كل عام وأنتم بخير.. ها نحن نستقبل شهر رمضان المبارك.. الشهر الفضيل الذي جعل الله «أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار»، ولذلك يجب أن نتسابق فيه جميعاً إلى التوبة والمغفرة، والتخلص من الذنوب، والسعي لنيل رضا الخالق، ومساعدة ذي الحاجة من خلق الله. والتساؤلات التي تفرض نفسها علينا في مثل هذه الأيام من كل عام هي:
كيف نستعد لاستقبال هذا الشهر الكريم؟
وما الذي ينبغي أن نحرص عليه من العبادات والآداب والأخلاقيات والأعمال الخيرية والدنيوية حتى نحظى بعفو الخالق ونتخلص من ذنوبنا وآثامنا ونخرج من رمضان بأكبر قدر من المكاسب والمنافع؟
طرحنا هذه التساؤلات وغيرها على نخبة من كبار العلماء، وجاءت وصاياهم على النحو التالي:
1- التخلص من السلوكيات والمشاعر السلبية
في البداية ينصح د. شوقي علام، مفتي مصر، كل مسلم أن يحسن استقبال شهر رمضان المبارك، ويستعد جيداً لاغتنام هذه الفرصة للتقرب لخالقه، والتخلص من ذنوبه وآثامه، ويقول «رمضان من الأشهر العزيزة الكريمة على الله سبحانه وتعالى، التي تغفر فيها الذنوب، ويعتق الإنسان فيها من النار، فهذا الشهر من أوله إلى آخره هو «شهر النفحات الربانية والمنح الإلهية» التي تتنزل على بني آدم، حيث يعم السلام والوئام وتسود السكينة والهدوء على نفس المسلم الملتزم بتعاليم دينه في هذا الشهر الكريم».
علينا في رمضان أن نغير من سلوكياتنا، وأن نحول أفعالنا السيئة إلى أعمال حسنة، وأن نتخلص من السلوكيات السلبية التي لا يرضاها الله عز وجل
لذلك يوصي د. علام كل مسلم بأن يستعد جيداً لتحقيق أقصى استفادة من شهر رمضان «في الالتزام بآداب وأخلاقيات فريضة الصوم منافع ومكاسب كثيرة لا ينبغي أن نفوتها، بل ينبغي أن ننتهز الفرصة للخروج من هذا الشهر الفضيل بأعظم المكاسب، ومنها التدرب على الصبر، وقد بشرنا سبحانه وتعالى بأن الصبر جزاؤه الجنة، فيجب ألا نخرج منه إلا وقد وعينا هذا الدرس العظيم، بحيث يصبح له مردود على العمل وفي الشارع والبيت وفي كل تعاملاتنا».
ويواصل مفتي مصر «فضائل الصيام كثيرة وجزاء الصائمين يصعب حصره، ففضل الله واسع وكرمه عميم، وللصائمين منزلة خاصة في الآخرة، فبفضل الله يدخلون الجنة من باب خصص للصائمين فقط، ويغلق دونهم، إنه باب «الريان». يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن في الجنة بابًا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون فإذا دخلوا أغلق».
علينا في رمضان أن نغير من سلوكياتنا، وأن نحول أفعالنا السيئة أو السلبية إلى أعمال حسنة وإيجابية، وأن نتخلص من السلوكيات والمشاعر السلبية التي لا يرضاها الله عز وجل، وأن يكون لهذا مردود على كل من يحيط بنا، فحسن الخلق من علامات الإيمان الصادق، والسلوك الحسن دليل على نقاء صاحبة وتربيته الإيمانية الصحيحة».
الاستعداد والتهيؤ لرمضان ظاهراً وباطناً له من الأمور المرغوبة شرعاً
وعن حكم الاحتفاء برمضان دون غيره من شهور السنة، قال د. علام «لقد خصَّ الله تعالى شهر رمضان من بين سائر شهور العام بالتكريم والبركة، وجعله موسماً عظيماً تنهل منه الأمة من الخير ما لا يمكن حصره ووصفه، حتى بات هذا الشهر الكريم يمثل غاية كبرى، وأمنية منشودة للصالحين، يتمنون على ربهم بلوغها، والاحتفاء بهذا الشهر، وإدراك هذا الزمان المبارك، والاستعداد والتهيؤ ظاهراً وباطناً له من الأمور المرغوبة شرعاً، والتهيؤ لرمضان لا يكون بتجهيز الولائم والتخطيط لسهراته، بل يكون بإخلاص النية لإحيائه بأداء العبادات في أوقاتها بالصورة والهيئة التي أرشدنا إليها رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم، والعزم على اغتنام أوقاته والاجتهاد فيه بالأعمال الصالحات بكل همة ونشاط».
2- احترام رأي العلم والطب بخصوص الصوم
وينصح مفتي مصر المرضى بضرورة احترام رأي العلم والطب بخصوص الصوم، فإذا صرحا بأن هناك ضرراً على الإنسان من الصوم نتيجة المرض فيجب على الجميع الالتزام بذلك. كما ينصح جموع المسلمين من مختلف الأعمار، بضرورة الابتعاد عن السلوكيات السلبية، والامتناع عن تضييع الأوقات في غير المفيد على مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات وغيرها، وأن يحرص كل مسلم على المفيد والنافع فحسب، وأن ينتهز فرصة هذا الشهر كي يدرب نفسه على الابتعاد عن المعاصي والمحرمات، لينال ثواب الشهر الفضيل على أكمل وجه ويتعود على الطاعة والتصرفات النافعة بعد رمضان.
3- الإخلاص في أداء العبادات
العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، أستاذ السنة النبوية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، يضم صوته الى صوت مفتي مصر ويناشد كل المسلمين الاستعداد الجاد لرمضان، وتهيئة النفس، وتشجيع الأهل والأولاد على أداء كل العبادات والطاعات والقربات (وليس الصوم فقط) لأن عبادات الإسلام كيان متكامل، فلا أهمية لصوم من دون صلاة، ولا ثواب كامل على صوم من دون زكاة.
وعما ينبغي أن يحرص عليه الصائم من الآداب والأخلاق التي تجعل صومه مقبولاً ويحظى بكامل الأجر والثواب، يجيب د. هاشم «من الأخلاق الفاضلة التي يجب أن يتحلى بها الصائم الإخلاص في أداء العبادة، والحرص على الآداب والسنن التي كان يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم، وتجنب كل ما نهى الله ورسوله عنه من سلوكيات لا تتفق مع روح الصوم، فلا يجوز للصائم، مثلا، أن يسلي صيامه بالغيبة والنميمة كما يفعل البعض، فالصيام عبادة روحية سامية، والحكمة منها تقوى الله.
فيجب على الصائم أن يحمي هذه العبادة من كل ما يتنافى مع جلالها، ومن كل ما يتعارض مع الحق والخير، ففي الحديث الصحيح يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر«إذا أصبح أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث أي فلا ينطق بسوء ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم».
ويوصي عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر كل مسلم أن يحرص على أداء الفرائض كلها من صلاة وزكاة الى جانب أداء عبادة الصوم بما تستوجب من آداب وأخلاقيات راقية، وأن يكثر من أداء السنن والمستحبات وهي كثيرة، وفي مقدمتها:
- السخاء والكرم
- الإكثار من تلاوة القرآن الكريم
- تجديد التوبة، والمداومة على الاستغفار
- الاجتهاد في العبادة، وخصوصاً في العشر الأواخر من رمضان
- الاشتغال بالعلم النافع، والقول الطيب والعمل الصالح بصفة عامة
4- التقرب إلى الله خلال الشهر الكريم بكل الطاعات وأعمال الخير
د. عبدالله النجار، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بالأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، يؤكد ضرورة عقد النية على أداء فريضة الصوم، وما يصاحبها من أداء فرائض وأعمال خير، بنية خالصة لوجه الله، فالصوم عبادة تقوم على الإخلاص، وهي كما أخبرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (سر بين العبد وربه).
ويوضح «الإنسان في كل عباداته يجب أن يكون مخلصاً قاصداً وجه الله، لكي تحقق هذه العبادات أهدافها في حياته كلها، وتهذب سلوكه، وترتقي بمشاعره، وتحسن علاقاته بكل من حوله.
لا شك أن فريضة الصوم لها أهدافها النبيلة، ومقاصدها السامية، وعندما يلتزم المسلم بآدابها وأخلاقياتها، ويصوم صوما صحيحا عن كل المفطرات، ويتجنب كل المعاصي تحقق الفريضة هدفها الأسمى في حياته، وهو غرس الإخلاص والتقوى في القلوب، لأن الصائم لا يقصد بصيامه إلا رضا خالقه عز وجل والطمع في ثوابه، والخوف من عقابه، ولذلك ختمت أول آية تحدثت عن الصيام بقوله تعالى: «لعلكم تتقون»، فالتقوى هي هدف الصوم، ولكي تتحقق هذه الدرجة لا بد أن يصاحب الامتناع عن المفطرات (من طعام وشراب ومباشرة للزوجات) التزام بالفرائض الأخرى من صلاة وزكاة، ولذلك لو أراد المسلم أن يجني كل ثمار عبادة الصوم فعليه أن يتقرب إلى ربه خلال هذا الشهر الكريم بكل الطاعات وأعمال الخير، ويكون مخلصا في كل ذلك، بمعنى ألا يكون هدفه أن يتحدث الناس عنه وعن طاعاته وأعماله الخيرية، فالإخلاص في الطاعات والعبادات يضاعف الأجر والثواب عليها».
في الصوم تأديب للنفس، وتهذيب للسلوكيات، وضبط لكل ما يصدر عن الإنسان من تصرفات
ويضيف «بما أن من بين أهداف الصوم تهذيب الروح، ومساعدة النفس على الاستقامة والصفاء، وإعانة القلب على التطهر والنقاء، فلابد أن يستفيد المسلم من هذا الشهر الكريم في التخلص من ذنوبه وآثامه، وأن يبدأ مرحلة جديدة من حياته كلها طاعة لله، وحرص على الفضائل والطاعات، وأن يراجع نفسه ويتخلص من كل السلوكيات الخاطئة التي تجلب له غضب الله وعقابه، ففي الصوم تأديب للنفس، وتهذيب للسلوكيات، وضبط لكل ما يصدر عن الإنسان من تصرفات».
5- التطهر من الذنوب والاثام
وينصح عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر كل شخص اقترف كثيرا من المعاصي طوال العام أو فيما سبق من حياته ولم يتب عنها أن يستفيد من هذه الفرصة ويستعد جيدا لكي يصوم رمضان صوما صحيحا، وأن يكثر من الطاعات وأعمال الخير لكي يتطهر من ذنوبه «لا شك أن شهر رمضان فرصة لكل العصاة والمذنبين لكي يتخلصوا من عصيانهم لله ورسوله، ويتطهروا من ذنوبهم وآثامهم، فقد بشّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته الصائمة الملتزمة بآداب الصوم وأخلاقياته، المخلصة في عباداتها، بغفران الذنوب والتطهر من الآثام فقال عليه الصلاة والسلام «...من صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».
فإذا كانت ذنوب المسلم تتعلق بمظالم للناس فعليه أن يرد الحقوق إلى أصحابها، وإذا كانت تتعلق بحقوق الله عز وجل فعلى المسلم أن يجتهد في عبادته، وأن يتقرب إلى الله بكل صنوف الطاعات وأعمال الخير في رمضان، ويخلص في الدعاء لعل الله يتقبل دعاءه ويغفر له ذنوبه».
6- تجنب الانشغال عن العبادة بالبرامج والمسلسلات
عالم الشريعة الإسلامية د. محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، ينصح جموع المسلمين بعدم الانشغال عن العبادة وكافة أشكال الطاعات وأعمال الخير في رمضان بما تقدمه الفضائيات من برامج ومسلسلات، ويشدد «رمضان ليس موسماً للأعمال الفنية، ولكنه موسم للطاعة والعبادة، وعلينا أن نستفيد برمضان بما أمرنا الله به وحثنا عليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يمنع من الترفيه عن النفس بمشاهدة بعض الأعمال الفنية الهادفة في رمضان نهارًا أو ليلاً، دون أن يشغلنا ذلك عن واجباتنا الدينية والحياتية».
ويكمل «واجب المسلم في رمضان أن يحرص على الفضائل التي تساعده على جني ثمار الصوم، والعيش في روحانية هذا الشهر الفضيل، وهذه المسلسلات والبرامج والسهرات الفنية التي تتسابق محطات التلفاز والفضائيات في مطاردة المشاهدين بها في رمضان أصبحت تصرف المسلم عن أداء واجباته الدينية والاجتماعية والوظيفية خلال هذا الشهر الكريم، وإذا كان الإسلام يبيح للمسلم أن يرفه عن نفسه في غير أوقات العمل والعبادة، بكل ما هو مهذب ومباح، فإن ما يحدث في بعض بلداننا العربية في رمضان هو ضرب من ضروب العبث، فكثرة المسلسلات والبرامج التلفزيونية في رمضان وتسابق المحطات الأرضية والفضائية في مطاردة المشاهدين تشغل كثيراً من الناس عن القيام بواجباتهم الدينية والدنيوية، بل أحيانا تشغل المسلم عن تناول طعامه، ولذلك على المسلم أن يكون متوازنا في حياته ويرتب أولوياته، ومن أهم الأولويات في رمضان أداء العبادات والطاعات والأعمال الحياتية الواجبة والحرص على صلات الأرحام في رمضان، ومن تبقى له وقت وقضاه في مشاهدة الأعمال الفنية الهادفة فلا حرج في ذلك ولا ينتقص ذلك من أجره إن شاء الله».