14 مايو 2023

علماء الأزهر يجيبون على سؤال: ماذا يفعل المسلم عند الابتلاء؟

محرر متعاون

علماء الأزهر يجيبون على سؤال: ماذا يفعل المسلم عند الابتلاء؟

الحياة متقلبة بين النعيم والشدة.. بين ما يرضي الإنسان ويفرحه، وما يضره ويحزنه.. بين ما يراه خيراً وما يره شراً.. فكيف يتصرف المسلم- وهو بشر- وقت الشدائد والملمات؟ وكيف يواجه متاعب الحياة وقسوة ما يتعرض له من مصائب في الأهل والولد والمال؟

تساؤلات تفرض نفسها في عالمنا اليوم.. لذلك لجأنا لعلماء الإسلام لعلنا نجد عندهم إجابة تريح الأنفس وتدفع الإنسان إلى الرضا بقضاء الله وقدره.. وفيما يلي خلاصة ما قاله العلماء ونصحوا به:

صبر.. وتسليم.. ورضا بالقدر

في البداية يؤكد د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن الإسلام يغرس في نفوسنا جميعاً الطمأنينة والرضا بكل ما يقدره الخالق سبحانه وتعالى لنا في هذه الدنيا، ويربينا على الصبر ومواجهة نوائب الدهر ومصاعب الحياة بقوة وصلابة، ويطالبنا باللجوء إليه في كل الأوقات وخاصة أوقات الشدة نناجيه بصدق وإخلاص لكي يخرجنا من أزماتنا ويخفف عنه أحزاننا، ويعوضنا عما افتقدنا. لو سلمنا بذلك سنعيش حياتنا كلها في حالة رضا وقناعة بأن كل ما يحدث لنا في هذه الحياة هو من قدر الله، وعلينا أن نتقبله راضين قانعين صابرين متطلعين لدعم الله وتعويضه لنا عما افتقدنا، والتعويض من الخالق قد يكون في الدنيا، وقد يكون في الآخرة، ونعم الأجر والعوض والجزاء المدخر من الله ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

ويشدد د. الطيب على أن الابتلاء بالنسبة للمؤمن بالله تعالى كله خير، لأنه يعرضه لثواب عظيم يناله جزاء ما قدم من شكر أو صبر، ويقول «الابتلاء أنواع ودرجات فنراه في المصائب كالفقر والمجاعة والأمراض وفقد الأحبة، وهو ليس أمارة على سوء حال المبتلى أو غضب الله عليه، فكثيراً ما يكون البلاء طريقاً معبداً إلى جنة الرضوان والنعيم المقيم. فالإنسان قد تكون له منزلة في الجنة لا يصل إليها بعمله الذي اعتاد عليه لعلو هذه المنزلة وسموها عن درجة عمله، فيبتلى من الله، فيبلغ هذه الدرجة بثواب الصبر على قضاء الله، وهنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)».

ما هو الصبر؟

ولذلك كان الحث المتكرر على الصبر في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، والصبر ليس شعاراً يردده الإنسان دون سلوك عملي يؤكد أنه صابر وراض بقضاء الله وقدره، والصبر في حقيقته كما عرفه علماء الأخلاق هو: «حبس النفس على ما تكره ابتغاء مرضاة الله»، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظم الثواب في الصبر، بقوله: «وأعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً»، والصبر المقبول هو ما كان في وقته الصحيح: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى»، فالصبر ضرورة دينية وضرورة دنيوية سواء بسواء، فهو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الآمال وبلوغ الغايات.

علماء الأزهر يجيبون على سؤال: ماذا يفعل المسلم عند الابتلاء؟

كيف يتصرف المسلم عند الشدائد؟

سألنا العالم الأزهري د. محمد أبو زيد الأمير، أستاذ الشريعة الإسلامية ونائب رئيس جامعة الأزهر: كيف يتصرف المسلم إذا ما أصابه مكروه كبيراً كان أو صغيراً؟

فأجاب «لا سبيل للإنسان إلا الانصياع لما جاء في القرآن الكريم وتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا كفيل بتخليص الإنسان من مشاعر الضيق والضجر نتيجة ما تعرض له من ابتلاءات واختبارات إلهية، أو ما يتعرض له من مشكلات وأزمات في الحياة، ولذلك نذكر الجميع بقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحديد:«ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها أن ذلك على الله يسير، لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور». وفق هذا النص القرآني علينا أن نعلم أن ما يصيبنا من مصائب، في النفس أو الأهل أو المال مكتوبة ومقدرة ومسجلة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها، وهذا التسجيل كائن من قبل أن يخلق الإنسان، والتسليم بذلك هو ما يطلق عليه «الإيمان بالقضاء والقدر» وهو جزء من عقيدة المسلم، يجب ألا يفارقه في كل أحواله».

هكذا تهون المصائب

ويوضح د. الأمير أن الموقف الإيماني للإنسان هو الذي يوجه موقفه، وعليه هنا أن يتأمل قول الله تعالى: «لكى لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل محتال فخور»، أي ما دام الله قد قدر لكم كل ما يلم بكم من أمور تفرحكم أو تحزنكم، فلا تحزنوا على ما أصابكم من مصائب حزناً يؤدي بكم إلى الجزع، وإلى عدم الرضا بقضاء الله وقدره، وأيضاً لا تفرحوا بما أعطاكم الله تعالى من نعم عظمى وكثيرة فرحاً يؤدي بكم إلى الطغيان، وإلى عدم استعمال نعم الله تعالى فيما خلقت له، فإن من علم ذلك علماً مصحوباً بالتدبر والاتعاظ، هانت عليه المصائب واطمأنت نفسه لما قضاه الله تعالى، وكان عند الشدائد صبوراً، وعند المسرات شكوراً.

ومعنى قوله سبحانه: «أنه لا يحب كل محتال فخور» أي أنه عز وجل لا يحب أحداً من شأنه الاحتيال بما أتاه الله سبحانه من نعم دون أن يشكر خالقه ورازقه وصاحب الفضل عليه، فهذا الذي يتفاخر ويتباهى على الناس بما عنده من أموال وأولاد لا يحبه الله ولا ينعم عليه بنعمة الرضا النفسي، فالله يحب من عباده من كان متواضعاً حليماً شاكراً لخالقه عز وجل.

هذا ثواب الصابرين

الداعية الأزهرية د. نادية عمارة تؤكد ضرورة التحلي بالصبر عند التعرض للشدائد، وتذكر الجميع بفضل الصبر والرضا بقضاء الله وقدره والله عز وجل يقول: «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب».

وتضيف «من أفضل أنواع الصبر الذي يكافئ عليه الخالق سبحان، الصبر على المصيبة وهو المشار إليه بقوله تعالى: «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون»، وهناك صور أخرى أو أنواع أخرى من الصبر، ومنها «الصبر على الطاعة» بمعنى تحمل ما يكون فيها من تعب يقصد به تهذيب النفس وترويضها على تخطي العقبات كالصبر على الجوع والعطش في الصيام، وقد جاء فيه «الصوم نصف الصبر» وجاء أيضاً في وصف شهر رمضان بأنه (شهر الصبر) والصبر ثوابه الجنة، ومنه الصبر على مشاق الحج وعلى أداء الصلوات في أوقاتها وعلى الجهاد في سبيل الله وعلى قضاء مصالح الناس، وعلى طلب العلم وكسب العيش يقول الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون». فالصبر خاصة عند الشدائد ونوائب الدهر والابتلاءات بكل صورها وأشكالها برهان ساطع على قوة الإيمان، وصدق يقين المسلم بخالقه، ولذلك يقول الحق سبحانه في شأن بعض الصابرين: «والصابرين في البأساء – أي المصيبة - والضراء – أي الفقر- وحين البأس – أي المحاربة - أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون».

وقد جعل القرآن الصبر وحده أساس صلاح وفلاح الإنسان في الآخرة ودخول الجنة واستحقاق التحية من الملائكة فقال سبحانه في شأن الأبرار من عباده: «وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً»، وفى شأن عباد الرحمن: «أولئك يجزون الغرفة - أي الجنة- بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً»، وفى شأن أولى الألباب من عباده الأخيار: «والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار»، وهكذا يحمل الصبر في طياته الكثير من شعب الإيمان وأخلاق الإسلام العظيمة.. إنه أساس كل الفضائل».

علماء الأزهر يجيبون على سؤال: ماذا يفعل المسلم عند الابتلاء؟

قيمة الصبر الجميل

والصبر في حقيقته هو: «حبس النفس على ما يقتضيه الشرع والعقل»، وعكسه الجزع يقول الحق سبحانه: «سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص»، فالجزع حزن يصرف الإنسان عما هو بصدده لشدة اضطرابه وذهوله.. أما الصبر فهو تحمل للآلام بثبات لا ضعف معه، وباحتمال للمكاره دون شكوى منها.. وهذا هو الصبر الجميل.. ولذلك أكد علماء الأخلاق أن الصبر قيمة رفيعة ترقى بسلوك صاحبها، وتفرض على الآخرين احترامه وتقديره والتعامل معه برأفة ورحمة وحلم.. وهو يعنى أن يلتزم المسلم بما يأمره به خالقه فيؤديه كاملاً، وأن يتجنب ما ينهاه عنه، وأن يتقبل بنفس راضية كل ما يصيبه من مصائب وشدائد، ومن شأن المسلم الصادق في إيمانه أن يتحلى دائماً بالصبر، ويتحمل المشاق، لا يجزع ولا يحزن لمصائب الدهر ونكباته وذلك استجابة والتزاماً بقول الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين».