2 يونيو 2024

الحج.. أم الزواج أولاً؟.. ما رأي علماء المسلمين؟ ومتى يتقدم الزواج على الحج؟

محرر متعاون

محرر متعاون

الحج.. أم الزواج أولاً؟.. ما رأي علماء المسلمين؟ ومتى يتقدم الزواج على الحج؟

مع اقتراب السفر لأداء مناسك الحج تتزايد التساؤلات الدينية المتعلقة بتلك الفريضة، وما تتطلبه من استطاعة، مادية وبدنية، وما يرتبط بها من آداب وأخلاقيات تعظّم من أجر وثواب ما يقوم به الإنسان خلال تلك الرحلة المباركة التي جعلها الخالق سبحانه نقطة تحوّل جوهرية في حياة الإنسان. فقد وعد رسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه، كل من أخلص في عبادة الحج والتزم بالآداب والأخلاقيات، بغفران الذنوب، والتخلّص من الخطايا، وبدء صفحة جديدة من حياته، فقال صلّى الله عليه وسلّم «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمّه».

وكانت إحدى الفضائيات العربية الشهيرة قد شهدت جدلاً طويلاً بين شاب لم يتزوج يسأل عن حكم سفره للحج، حيث تتوافر له الاستطاعة المادية والبدنية.. أم الأفضل له أن يؤخر الحج حتى ينتهي من الزواج، وتبعت هذا السؤال أسئلة أخرى من المشاهدين تدور حول الأولى بالإنفاق.. على الزواج، أم على الحج؟

الحج.. أم الزواج أولاً؟.. ما رأي علماء المسلمين؟ ومتى يتقدم الزواج على الحج؟

الحج فريضة واجبة

في البداية سألنا د. شوقي علام، مفتي مصر، عن التوصيف الشرعي للحج، فأجاب «الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، ويجب في العمر مرة واحدة، على كل مسلم ومسلمة، عندما تتوافر الاستطاعة لقوله تعالى: «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين»، وقد أجمع العلماء على أن الحج فرض عين، وهو لازم على كل مستطيع حال توافر شرط الاستطاعة، ولذلك لا يجوز الانشغال عن فريضة الحج طالما توافرت الاستطاعة للإنسان».

ويضيف «الانشغال عن عبادة واجبة مثل الحج، وتأخيرها يعرّض الإنسان لضياع فرصة لا يدري هل ستتاح له مرة أخرى أم لا، فالأعمار بيد الخالق، وهو العليم الخبير، وعلى كل إنسان أن يلبي نداء خالقه، ويبادر بأداء الفريضة متى توافرت له الاستطاعة، المادية والبدنية، بخاصة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد رغّبنا في أداء هذه الفريضة بكل وسائل الترغيب، فقد سُئل صلوات الله وسلامه عليه: أي العمل أفضل؟ قال «إيمان بالله ورسوله»، قيل ثم ماذا؟ قال«الجهاد في سبيل الله»، قيل ثم ماذا؟ قال «حج مبرور»، وهو القائل صلوات الله وسلامه عليه أيضاً «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» وهو القائل «حجّوا فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن». وهو المرغّب في أداء هذه الفريضة والموجّه إلى سرعة أدائها فقال: «الحجّاج والعمّار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم».

كل هذه التوجيهات النبوية الكريمة- كما يقول مفتي مصر- ينبغي أن تدفع كل إنسان موحّد لله إلى أن يبادر إلى أداء هذه الفريضة، لكي يجني ثمارها، ويستفيد من خيراتها، وهي كثيرة والحمد لله.. فالحج فريضة تكفير الذنوب، والتخلص من الآثام، وهذا الأجر والثواب الذي وعد به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يحظى به المخلصون الذين يعيشون بعقولهم ووجدانهم وضمائرهم مع الفريضة، هؤلاء الذين أخلصوا النية، وسلّموا وجوههم لله، وتخلّصوا من كل صور الرياء، والتزموا بالآداب والأخلاقيات التي حرص عليها رسول الله في حجة الوداع، وتجسدت واقعاً عملياً في سلوكه، فلا غيبة، ولا نميمة، ولا إيذاء لأحد، ولا انشغال بتسوّق، ولا نزوة مع زوجة في وقت الإحرام، ولا جدال عقيم مع رفقاء الرحلة، ولا سب، ولا قذف لأحد.. كل هذا يوفر للمسلم مناخاً جيداً لكي يحظى بأجر وثواب الحج المبرور.

لذلك ننصح كل مسلم توافرت له الاستطاعة للحج ولم يسبق له الفريضة، أن يقبل على هذه الرحلة وهو مرتاح الضمير، راجياً عفو ربه، وغفران ذنوبه، والعودة من تلك الرحلة المباركة كما ولدته أمه، بلا ذنوب وآثام.

ويجب على كل من يسافر في تلك الرحلة المباركة الإكثار من شكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، وأن يعلم أن من صفات الشكر وعلامات القبول توفيق الله لحسن أداء العبادات والمناسك، والتحلّي بالآداب الإسلامية للفوز بحج مبرور، وسعي مشكور، وتجارة لن تبور، حتى يرجع من حجه كيوم ولدته أمه.

الحج.. أم الزواج أولاً؟.. ما رأي علماء المسلمين؟ ومتى يتقدم الزواج على الحج؟

الحج.. طاعة متأصلة في النفوس

من جانبه، يؤكد العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، ضرورة حث المسلمين من مختلف الأعمار على أداء العبادات والفرائض الدينية، ومن بينها الحج «لا ينبغي خلق أعذار لصرف المسلمين القادرين عن أداء هذه الفريضة، لأنها تحمل الكثير والكثير من المنافع النفسية والأخلاقية للإنسان. إذ سيظل الحج هو رحلة العمر لأي إنسان في كل مراحل عمره، فشجعوا الشباب على الحج، وقد رأينا خلال السنوات الماضية أنه رغم المخاطر الصحية المتوقعة من تجمع الملايين في الأماكن المقدسة خلال رحلة الحج، وتحذيرات الأطباء من كل دول العالم من التجمعات البشرية، فإن كثيرا من المسلمين حرصوا على أداء الفريضة، ولا شك في أن إقبال المسلمين على أداء مناسك الحج والعمرة يؤكد أن الروح الإسلامية عند الأغلبية العظمى من المسلمين ما زالت موجودة، وأن الرغبة في تأدية العبادات والحرص على الطاعات متأصلة في نفوس كثير من المسلمين، رغم مظاهر الخروج على تعاليم الإسلام في كل المجتمعات الإسلامية، وغير الإسلامية، ورغم المحاولات المستمرة لخصوم الإسلام والتي تستهدف عزل المسلمين عن تعاليم ومبادئ وأخلاقيات دينهم».

الحج.. من علامات الإيمان الصادق

وهنا يؤكد د. هاشم أن الحرص على الحج والعمرة من علامات الإيمان والرغبة الصادقة في التخلص من كل الذنوب والآثام، فمن فضل الله تعالى ورحمته بهذه الأمة أن جعل لها من التشريعات والعبادات ما فيه تطهير للمسلم، ظاهراً وباطناً، وما فيه تكفير للذنوب، وتزكية للنفوس لتنعم برحمة الله سبحانه، وبالقرب منه، وبثوابه الوافر الجزيل..

ومن بين هذه العبادات الحج والعمرة، فقد بشّرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بأن الحج المبرور ثوابه الجنة، وأن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما.. ومن الآثار الطيبة والثمرات الكريمة التي تترتب على المتابعة بين الحج والعمرة غفران الذنوب، وتيسير الأرزاق، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة».

الحج.. أم الزواج أولاً؟.. ما رأي علماء المسلمين؟ ومتى يتقدم الزواج على الحج؟

ترتيب الأولويات.. حج أم زواج؟

الفقيه الأزهري د. فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء، وعضو لجنة الفتوى المركزية بالأزهر، يوضح أن الحكم الشرعي هنا وترتيب الأولويات بين الحج والزواج قد يختلف من شخص لآخر، حسب قدرات وطبيعة هذا الشخص.. ويبين «الحج فريضة واجبة على كل مسلم مستطيع، ولا يشترط هنا أن يكون متزوجاً أو غير متزوج.

والأصل في الزواج هو الندب – أي الاستحباب- قال صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنّتي فمن رغب عن سنتي فليس مني، ومن سنتي النكاح». فالزواج حكمه الشرعي أنه مستحب للشخص السوي معتدل المزاج، وهو الشخص الذي لا ينحرف إذا لم يتزوج. أما لو كان هذا الشخص في حاجة ماسة للنساء فيكون الزواج له أولى من الحج».

ويفصّل عالم الفتوى الأزهري هنا أكثر «لو مع الإنسان مال يكفي لأحد الأمرين (الزواج أو الحج) هنا ينظر لحالة هذا الإنسان ومتطلباته النفسية والاجتماعية، فلو كان في حاجة إلى الزواج لعفة نفسه واستقرار أمره يقدم الزواج على الحج، لأنه هنا أصبح ضرورة لاستقرار هذا الإنسان، ولو تساوى الأمران عنده اختار ما يريح ضميره، ويحقق استقراره، وراحته النفسية، وقد يمتلك الإنسان نفقة الزواج، أو الحج، لكنه غير قادر على الوفاء بحقوق زوجته فيكون الحج له أولى، ولو توافرت له مؤونة الحج، ولكنه سيعود من رحلة الحج لينظر إلى ما حرم الله فيكون الزواج له أولى.. وهكذا».

وهنا يؤكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن أحكام الشريعة الإسلامية تدور جميعها حول ما يحقق مصلحة الإنسان، فلا تتصادم تلك الأحكام مع احتياجاته ومتطلباته النفسية والاجتماعية، بل تلبي له دائما مطالب نفسه المستقرة، والمستقيمة.

الحج.. أم الزواج أولاً؟.. ما رأي علماء المسلمين؟ ومتى يتقدم الزواج على الحج؟

متى يكون الزواج أولى؟

وفي موازاة ذلك، يتفق د. محمد رجب، المدير السابق لإدارة الفتوى بوزارة الأوقاف المصرية، مع الفقيه الأزهري د. فتحي عثمان الفقي، ويوضح «الحج واجب على المستطيع لقوله تعالى: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»، والاستطاعة تعني أن يملك الإنسان من المال ما يستطيع أن يحج به، ويشترط أن يكون هذا المال فاضلاً عن حاجاته الضرورية من مسكن، ونفقة، ونحو ذلك، لكن من معه مال ويريد أن يحج وليس في حاجة للزواج على الفور، وجب عليه الحج، ومن كانت حاجته للزواج أشد كان الأولى له أن يتزوج أولاً، لأن زواجه سيساعد على إعفاف نفسه ومنعه من الوقوع في الرذيلة، أو تداعيات الشهوة المفرطة، وما يترتب عليها من معاصٍ، ومن انشغال النفس بما يشبعها. لكن في حال اعتدال الشهوة يجب على الإنسان تقديم الحج عند جمهور العلماء».

ويوضح د. محمد رجب أن الكلام هنا على (حج الفريضة) وهو الحج الواجب على الإنسان المستطيع، لكن لو كان الإنسان سبق له أن أدى الفريضة، وحجه الآن على سبيل النفل أو التطوع، فالأمر يختلف، وتختلف أولويات الإنسان في هذه الحالة، حيث ينبغي له تقديم الزواج على الحج، كما يجوز له توجيه نفقة الحج لتزويج أيّ من أشقائه، أو أقاربه، فقد سبق وأدى الفريضة، وما يكتسبه من أجر وثواب من وراء مساعدة إنسان على إعفاف نفسه قد يضاعف ما ينتظره من أجر وثواب من وراء تلك الرحلة التي يؤدى فيها عبادة تطوعية.

أيهما أولى.. الحج أم تزويج الأبناء؟

يجيب عن هذا السؤال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، فيقول «الأصل أن يقدم الحج على الزواج؛ لأن الحج فرض، والزواج سُنة، وقد يكون الزواجُ فرضاً في بعض الأحوال».

ويضيف مركز الأزهر للفتوى «إذا خاف الإنسان على ابنه، أو ابنته، من ضياع فرصة الزواج، أو كان من يتقدم لابنته شاباً رضي منه الخلق والدين، وكانت هناك ضرورة للزواج، فحينئذ يجوز تقديم الزواج على الحج».

وما الحكم لو اصطحب الإنسان ابنه المراهق معه لأداء مناسك الحج.. فهل تسقط عنه الفريضة وما حكم حج الأطفال؟

يقول د. فتحي عثمان الفقي «إذا كان الابن قد بلغ الحلم فحجّه صحيح وتسقط عنه الفريضة بمجرد الانتهاء من مناسك الحج. أما إذا حج قبل أن يبلغ فإنه يكون نافلة، ومتى حج بعد هذا وأدى الحج على وجهه الشرعي فحجه صحيح، وتسقط عنه الفريضة حتى ولو كان شاباً يافعاً».

اقرأ أيضاً: علماء الإسلام يحددون شروط ومحظورات الحج المبرور

 

مقالات ذات صلة