13 يونيو 2023

علماء الإسلام يحددون شروط ومحظورات الحج المبرور

محرر متعاون

علماء الإسلام يحددون شروط ومحظورات الحج المبرور

يتوجه ملايين المسلمين من شتى بقاع الأرض للسفر إلى الأماكن المقدسة في رحلة العمر لأداء فريضة الحج.. تلك الرحلة المباركة التي يشتاق إليها كل مسلم ويسعى إليها راجياً أن يغفر الله ذنوبه، ويخلصه من آثامه، ويكون ممن شملهم وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

فكيف يفوز المسلم بالحج المبرور الذي بشره به رسوله الكريم صلوات الله وسلامه عليه؟ وما هي الآداب والسنن التي ينبغي أن يحرص عليها الحاج طوال هذه الرحلة الإيمانية لكي يعود منها بأعظم المكاسب؟ وما الذي يجب أن يتجنبه لكي يكون حجه صحيحاً ومقبولاً؟ وكيف يحتفل المسلمون بعيد الأضحى المبارك كما وجههم رسولهم الكريم صلوات الله وسلامه عليه؟

هذه التساؤلات وغيرها طرحناها على عدد من كبار علماء الأزهر الشريف.. وهذه خلاصة نصائحهم وتوجيهاتهم لضيوف الرحمن وللمسلمين في كل مكان:

منافع ومكاسب الحج متنوعة

في البداية يحدثنا د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر الأسبق، عن فريضة الحج ومكانتها وسط عبادات الإسلام، فيقول «الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو فريضة تثقل شخصية المسلم حيث يتربى فيها على الطاعة والتجرد لله، والخروج من شهوات النفس ومتع الدنيا وزخارفها، وهو علامة من علامات الإيمان الصادق، حيث يقول الحق سبحانه: «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين»، وقد فرض الله الحج مرة واحدة في العمر على كل مسلم ومسلمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (‏يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت صلى الله عليه وسلم حتى قالها ثلاثًا، ثم قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم)‏.

والحج له أهدافه التعبدية والنفسية والإنسانية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فهو هجرة الإنسان الحقيقية إلى الله تعالى، فيه يغتسل من ذنوبه وآثامه لو التزم آداب الحج وأخلاقياته، وفيه يتلاقى المسلمون ليتبادلوا مشاعر المودة والمحبة والرحمة، وفضلاً عن الثقافات والمعارف والمكاسب المتنوعة مصداقاً لقوله سبحانه: «ليشهدوا منافع لهم» وما أجمل أن تتحقق هذه المنافع والمكاسب على أكرم بقعة شرفها الله عز وجل».‏

علماء الإسلام يحددون شروط ومحظورات الحج المبرور

الحج .. رحلة توبة ومغفرة

ويضيف مفتي مصر الأسبق «وطالما أن الحج رحلة إلى الله عز وجل، رحلة تمثل النجاة للمسلم من العقاب الإلهي، فيجب أن يوظف المسلم الحاج كل لحظة فيها في رضا الخالق سبحانه، حتى تكون بالفعل (رحلة توبة ومغفرة)، توبة تخلص الإنسان من ذنوبه وآثامه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح «حجوا فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن».. وفي حديث آخر يقول عليه أفضل الصلاة والسلام «الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم».

وأهم ما ينصح به عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الحاج ليحظى بعفو الله وينال أجر وثواب الحج المبرور هو:

«الحرص على الحلال، وتجنب كل ما فيه شبهة حرام، حتى يتقبل الله منه عبادته وطاعته ويستجيب لدعائه، وأذكر الجميع من الحجاج وغيرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة»، فإذا كان الواجب على المسلم عموماً أن يكون طعامه حلالاً، بمعنى أن يكون مصدر دخله حلالاً ليس فيه شيء من الرشوة أو السرقة أو الاختلاس أو الاغتصاب أو التدليس أو الغش، فإن كل نفقة الحج ينبغي أن تكون من حلال، فلا فائدة من عبادة أنفق الإنسان عليها من مال حرام أو فيه شبه حرام».

علماء الإسلام يحددون شروط ومحظورات الحج المبرور

تجنبوا المشقة المصطنعة في الحج

من جانبه، ينصح د. عطا السنباطي، عميد كلية الشريعة والقانون بالأزهر وعضو لجنة الفتوى المركزية بالأزهر، الحجاج بالتيسير وعدم المشقة على أنفسهم طول رحلة الحج، مؤكداً أن التيسير في أداء عبادات وفرائض الإسلام (منهج نبوي كريم)، ولذلك فإن الذين يعتقدون أن زيادة المشقة في الحج تضاعف من الأجر والثواب ولذلك يكلفون أنفسهم أكثر مما يطيقون في أداء المناسك ليسوا على صواب.

ويشرح «هناك عبارة شائعة على ألسنة الكثيرين في الحج وهي (الأجر على قدر المشقة)، وهذا يحدث إذا كانت المشقة ملازمة للعبادة، بحيث لا يمكن القيام بالعبادة إلا مع تحمل هذه المشقة، هنا تضاعف المشقة الأجر والثواب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك»، لكن إذا كانت المشقة مصطنعة من الإنسان، فهي على خلاف ما وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القدوة والمثل الأعلى لنا في العبادات والطاعات».

ويواصل «يجب أن يعلم كل حاج أن دينه يسر لا عسر فيه، وأن الله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها، هكذا وجهنا الخالق عز وجل في أمور حياتنا وفي عباداتنا، فلا يجوز للإنسان أن يحمل نفسه أكثر من طاقتها، والمشقة المصطنعة في الحج لا فائدة منها، لكن لو فرضت الظروف على أحد من الحجاج أن يكافح ويجاهد ويبذل جهداً كبيراً لتحصيل طاعة فأجره وثوابه مضاعف إن شاء الله».

علماء الإسلام يحددون شروط ومحظورات الحج المبرور

آداب وسنن تضاعف من أجر الحاج

وعما يضاعف من الأجر والثواب في الحج، يقول عميد كلية الشريعة والقانون بالأزهر:

  • الحاج مطالب أن يلتزم بمكارم الأخلاق في تعامله مع كل الناس سواء من الحجاج أو غيرهم ممن يتعامل معهم طوال رحلته المباركة.
  • ألا يشغل نفسه بمشاحنات ومجادلات عقيمة تغير النفوس وتفرق الصفوف.
  • ألا يرتكب محظوراً من محظورات الحج.
  • أن يكثر من الإنفاق على الفقراء والمحتاجين طوال رحلته المباركة، فالنفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله الدرهم بسبعمئة ضعف كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • الحج ليس نزهة أو رحلة ترفيهية ينشغل فيها الإنسان بالطعام والشراب، واللف في الأسواق والمتاجر، بل هو رحلة إيمانية يجب أن يستفيد الحاج من كل لحظة فيها، وأن يوظف كل وقته وجهده لطاعة الله عز وجل.
  • وكذلك ننصحه بالحرص على التواجد في المسجد الحرام أكبر وقت ممكن لأداء الصلوات في أوقاتها وقراءة القرآن الكريم، والطواف حول البيت كلما وجد القدرة على ذلك».

محظورات في الحج

ويوضح عميد كلية الشريعة والقانون بالأزهر أن هناك محظورات بعد الإحرام بالحج، منها محظورات مشتركة بين الرجال والنساء، وأبرزه:

  • منع وضع الطيب.
  • عدم إزالة الشعر أياً كان موضعه في الجسد.
  • عدم تقليم الأظافر لليدين والرجلين.
  • عدم ممارسة العلاقة الحميمة أو مقدماتها أثناء الإحرام، فالجماع ومقدماته من أعظم المحظورات أثناء الإحرام، لأنه يفسد الشعيرة.
  • عدم الخطبة أو مباشرة عقد النكاح سواء لنفسه أو لغيره.
  • عدم التعرض للصيد البري حال الإحرام، فلا يجوز للمحرم اصطياد شيء من حيوانات البر.
  • الفسوق والجدال من المحظورات، ويقصد بالفسوق ارتكاب المعاصي من نميمة وغيبة وسب أو السرقة وقول الزور وكل أنواع المعاصي، أما الجدال فهو المجادلة في الحديث.

أما المحظورات على الرجال فقط، منها:

  • التجرد من المخيط، بمعنى عدم ارتداء الملابس والأحذية المعتادة.
  • عدم تغطية الرأس بعمامة أو طاقية أو قبعة أو غترة.
  • عدم تغطية الوجه.

وهناك محظورات على النساء فقط، أبرزها:

  • إذا طرأ على المرأة بعد الإحرام بالحج دم الحيض أو النفاس فيحظر عليها دخول المسجد الحرام إلا إذا خافت إلغاء حجز السفر أو فوات رفقة، أو الفوج الآتية معه، فلها أن تستخدم الاجتهاد الفقهي الذي يبيح ارتداء حفاضة تمنع سيلان الدم من الموضع إلى ملابسها أو إلى الحرم، ولها أن تطوف إذا كانت مضطرة ويسقط عنها طواف الوداع، وتكتفي بطواف الإفاضة، كما يحرم عليها دخول المسجد النبوي وقراءة القرآن».

علامات الحج المبرور

وعن علامات ودلالات الحج المبرور، يوضح د. عطية لاشين، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو لجنة الفتوى الرئيسة بالأزهر، «الحج المبرور له علامات تسبق الحج، وعلامات أثناء أداء فريضة الحج، وعلامات بعد الانتهاء من الحج.. ومن أهم العلامات التي تسبق الحج المبرور:

  • أن تكون نفقة الحج من مال حلال.
  • ألا يخرج الحاج إلى الحج إلا وقد أصلح حاله، وحسن علاقته مع الناس، لأن شرط الصلح مع الله، أن تصلح علاقتك مع عباد الله.
  • أن يتجنب السلوكيات المحظورة، فالحج إذا لم يصل بصاحبه إلى تقوى الله عز وجل فلا فائدة منه ولا نفع له.
  • أن يرجع الحاج بعد حجه زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة ممتثلاً في ذلك قول الله تعالى «مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ»، وأن يرجع وحاله بعد الحج أفضل وأحسن مما كان عليه قبل الحج، وهذا يتضح من سلوكه وحرصه على الحلال، وتجنبه لكل حرام أو شبهة حرام، ومن علاقاته الطيبة من الناس».