10 أبريل 2022

العالم الأزهري د. علي جمعة: المجاهرة بالفطر في نهار رمضان مجاهرة بالمعصية

محرر متعاون

العالم الأزهري د. علي جمعة: المجاهرة بالفطر في نهار رمضان مجاهرة بالمعصية

تساعد فريضة الصوم، كما أكد الأطباء النفسانيون، على الصفاء النفسي والرقي الأخلاقي، حيث تخلص الإنسان من كثير من صراعاته النفسية ومشاجراته مع المحيطين به، وهي وما يصاحبها من عبادات أخرى كالصلاة والزكاة والاعتكاف وقيام الليل تعد فرصة ذهبية لتعميق ثقافة التسامح والعفو والرحمة في التعامل مع الآخرين.

وفي هذا الحوار يوضح لنا العالم الأزهري الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق ورئيس لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان المصري، كيف يتسامح الإنسان مع نفسه ويرتقي بسلوكه في رمضان لينطلق منه إلى تغيير جوهري لسلوكه طوال العام:

العالم الأزهري د. علي جمعة: المجاهرة بالفطر في نهار رمضان مجاهرة بالمعصية
د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق

في البداية سألنا د. جمعة: كيف نستفيد من رمضان لنشر ثقافة التسامح بين كل الناس؟

من أبرز أهداف عبادة الصوم تهذيب السلوك والارتقاء بالأخلاق حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «.. الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم...»، كما قال عليه الصلاة والسلام «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».. هذه التوجيهات النبوية الكريمة وغيرها مما جاء في ضرورة انضباط سلوك الصائم تؤكد كيف ينبغي للمسلم الصائم أن يضبط سلوكه، ويسمو بأخلاقه وهو يتعامل مع الآخرين طوال شهر رمضان، فهو شهر صبر وعفو وتسامح، والعفو والتسامح لا يعنيان ضعف الإنسان وتخاذله عن أخذ حقه أو تحمله للإهانة من الآخرين، بل يعني ذلك أنه إنسان متسامح مع نفسه ومع الآخرين. ومن هنا فواجبنا جميعا الاستفادة من هذا الشهر الكريم في نشر ثقافة التسامح في علاقاتنا ومعاملاتنا وبدء صفحة جديدة من التعامل الإنساني الراقي بدءا بأيام رمضان التي تضفي على النفس طمأنينة ومودة ورحمة قد لا تتوافر في غير رمضان.

علينا جميعاً أن نعي أننا نعيش في رحاب شهر عظيم يحمل الرحمات الإلهية لكل عباده الصائمين المخلصين، ويجسد رعاية الخالق عز وجل لكل من يتقرب إليه ببر والديه، والإحسان الى أهله وجيرانه، ويفتح أبواب الخير لهؤلاء الذين قدموا الصدقات، وأقاموا موائد الرحمن للصائمين، فرمضان «مزاد التقوى وسوق الآخرة»، ولذلك تكفل الخالق بالأجر العظيم، والفضل الجزيل للصائمين الأوفياء الأبرار المخلصين في عباداتهم، الصادقين في تعاملاتهم مع الآخرين، فقال عز وجل في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به»؛ ولذلك وجب على المسلمين، بل حري بهم، أن يقبلوا على الله تعالى في هذا الشهر، يؤدون واجباته ويتحلون بآدابه، ويعظمون شعائر الله فيه، وينأون عن المحرمات والمكروهات، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، وإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم»، وبمقدار ما يتضاعف أجر المقبلين على الله في هذا الشهر، والراعين لحدوده والمصطبغين بآدابه، فإن الغافلين عنه، والمعرضين عن واجباته وآدابه، يحرمون رحماته ويفتقدون بركاته.

رمضان فرصة لتهذيب سلوك الشباب المتمرد وإعادتهم إلى هداية الدين بالأسلوب الهادئ

وكيف يتخلص الإنسان من ذنوبه وعاداته السيئة خلال هذا الشهر المبارك؟

الحرص على آداب وأخلاقيات الصيام تحقق للإنسان ذلك، وقد أراد الله هذه الفريضة في هذا الشهر لتساعد الإنسان على تكفير ذنوبه، وتنقية نفسه من كل ما علق بها من سوء الخلق، وللقرب من الله سبحانه تعالى، فشهر رمضان هو شهر العبادة والبر والإحسان، والتواصل الإنساني والاجتماعي بين المسلمين، شهر ينبغي أن تحيا فيه كل نوازع الخير داخل الإنسان.

ولذلك كان الصوم الحقيقي في نظر كبار علماء وأئمة المسلمين هو «صوم الجوارح عن الآثام، وصمت اللسان عن فضول الكلام، وغض العين عن النظر إلى الحرام»، وقالوا إن المسلم الحق هو الذي يقضي جل وقته مجتهدا في الطاعات وفعل الخيرات، حتى لا ينقضي هذا الشهر المبارك دون الفوز بوعد الله الوارد في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».

كيف يكون تقويم سلوك الشباب المتمرد على تعاليم الدين والذي يجاهر بالإفطار في رمضان دون عذر شرعي؟ وكيف نستفيد من هذا الشهر الكريم في هدايتهم وإعادتهم إلى تعاليم دينهم؟

نعم، رمضان فرصة لتهذيب سلوك هؤلاء وإعادتهم إلى هداية الدين بالأسلوب الهادئ في التعامل مع معهم وتنبيههم إلى تجاوزاتهم السلوكية بالكلمة الطيبة وليس بالعنف وتوجيه الاتهامات، لأن الشباب في هذا السن يحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم إلى الهداية بالحسنى، وأسلوب الدعاة في كل مكان لا ينبغي أن يحيد عن قول الحق سبحانه:«ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن».

فعلماء ودعاة الإسلام لا ينبغي أن يتعاملوا مع هؤلاء على أنهم متمردون عصاة، بل يمارسون واجب الدعوة معهم على كما علمنا القرآن الكريم، ففي داخل هؤلاء الشباب خير لم ينقطع ولكن يحتاجون إلى من يأخذ بأيديهم ليعودا إلى هداية دينهم، ومن مصلحة المجتمع احتواؤهم وحل مشكلاتهم، حتى لا يكونوا قدوة سيئة لغيرهم في الخروج على تعاليم دينهم. لذلك ننصح بمخاطبة هؤلاء بلطف، ومحاولة استقطابهم بهدوء، وتجنب تشجيعهم على العناد والإصرار على المعاصي والسلوكيات الصادمة الصادرة عنهم.

الوسيلة لمحاربة من يجهر بإفطاره في شهر رمضان هي توجيه النصح له بالحكمة والموعظة الحسنة

وماذا عن المجاهرة بالفطر في نهار رمضان؟

نقول لكل من يفعل ذلك: لا يجوز لمسلم يؤمن بالله وبرسله وباليوم الآخر أن يقترف هذا الإثم على أعين الناس ومشهد منهم، والذي يفعل ذلك فهو مستهتر وعابث بشعيرة مهمة من شعائر الإسلام، ولا تعد هذه الجرأة من باب الحرية الشخصية، بل هي نوع من الفوضى والاعتداء على قدسية الإسلام لأن المجاهرة بالفطر في نهار رمضان مجاهرة بالمعصية وهي حرام فضلاً عن أنها خروج عن الذوق العام في بلاد المسلمين وانتهاك صريح لحرمة المجتمع وحقه في احترام مقدساته، وعلى الإنسان إذا ابتلي بهذا المرض أن يتوارى حتى لا يكون ذنبه ذنبين، وجريمته جريمتين، وإذا كان غير المسلمين يجاملون المسلمين في نهار رمضان ولا يؤذون مشاعرهم، فأولى بالمسلم المفطر أن يكون على نفس المستوى من مراعاة شعور الأغلبية الساحقة في الشوارع والمواصلات ومكاتب العمل والأماكن العامة. والوسيلة لمحاربة من يجهر بإفطاره في شهر رمضان هي توجيه النصح له بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجب على الهيئات التشريعية أن تسن من الضوابط ما يكفل منع المجاهرين بالإفطار في الشوارع والميادين وكافة الأماكن العامة.