02 يوليو 2022

علماء الإسلام يحسمون الجدل: مساعدة الفقراء أكثر ثواباً من تكرار الحج

محرر متعاون

علماء الإسلام يحسمون الجدل: مساعدة الفقراء أكثر ثواباً من تكرار الحج

في مثل هذا الوقت من كل عام يكثر الجدل والنقاش حول تكرار الحج والعمرة، هل هو أكثر عطاء وثواباً للمسلم الذي سبق وأدى الفريضة وكرر مناسك العمرة أكثر من مرة.. أم الأفضل توجيه نفقات تكرار الحج والعمرة لأصحاب الحاجات من الفقراء والغارمين وما أكثرهم في عصر الغلاء والأزمات الاقتصادية؟

القضية طرحت للنقاش منذ أيام عبر إحدى الفضائيات المصرية، وشهدت جدلاً وخلافاً واسعاً ليس بين العلماء ورجال الفتوى فحسب، لكن أيضاً بين الجماهير الذين تهفو نفوسهم لزيارة الأماكن المقدسة ويتطلعون إلى حج مبرور يمحو الذنوب ويغسل الخطايا، ويعود الإنسان منه كيوم ولدته أمه.. وآخرين يرون أن حاجات فقراء المسلمين المعيشية والصحية يجب أن تتقدم أداء العبادات خاصة لو كان الإنسان قد سبق له أداء الحج والعمرة من قبل.

«كل الأسرة» رجعت لعدد من كبار العلماء ليوضحوا لنا الموقف الشرعي الصحيح حتى يتوقف الجدل، ويحدد كل مسلم خريطة طريق لعباداته وأعماله الخيرية، لينال الجزاء الأوفى من الخالق سبحانه.

مكانة الحج في الإسلام

في البداية يعرفنا د.شوقي علام، مفتي مصر، بمكانة الحج كعبادة جعلها الخالق سبحانه كوسيلة لجلب رضا الخالق ولمحو الذنوب والآثام، فيقول «الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، ويجب في العمر مرة واحدة على كل مسلم ومسلمة عندما تتوافر الاستطاعة لقوله تعالى: «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين»، وأجمع العلماء على أن الحج فرض عين، وهو لازم على كل مستطيع حال توافر شرط الاستطاعة، ولذلك فإن الانشغال عن فريضة الحج انشغال عن عبادة واجبة، وتأخيرها يعرض الإنسان لضياع فرصة لا يدري هل ستتاح له مرة أخرى أم لا، فالأعمار بيد الخالق، وهو العليم الخبير، وعلى كل إنسان أن يلبي نداء خالقه ويبادر بأداء الفريضة متى توافرت له الاستطاعة المادية والبدنية، خاصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رغبنا في أداء هذه الفريضة بكل وسائل الترغيب، فقد سئل صلوات الله وسلامه عليه “أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال: حج مبرور”، وهو القائل صلوات الله وسلامه عليه «لعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» وهو القائل «حجوا فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن».

مفتي مصر يوضح الموقف الشرعي من تكرار الحج - قناة البلد


كل هذه التوجيهات النبوية الكريمة ينبغي أن تدفع كل إنسان موحد بالله إلى أن يبادر بأداء هذه الفريضة لكي يجني ثمارها، ويستفيد من خيراتها وهي كثيرة والحمد لله.. فالحج فريضة تكفير الذنوب، والتخلص من الآثام، وهذا الأجر والثواب الذي وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم يحظى به المخلصون الذين يعيشون بعقولهم ووجدانهم وضمائرهم مع الفريضة، هؤلاء الذين أخلصوا النية، وسلموا وجوههم لله، وتخلصوا من كل صور الرياء، والتزموا بالآداب والأخلاقيات التي حرص عليها رسول الله في حجة الوداع، وتجسدت واقعا عمليا في سلوكه».

من جمع بين أداء المناسك والتصدق على الفقراء، له عظيم الأجر والثواب

هذا عن الحج كفريضة لمن يؤديه أول مرة ينبغي أن يبادر به بمجرد توفر الاستطاعة البدنية والمادية، فمن استطاع بدنيا وماديا عليه أن يؤدى المناسك بنفسه، ومن لم يستطع بدنيا واستطاع ماديا يجوز له أن يوكل من يسافر لأداء الفريضة نيابة عنه، ولابد أن يكون المنيب قد سبق له أداء الفريضة.

أما من سبق له أداء الفريضة وسمح له بالسفر وفقاً للإجراءات التنظيمية التي تتخذها المملكة العربية السعودية بهذا الشأن فهو بالخيار بين أن يسافر لأداء المناسك تطوعاً طمعاً في الأجر والثواب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح «ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به»، أو أن يتصدق بتكاليف الرحلة لأصحاب الحاجات، وهم كثيرون في هذا العصر، وموجودون في كل المجتمعات.. ومن جمع بين الأمرين (أداء المناسك والتصدق على الفقراء) فله عظيم الأجر والثواب.

علماء الإسلام يحسمون الجدل: مساعدة الفقراء أكثر ثواباً من تكرار الحج

تكرار أداء المناسك هو من باب التطوع وليس الفرض

العالم الأزهري د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، يؤكد أن الحج مطلوب من المسلم المستطيع مرة واحدة في العمر، فالله سبحانه وتعالى يقول: «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً»، ومن هنا فإن تكرار أداء المناسك هو من باب التطوع وليس الفرض، وإذا كان الله سبحانه وتعالى يكافئ المسلم على كل عمل يتقرب به إليه بنية صادقة، فهناك الآن أولويات يأتي في مقدمتها تلبية حاجات الفقراء وغيرهم من المحتاجين مثل الغارمين والغارمات، والمرضى الفقراء، وطلاب العلم الفقراء الذين لا يجدون ما ينفقونه على استكمال تعليمهم، خاصة وأن الغالبية العظمى من الشعوب الإسلامية تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، وكثير من المسلمين قد يجدون صعوبة في توفير الغذاء لهم».

ويضيف «كل عام ننصح المسلمين القادرين مادياً الذين يحرصون على السفر سنوياً، أو على فترات متقاربة لأداء مناسك الحج والعمرة، بالتبرع بنفقات سفرهم للفقراء وأصحاب الحاجات، خاصة في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في معظم بلداننا العربية، وقد قال العديد من العلماء أن التبرع لأعمال الخير ومساعدة الفقراء والمرضى غير القادرين أكثر أجراً وثواباً وقربى إلى الله من حج التطوع وتكرار العمرة، حيث سقطت فريضة الحج عن أصحابها بمجرد أدائها للمرة الأولى».

من هنا يجدد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر دعوته لكل مسلم سبق له أداء فريضة الحج أو كرر السفر في هذه الرحلة المباركة من قبل أن يعيد حساباته، وأن يقدم الأموال التي ينفقها في رحلات الحج التطوعية إلى الفقراء والمرضى وأصحاب الحاجات، لأنه بذلك يسهم في حل مشكلتين كبيرتين هما: مساعدة الفقراء والمحتاجين، وهذا أمر مهم للغاية وواجب ديني واجتماعي، وتخفيف حدة الزحام في الحج خاصة في ظل الظروف الصحية التي يمر بها العالم، وإعطاء الفرصة لمن لم يسبق لهم أداء الفريضة لكي يؤدونها في سهولة ويسر.

إذاً، الحج كما يقول د. جمعة مفروض على المسلم المستطيع مادياً وبدنياً مرة واحدة، وما زاد على ذلك فهو من باب النافلة أو التطوع، ولذلك ينصح القادرين ماديا بمضاعفة عطائهم للفقراء وأصحاب الحاجات في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها كثير من الأسر.. ويبين «على علماء ودعاة الإسلام أن ينشروا الوعي الديني بأهمية مساعدة الفقراء وأصحاب الحاجات فهو الأفضل عند الله من الحرص على النوافل، ذلك أن فقه الأولويات في شريعتنا الإسلامية يؤكد أن قضاء حوائج الناس أولى من حج النافلة خاصة إذا كان في الوطن فقير لا يكاد يجد قوت يومه إلا بمشقة شديدة، أو مريض لا يكاد يجد ما يتداوى به إلا بشق الأنفس، أو شاب لا يجد ما يعف به نفسه».