05 يوليو 2022

نصائح كبار علماء الأزهر للمسلمين في عيد الأضحى المبارك

محرر متعاون

نصائح كبار علماء الأزهر للمسلمين في عيد الأضحى المبارك

يعيش المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها الأجواء الروحية والأخلاقية لعبادة الحج.. تلك الفريضة التي أرادها الخالق سبحانه وتعالى لجمع شتات المسلمين في الأرض، حيث يتجمعون من «كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معدودات» ويتزودون منها بالخيرات والبركات الكثيرة والمتنوعة.

كيف يستفيد المسلم «غير الحاج» من أجواء هذه الأيام المباركة؟
وما أجر وثواب كل من يحرص على صوم يوم عرفة؟
وكيف يحتفل المسلمون بعيد الأضحى المبارك؟ وما أجر وثواب الأضحية؟

تساؤلات كثيرة حول الأجواء الروحانية لفريضة الحج وعيد الأضحى المبارك، عرضناها على عدد من كبار علماء الأزهر الشريف ليرسموا لنا الطريق الأمثل للتعامل مع أيام الحج وعيد الأضحى المبارك.. وفيما يلي خلاصة ما نصحوا به:

1- الاحتفاء بالعشر الأوائل من شهر ذو الحجة

الاحتفاء بالعشر الأوائل من شهر ذو الحجة

يجيب د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق «الله سبحانه وتعالى لم يحرم المسلمين الذين لم يكتب لهم أداء المناسك، وهم السواد الأعظم من المسلمين، من عطاء هذه الأيام المباركة، حيث تبدأ تلك البركات من أول ذي الحجة، فقد حثنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه على الاحتفاء بالعشر الأوائل من هذا الشهر المجيد لما لها من فضل كبير، فقد أقسم الله سبحانه وتعالي بها في قوله سبحانه: «والفجر وليالي العشر» وقد قال العلماء إن هذه الليالي هي الليالي العشر من ذي الحجة و«الفجر» هو فجر يوم النحر»، ويضيف «لقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل العشر الأول من ذي الحجة فقال «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني أيام العشر.. قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله. إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء». والعمل الصالح الذي حثنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام يشمل كل عمل يقرب الإنسان من خالقه، وقد أشار النبي صلي الله عليه وسلم إلى بعض الأعمال الصالحة التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم في هذه الأيام المباركة فقال «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلي العمل فيهن من أيام العشر فاكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير».. لكن هذه العبادات والأعمال الصالحة الواردة في الحديث لا تلغي بقية أعمال الخير، فكل عمل صالح يفعله الإنسان له ثوابه المضاعف وبخاصة ما يتعلق بذكر الله والصيام والقيام».

2- صوم يوم عرفة

صوم يوم عرفة

ومن أعظم العبادات والطاعات التي يؤجر عليها المسلم- غير الحاج- في هذه الأيام «صوم يوم عرفة»، فيوم عرفة يوم عظيم من أيام الله المباركة، وعطاؤه لضيوف الرحمن،كما يقول د. علي جمعة، يختلف عن عطائه لبقية المسلمين، فهو يمثل الركن الأعظم لمناسك الحج، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحج عرفة» وهو قول كريم يجسد مكانة هذا اليوم العظيم. وبالنسبة للمسلمين الماكثين في أوطانهم يوم عبادة وطاعة أيضا، ومن أفضل الطاعات صوم هذا اليوم، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة فقال «يكفر السنة الماضية والباقية» وفي رواية أخرى قال عليه الصلاة والسلام «يعدل صيام سنة» وقيل «يعدل صيام سنتين»، وهذه الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل دلالة واضحة على فضل صيام هذا اليوم لغير الحاج، حيث لا يلزم الواقف بعرفة صيام هذا اليوم بل يسن عدم صيامه حتى يقوى الحاج على أداء ما عليه من التزامات دينية أخرى تحتاج إلى مشقة وجهد بدني ونفسي، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم هذا اليوم خلال حجة الوداع، فالأولى لضيوف الرحمن عدم صومه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

3- إدخال الفرح والسعادة على الأطفال والنساء

إدخال الفرح والسعادة على الأطفال والنساء

بعد ساعات قلائل من الانتهاء من صوم يوم عرفة وجني ثماره الطيبة يخرج المسلمون الى الساحات والمساجد الكبرى مع أسرهم وأقاربهم وأصدقائهم لأداء صلاة العيد، وهم يتسابقون في الخيرات، تشيع بينهم روح المودة والألفة ويحاول كل مسلم أن يتواصل مع أهله وجيرانه وأصدقائه عقب أداء الصلاة.

يؤكد د. خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، «لا ينبغي أن يتكاسل مسلم عن صلاة العيد بنوم، أو ينشغل عنها بأية أمور أخرى، فهي سنة مؤكدة واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بالخروج لها، سواء صلاها في الخلاء أو في المسجد، حسبما تيسر له، ويشرع قضاء صلاة العيد لمن فاتته لعذر متى شاء في باقي اليوم، أو في اليوم التالي وما بعده، وإن شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبير».

وعن نظرة الإسلام للعيد، يبين أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية «الأعياد في الإسلام وسيلة لإدخال السرور والبهجة على المسلمين رجالاً ونساء وأطفالاً، ولكنها في الوقت ذاته لم تشرع من أجل الفرح المجرد فقط، بل لتمام البر في المجتمع الإسلامي، بعدما أصبح البر قضية اجتماعية عامة، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الأغنياءَ بإدخال السرور على الفقراء في تلك الأيام، وتجنيبهم ذل المسألة، من خلال شعيرة الأضحية التي استنها الإسلام ليتشارك الجميع في إطعام الطعام، ولتلتقي قوة الغني وضعف الفقير على عدالة ومحبة ورحمة من وحي السماء، انطلاقا من دعوة الإسلام إلى العمل على زيادة الأواصر الاجتماعية، وتجديد الروابط الإنسانية بالتهاني والقول الحسن بين الناس، وإظهار المسلمين بصفة الرحمة التي هي قوام دينهم».

ويضيف «من باب السرور والبهجة في أيام العيد إدخال الفرح والسعادة على الأطفال والنساء، اقتداء بالرسول الكريم، فالإسلام جاء تلبية لحاجات الإنسان الفطرية ماديا وروحيا، ولضبط العلاقة بين الروح والجسد، وبين الدنيا والآخرة، بإباحة الترويح عن النفس من هموم الحياة، فالحجاج مثلا يفرحون لأنهم أدوا شعيرة الحج، ويشاركهم المقيمون في أوطانهم بالتقرب إلى الله بالأضاحي إحياء لسنة الأنبياء من إبراهيم إلى خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، وبذلك يسمو الإسلام بمعنى العيد، ويربط فرحته بالتوفيق في أداء الفرائض، وشكر الله على القيام به، وتحقيق التكافل الإنساني والاجتماعي بين الأغنياء والفقراء».

4- توزيع الأضحية بما حث عليه الإسلام

الهلال الأحمر يوزع الأضاحي- وام
الهلال الأحمر يوزع الأضاحي- وام

وعن الحكمة من مشروعية الأضحية، وحجم الاهتمام بها في منظور الإسلام، يقول أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية «الأضحية من أفضل الأعمال التي ينبغي أن يتقرب بها المسلم إلى خالقه في هذه الأيام المباركة، فقد ورد الأمر الإلهي بها في قول الحق سبحانه وتعالى: «إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر»، ورسول الله صلى الله عليه وسلم رغبنا فيها من خلال العديد من الأحاديث النبوية الكريمة، وأخبرنا أن الأضحية تأتي بقرونها وأشعارها وأظلافها لتشفع لصاحبها يوم القيامة.

وكان صلى الله عليه وسلم القدوة والمثل في الفداء والتضحية، وقد ثبت أنه ضحى بكبشين، أي بخروفين، أملحين، أي يخالط بياضهما سواد، أقرنين، أي لهما قرون.

لذلك كانت الأضحية سنة مؤكدة ويكره تركها بالنسبة للمسلم القادر عليها، والقدرة هنا تتوافر بوجود المال الذي يفي بحاجة الأضحية دون حرج أو استدانة. ولذلك لا مجال لما يحدث في بعض البلدان العربية والإسلامية من شراء الأضحية بالأجل إلا إذا كان لدى الإنسان من الموارد الثابتة ما يمكنه من سداد قيمة الأضحية، ونحن نحمد هذا السلوك في حد ذاته لأنه يعبر عن حرص المسلم على أداء شعيرة إسلامية ويتأسى بما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط أن يلتزم في توزيعها بما حث عليه الإسلام وأن يطعم منها الفقراء والمحتاجين ولا يستأثر بها لنفسه ولأهل بيته كما يفعل البعض.

مجتمعاتنا الإسلامية في أمس الحاجة الآن لبهجة الأعياد، بعد أن أصبحنا نعاني من مشكلات وأزمات تلحق بنا هزائم نفسية الواحدة تلو الأخرى

5- تأمل بهجة العيد

أسرة تحتفل بالعيد عند مسجد النور بالشارقه - تصوير كمال قاسم
أسرة تحتفل بالعيد عند مسجد النور بالشارقه - تصوير كمال قاسم

ويعود د. علي جمعة ليؤكد أن هذه الأيام الطيبة التي تختتم بالعيد ليست لأداء التزامات دينية وأعمال خيرية فحسب، بل أراد الله أن يختتمها بالعيد وهو يوم بهجة وسعادة له أهميته ومنزلته الخاصة في حياة الإنسان، فعيد الأضحى أحد عيدين في الإسلام ينبغي أن يعيشهما المسلم بوجدانه ومشاعره، فعيد الفطر يأتي ليفرح المسلم بأداء فريضة الصيام، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك «للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه»، كما يأتي عيد الأضحى عقب أداء المسلم لفريضة الحج، فيستشعر نعمة الله عليه في تمام الإسلام وكمال الدين ولذلك سنت الأضحية في عيد الأضحى ليشارك المسلمون في هذه الفرحة بتقديم الأضحية عطاء ماديا وإرساء للتكافل الاجتماعي.

ويضيف «مجتمعاتنا الإسلامية في أمس الحاجة الآن لبهجة الأعياد، بعد أن أصبحنا نعاني من مشكلات وأزمات تلحق بنا هزائم نفسية الواحدة تلو الأخرى، فيأتي العيد ببهجته وسروره ليخرجنا من هذه الهموم ويفتح أمامنا بارقة أمل، لذلك فإن الهموم والمشكلات والأزمات التي نعيشها لا ينبغي أن تصرفنا على أن نعيش حياتنا بحلوها ومرها، والعيد شعيرة من شعائر الإسلام تحمل بداخلها كثير من الحِكم العظيمة، كما أنه مظهر من مظاهر الفرح والسرور التي يحث عليها ديننا، حيث يلبي حاجات الإنسان المادية والروحية».

وينتهي مفتى مصر السابق إلى تأكيد أن الاحتفال بالعيد لا يقتصر على السرور فقط، بل بإدخال السرور على المحيطين بنا، والمتعاملين معنا، وجيراننا وأيضاً الفقراء بما نقدمه لهم من لحوم الأضاحي، ومن صدقات تطوعية، فالصدقة يوم العيد لها ثواب مضاعف وينبغي على كل مسلم أن يكون سخياً كريماً مع الفقراء وأصحاب الحاجات في هذا اليوم الأغر.