كل عام وأنتم بخير.. ودعنا شهر الخير والفضل والكرم، الشهر الفضيل الذي جعل الله سبحانه وتعالى أوله رحمه، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.. كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وفى أعقاب فريضة الصوم يأتي «عيد الفطر المبارك» ذلك اليوم الأغر الذي جعله الله مكافأة للصائمين الذين صلوا وصاموا وزكوا وتصدقوا وتقربوا الله إلى خالقهم بكل ألوان الطاعات ووجوه الخير.
توجهنا إلى عدد من كبار علماء الأزهر الشريف لنتعرف منهم إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيد، وكيف كان يحتفي بهذه المناسبة الطيبة.. والقيم والمبادئ والأخلاقيات التي تحكم سلوك المسلم في هذا اليوم لينال رضا الله ورضا الناس بعد أن يخفف عن نفسه وأهل بيته هموم الحياة وأعباءها في هذا اليوم المبارك.. وكيف احتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء تحديداً في احتفالات هذا اليوم؟
سنن نبوية كريمة في عيد الفطر المبارك
في البداية يوضح لنا عالم السنة النبوية الأزهري د. أحمد عمر هاشم ، عضو هيئة كبار العلماء، هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيد فيقول «رسول الله الخاتم سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه هو القدوة والمثل لنا في كل أمور حياتنا، فمن سار على هديه واقتدى به في حياته العامة والخاصة فاز فوزاً عظيماً».. والاحتفال بعيد الفطر يتضمن عبادات وأعمالاً تستهدف الخير للإنسان، وهو يبدأ بصلاة العيد، حيث كان عليه الصلاة والسلام:
- يصلي العيد في مصلى العيد، وهو ليس المسجد النبوي، وإنما كان أرض خلاء.
- يأمر بإخراج النساء يشهدن الصلاة، ويسمعن الذكر حتى الحيض منهن.
- يخرج كل أفراد الأسرة للاحتفال بالعيد والمشاركة في رسم بهجته، فصلاة العيد لها أهدافها الروحية والاجتماعية والإنسانية ولها دورها في إدخال البهجة في نفوس الصغار والكبار.
- يوصي كل مسلم بهذه الصلاة كبداية برنامجه في هذا اليوم المبارك، وأن يذهب إليها وهو في كامل نشاطه وحيويته، وأن يستعد لها بالاغتسال ولبس أجود الثياب، والتعطر بالروائح الزكية.
- ينتهز وصحابته الكرام هذه الفرصة لتقوية صلاتهم الاجتماعية والإنسانية بعضهم ببعض وكانوا يهنئون بعضهم بعضاً، ويقضون بعض الوقت الطيب مع بعض داخل المسجد أو خارجه يتبادلون التهاني والنصائح والأحاديث الودية ويعودون إلى منازلهم وهم أكثر بهجة ونشاطاً.
ويواصل د. هاشم شرح هدي النبي عليه الصلاة والسلام:
- كان من هديه عليه الصلاة والسلام الخروج ماشياً إلى الصلاة فإذا وصل إلى المصلى بدأ بالصلاة من غير أذان ولا إقامة فكان يصلي ركعتين فيهما تكبيرات.
- وفي صلاة العيد كبر النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة تكبيرة، سبعاً في الأولى، وخمساً في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها.
- وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة (ق) وفي الركعة الثانية سورة (القمر)، وأحياناً كان يقرأ في الأولى سورة الأعلى وفي الثانية سورة الغاشية كما ورد في رواية أخرى.
- وبعد الانتهاء من الصلاة كان رسول الله يشرع في الخطبة، وكان يبدأها بالحمد لله، وليس بالتكبير كما يفعل أكثر الخطباء اليوم.
- وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أيام العيد هي أيام ذكر لله تعالى وليست أياماً للتحلل من الأحكام الشرعية كما يظن كثير من الناس.
- وكان عليه الصلاة والسلام بعد انتهاء الصلاة والخطبة يأتي النساء، فيعظهن ويذكرهن فقد جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه قال: (شهدت مع النبي يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئاً على بلال فأمر بتقوى الله وحث على الطاعة ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن.
- وبعد الصلاة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع إلى بيته من طريق آخر غير الطريق الذي سلكه في ذهابه ليكثر الناس الذين يسلم عليهم أو لغير ذلك من الحكم.
تخلصوا من همومكم في أيام العيد
عالم الفتوى الأزهري د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق، يؤكد ضرورة التخلص من الهموم والأحزان والمشكلات في هذا اليوم، ويبين «لقد شرع الله لنا الاحتفال بعيد الفطر لنستريح من عناء العبادة في رمضان، فهو مكافأة للصائم العابد الذي تفانى في عباداته وأدى أعماله الدنيوية بإخلاص خلال شهر رمضان، فقد آن له أن يستريح ويفرح ويبتهج بقدوم عيد الفطر».
ويضيف «لو تأملنا الحكمة من الأعياد في الإسلام لوجدناها شرعت لتلبية حاجة الإنسان الفطرية- مادية كانت أو روحية- فمقصد الإسلام الأسمى في تشريعاته وأحكامه هو ضبط العلاقة بين الروح والجسد، بين الدنيا والآخرة، ولذلك يقول الله تعالى: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا» فالأعياد الدينية تحيي المشاعر، وتذكر الناس بما بسطه الله عليهم من النعم الوافرة، وبما وفقهم إليه من القيام بأعباء ما كلفوا به، ولذلك كانت مشروعيتها أبلغ مظهر من مظاهر شكر الله على إنعامه».
لذلك يؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن الاحتفاء بعيد الفطر مطلب شرعي، ولا يجوز لأحد أن يجلب لنفسه أو لأهل بيته الهم والحزن والنكد في هذا اليوم، بل مطلوب من مسلم أن يحتفي بهذا اليوم كما احتفى به رسول الله، والترويح عن النفس من هموم الحياة فيه.. فالسعادة والبهجة في هذا اليوم شكر لله على نعمه، فالحكمة من الاحتفاء بعيد الفطر «إظهار شكر الله على ما أنعم به على الإنسان من أداء فريضة الصيام على أكمل وجه».
الاحتفاء بالنساء في احتفالات العيد
ويشير د. جمعة إلى مجموعة من مظاهر شكر الله تعالى في يوم العيد:
- عناية نبوية خاصة بالنساء في عيد الفطر، فقد خصهن صلى الله عليه وسلم بمزيد من الاهتمام، فقد أمرهن بالخروج إلى صلاة العيد مهما كانت أحوالهن، فعن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج في الفطر والأضحى العواتق- الفتيات- والحيض، وذوات الخدور- ربات البيوت-، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب قال: «لتلبسها أختها من جلبابها».
- ومن مظاهر شكر الله في هذا اليوم إخراج صدقة الفطر لتغني المحتاجين عن ذلك السؤال في هذا اليوم السعيد، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على إخراج زكاة الفطر، فقال: «أغنوهم في هذا اليوم» وبذلك تكون هناك غاية أخرى من عيد الفطر ألا وهي إدخال السرور والبهجة على فقراء المسلمين رجالاً ونساء وأطفالاً، وناهيك بما في ذلك من معان للتكافل الاجتماعي.
- أيضاً من باب السرور والبهجة في أيام العيد السماح باللعب المباح، وهو ما لا يلهي عن أداء الواجب في وقته، فقد دخل أبو بكر رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها، وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتضربان الدف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجي بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله عن رأسه وقال: «دعمها يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم».
العيد تسامح وتصالح ومودة ورحمة
د. آمنة نصير، أستاذة الثقافة الإسلامية بالأزهر، تؤكد أن العيد فرصة للتصالح بين المتخاصمين، وتصفية الأجواء بين الأسر والجيران، ومضاعفة مشاعر المودة بين الجميع، وتشرح لقد دعا الإسلام إلى العمل على زيادة الأواصر الاجتماعية في هذا اليوم المبارك، وجعله يوماً لنشر البر والإحسان، وفي مقدمة ما ينبغي أن يفعله الإنسان في هذا اليوم:
- بر الوالدين وصلة الأقارب ومودة الأصدقاء وزيارتهم، فتتزين المجالس بالحب والتراحم والتواد، يزيل الأحقاد والمشاحنات من النفوس ولا يوجد أفضل ولا أنسب من أيام الأعياد لتحقيق ذلك.
- فرحة العيد في أيامنا هذه لن تكتمل إلا بالتكاتف والتعاون والتواصل والظهور بالمظهر الحسن ونبذ الفرقة، والتسامح والعفو وشعور جميع أفراد المجتمع بأنهم في عيد.
- العيد فرصة لجبر خواطر هؤلاء الذين فقدوا أعزاء لهم خلال الشهور الماضية، فجبر خواطر هذه الأسر من الأمور المهمة التي ينبغي أن يحرص عليها الجميع خلال العيد.
- كما ينبغي أن نتخذ من هذا العيد مناسبة أو فرصة لتجديد المحبة والمودة مع الأهل والأقارب.
- وعلينا أن نجعل من العيد فرصة لمساعدة المحتاجين، وتفريج كرب المكروبين وإدخال السرور على المحزونين، ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».