين جميعاً جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية.

المسلم إذا تزوج من مسيحية أو يهودية فإنه مأمور باحترام عقيدتها، ولا يجوز له أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها

"إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقوداً"

ودعم مركز الفتوى العالمي بالأزهر رأي شيخ الأزهر حيث أكد أن القرآن الكريم لم يبح للمسلم نكاح المرأة الكتابية على إطلاقها، بل أباح نكاح المرأة الملتزمة بتعاليم دينها، المحافظة على قيم العفة والطهارة، والالتزام بالقيم والأخلاق الفاضلة، فإباحة الزواج من الكتابية ليس على إطلاقه، وذلك واضح في قول الحق سبحانه: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾، وإنما قال: ﴿وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ أي يحل لكم أن تطعموهم من طعامكم؛ للتنبيه على أن الحكم في الذبائح مختلف عن المناكحة، فإن إباحة الذبائح حاصلة في الجانبين، بخلاف إباحة المناكحات فإنها في جانب واحد؛ هو حِلُّ زواج المسلم من الكتابية، بخلاف العكس؛ فلا يحل للكتابي أن يتزوج بمسلمة.

ويضيف مركز الأزهر العالمي في فتواه «الفقهاء أكدوا أن المسلم إذا تزوج من مسيحية أو يهودية فإنه مأمور باحترام عقيدتها، ولا يجوز له - من وجهة النظر الإسلامية - أن يمنعها من ممارسة شعائر دينها والذهاب من أجل ذلك إلى الكنيسة أو المعبد، وهكذا يحرص الإسلام على توفير عنصر الاحترام من جانب الزوج لعقيدة زوجته وعبادتها، وفي ذلك ضمان وحماية للأسرة من الانهيار.

أما إذا تزوج غير مسلم من مسلمة فإن عنصر الاحترام لعقيدة الزوجة يكون مفقوداً، فالمسلم يؤمن بالأديان السابقة، وبأنبياء الله السابقين، ويحترمهم ويوقرهم، ولكن غير المسلم لا يؤمن بنبي الإسلام، ولا يعترف به، لأن الإيمان به، والاعتراف بصحة ما جاء به، يعني ضرورة اتباعه، وحينئذٍ لا مناص له من أن يكون مسلماً، بل إنه بعدم اتباعه للإسلام يعتبره نبياً زائفاً وَيُصَدِّق - في العادة - كل ما يشاع ضد الإسلام وضد نبي الإسلام من افتراءات وأكاذيب، وما أكثر ما يشاع، وحتى إذا لم يصرح الزوج غير المسلم بذلك أمام زوجته، فإنها ستظل تعيش تحت وطأة شعور عدم الاحترام من جانب زوجها لعقيدتها، وهذا أمر لا تجدي فيه كلمات الترضية والمجاملة، فالقضية قضية مبدأ».

"الإسلام نسق مفتوح يؤمن بكل الأنبياء وتتسع صدور أتباعه لكل الخلق"

د. شوقي علام، مفتي الديار المصرية، يؤكد أن المسلمة لا يحل لها أن تتزوج بغير المسلم مطلقاً، لا من اليهود ولا من النصارى، ولا من غيرهما من غير المسلمين.. ويقول «الإسلام أجاز للمسلم أن يتزوج من أهل الكتاب، ولكنه لم يجز لغير المسلم أن يتزوج مسلمة، حيث إن المسلم مؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين، ودينه يأمره باحترامهم وتقديسهم».

ويضيف د. علام «غير المسلم ليس مؤمناً بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، فإذا تزوج من المسلمة فلن تستطيع أداء دينها في أمان وسلام، ولن تشعر بالاحترام الكافي لدينها ونبيها صلى الله عليه وسلم، مما يجعل الحياة الزوجية قلقة ومزعزعة، أما الإسلام فهو نسق مفتوح يؤمن بكل الأنبياء وتتسع صدور أتباعه لكل الخلق».

ويرفض مفتي مصر اتهام شريعة الإسلام بالعنصرية في مسألة زواج غير المسلم بالمسلمة، ويقول «شريعتنا في علاقاتها المتعددة والمتنوعة والمتشابكة بأهل الكتاب لا تعرف العنصرية، بل هي على العكس من ذلك، تحث أتباعها على توثيق علاقتهم بأهل الكتاب بكل الوسائل المشروعة، ولم تكتف شريعة الإسلام بذلك، بل أباحت مؤاكلة أهل الكتاب والأكل من ذبائحهم والزواج من نسائهم دون نساء المشركين، فأين هي عنصرية الإسلام؟».

"المودة والسكينة مرجوة في زواج المسلم بالكتابية، وهذا لا يتحقق في زواج المسلمة من الكتابي"

د. عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية ووكيل الأزهر السابق، يؤكد أن المستقر في شرعنا أن الزواج يكون بين المسلم والمسلمة، كما يكون بين المسلم والكتابية، سواء أكانت مسيحية أو يهودية على خلاف بين العلماء في جواز الزواج من الكتابيات، والراجح أن زواج الرجل المسلم من امرأة كتابية مسيحية أو يهودية جائز ما لم يخش من هذا الزواج على دين الزوج والأبناء.

ويقول «من موروثات فقهنا عدم جواز زواج المرأة المسلمة من غير المسلم ولو كان كتابياً، وهذا بإجماع فقهاء المسلمين، ولعل البعض يرى في هذا الذي أجمع عليه الفقهاء من مشروعية زواج المسلم من الكتابية، وعدم مشروعية عكسه وهو زواج المسلمة من غير المسلم على إطلاقه، خللا بمبدأ المساواة وتحيزاً للإسلام من قبل فقهائه، وأنه كان من المنطقي أن يكون زواج المسلمة من الكتابي جائزاً قياساً على زواج المسلم من الكتابية، ولكن مع البيان الهادئ تزول هذه الإشكالية، ويتبين أنه لا علاقة لها بالإخلال بالمساواة أو التحيز، وذلك أن زواج المسلم من الكتابية يرجع إلى أن المسلم يؤمن برسول الكتابية وكتابها، فتمام إيمان المسلم وكماله لا يتم دون أن يؤمن بجميع الكتب السابقة والأنبياء والمرسلين، لا نفرق بين أحد من رسله، كما تلزمنا شريعتنا بتمكين الزوجة الكتابية من إقامة شعائر دينها بما في ذلك الذهاب إلى كنيستها أو معبدها، ويلزم الزوج المسلم أن يحترم زوجته غير المسلمة كزوجته المسلمة ويعدل بينهما، ولا يتصور أن مسلماً يؤمن بدينه ويعرفه معرفة صحيحة أن يهين زوجته الكتابية أو يتعرض لكتابها أو رسولها، لأن هذا يخل بسلامة عقيدته كمسلم، ولذا فإن المودة والسكينة مرجوة في زواج المسلم بالكتابية، وهذا لا يتحقق في زواج المسلمة من الكتابي لأنهم لا يؤمنون برسولنا ولا بكتابنا، كما نؤمن نحن بهم، فهم بين منكر لرسالته جملة أو مؤمن بأنه مرسل للعرب خاصة، كما لا تلزمهم شرائعهم بتمكين المسلمة من أداء شعائر دينها، ويتصور مع ذلك تعرض الزوج غير المسلم لما يؤذي المسلمة في مشاعرها نحو دينها، لأنه لا يؤمن به، ولذا فإن افتقاد المودة والسكينة التي هي من أهداف الزواج السامية متوقع بشكل كبير في زواج المسلمة من غير المسلم الكتابي، والإسلام حريص على بناء الإنسان وسلامته من كل ما يسبب له ألماً أو ضيقاً».

ويناقش د. شومان مسألة مهمة تتعلق بزواج المسلمة من غير المسلم في بلاد الغرب، حيث تنظر هذه الدول إلى الزواج على أنه (عقد مدني) ولا يظهر لاختلاف الدين أثر يذكر على هذا الزواج، كما أن القول بوجوب التفريق بين المسلمة وزوجها غير المسلم قد يعرضها لمشكلات جمة إذا لم تكن لها عائلة أو مكان يؤويها، ولذا فقد تجد نفسها مضطرة لترك إسلامها، أو سلوك طريق المعصية لتدبر نفقاتها وتواصل حياتها إذا لم تجد عملاً أو زوجاً مسلماً، ولعل الاجتهاد الجماعي في هذه المسألة يجد حلاً لهذه المعضلة، كأن يمنع زواج المسلمة من غير المسلم ابتداء، فهي مسلمة مستقرة على إسلامها قبل الزواج، ويمكنها البحث عن زوج مسلم.

لكن كيف يكون التصرف إذا تزوج الزوجان وهما على غير الإسلام فأسلمت الزوجة وبقى زوجها على دينه؟

يقول د. شومان: هنا يفرق بين حالتين:

- الأولى: إن كانت الزوجة التي أسلمت لن تتعرض إن فارقت زوجها للضياع والتشرد، لوجود عائلة تعولها، أو مصدر رزق كوظيفة أو تجارة تمكنها من العيش حتى ترزق بزوج مسلم، فهذه يحرم عليها أن تستمر على زواجها من غير المسلم.

- الثانية: إذا لم يكن لها عائلة أو مصدر رزق، وسيترتب على مفارقتها لزوجها عودتها إلى دينها قبل الإسلام أو سلوك طريق الانحراف لا محالة، فأعتقد أن قواعد شرعنا تبيح الإبقاء على هذه الزوجية صيانة للزوجة وحماية لدينها، في ظل زوجية لا إيذاء لها في مشاعرها، لعدم تأثير الانتماء الديني على الحياة في هذه المجتمعات، فلا يعقل أن تكون أحكام شريعتنا مؤدية إلى عقاب الزوجة التي تدخل في الإسلام بتضييعها أو عودتها إلى غير الإسلام.