بعض الناس يتعاملون مع فريضة الصوم على أنها مجرد طقوس شكلية أو عادة سنوية، حيث لا يلتزمون بأخلاقيات الصوم وآدابه في تعاملهم مع الآخرين، ويقضون رمضان وفقاً لطقوس حياتهم الطبيعية بما فيها من إيجابيات وسلبيات، وآخرون لا يكفون عن رذيلتي «الغيبة والنميمة» في رمضان.
سلوكيات كثيرة خاطئة يرتكبها الصائمون في رمضان، وهم لا يدرون أنها تحرمهم من أجر وثواب الصوم.. لذلك ذهبنا إلى عالم فتوى كبير هو د.علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق ورئيس لجنة الشؤون الدينية في البرلمان المصري، ليحدثنا عن هذه السلوكيات الخاطئة، ويقدم نصائحه وتوجيهاته للجميع.
الصوم عبادة تهذب من سلوك الإنسان وتدربه على فضيلة الصبر، والتخلق بالأخلاق الفاضلة في تعامله مع الآخرين
يقول مفتي مصر السابق" لا يجوز الاستهانة بفريضة الصوم، والتعامل معها بمنطق العادة التي يقوم بها الإنسان دون التطلع إلى فوائدها ومكاسبها، وما فيها من طاعة للخالق عز وجل، فالصوم عبادة تهذب من سلوك الإنسان وتدربه على فضيلة الصبر، والتخلق بالأخلاق الفاضلة في تعامله مع الآخرين.. ويكفي ما بشرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض فوائد الصوم في حديث صحيح حيث يقول: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهم، إذا اجتنبت الكبائر» ويقول أيضاً: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر». كما يحذرنا من التهاون والاستهتار بفريضة الصوم فيقول: «من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، لم يقم عنه صيام الدهر كله، وإن صامه»".
ويؤكد"على الجميع أن يدرك أنه لا يكفي أن نمتنع عن الطعام والشراب والعلاقات الجنسية الحلال، لكي نكون صائمين ونحظى برضا الخالق، فالذي يكف عن الطعام والشراب فيجوع ويعطش، ولكنه لا يكف عن المعاصي، ولا يحفظ جوارحه عن الآثام أو يصوم ويفطر على الحرام، أو على لحوم الناس بالغيبة ونحوها، هذا الإنسان لا يجني من صيامه إلا الجوع والعطش، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش»، وعلينا هنا أن نتذكر أيضاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك ويدك». فالصيام بهذا المعنى يكون كاملاً مقبولاً، ويتكفل الله سبحانه وتعالى بجزاء الصائمين المخلصين كما بشرنا رسولنا الكريم بقوله: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».
الغيبة والنميمة رذيلتان في رمضان، وفي غير رمضان
ويضيف" الغيبة والنميمة رذيلتان في رمضان، وفي غير رمضان، ولذلك حاربهما الإسلام بكل الوسائل لأنهما تفسدان العلاقة بين الناس، ولا يليق بمسلم أن يمارس خصلة سيئة منهما سواء أكان صائماً أو غير صائم، وهاتان الخصلتان للأسف تمارسان بكثرة في نهار رمضان وليله، في المكاتب، وفي الجلسات الرمضانية، وعبر الهواتف، ومواقع التواصل الاجتماعي، والواقع أن هذه الخصلة السيئة تأكل ثواب الصوم الذي أراده الله عز وجل للارتقاء بأخلاقيات المسلمين، وجعل هدفه الأسمى التقوى.
وهنا نذكر الجميع بقول الحق سبحانه:«ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم»، وبحوار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض صحابته الكرام والذي سألهم فيه قائلاً: «أتدرون ما الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكر أخاك بما يكره» فسأله أحدهم: أرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته».
نصيحتنا لكل مسلم يطمع في مزيد من الأجر والثواب، ويريد أن يخرج من رمضان بأكبر قدر من المكاسب أن يتخلق بأخلاق الإسلام، ويتجنب كل خلق سيئ حذر منه ديننا العظيم، وأن يجمع بين حسن العبادة وحسن الخلق، إذ لا فائدة من عبادة يؤديها الإنسان شكلاً وقلبه متعلق بالمعاصي، فالذين يقومون بأداء الصلاة والصيام والزكاة والحج، لكن لا يحافظون على حرمات الناس، فيخوضون في الأعراض، ويتتبعون العورات، ويملأ قلوبهم الحقد والحسد.. هؤلاء لا يستفيدون شيئاً من عباداتهم، وهؤلاء هم المفلسون الذين تحدث عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناتهم أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار».