نقل الأعضاء البشرية من إنسان إلى آخر أصبح ضرورة من الضرورات الملحّة في هذا العصر الذي كثرت فيه الحوادث، والأمراض الفتاكة، ويحتاج الكثير من المرضى إلى زرع عضو مكان عضو أصابه التلف، ولم يعُد صالحاً للعمل، وبالتالي يكون المريض في مواجهة الموت.
لذلك، أصبح من الضروري، الآن، تقديم أجوبة شرعية عن تساؤلات الناس عن التبرّع بالأعضاء البشرية. فقد أفتى علماء كبار بأن العضو المنقول من إنسان، حيّ أو ميّت، بمثابة صدقة جارية له يعود عليه بالأجر والثواب، طالما انتفع به الحي.. وهذا الحافز الشرعي غائب حالياً، للأسف، في ظل استمرار انتشار فتاوى شرعية تضع محاذير كثيرة على نقل الأعضاء، من الأحياء أو الأموات، ما يضاعف من حدّة مشكلة نقل وزراعة الأعضاء في عالمنا الإسلامي.
التبرع بالأعضاء مباح.. ولكن بضوابط
بداية، يؤكد العالم الأزهري د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق، أن نقل الأعضاء البشرية شكل من أشكال التداوي، وهو أمرٌ مشروع، والطب قد تقدم بصورة كبيرة، وأصبح زرع الأعضاء ميسوراً من الناحية الطبية، ويتقنه كثير من الأطباء المهَرة الذين أسهموا في إنقاذ حياة الكثيرين من الموت المحقق، وكل شيء بقضاء وقدَر، وقد جعل الله إجراء هذه العمليات سبباً من الأسباب التي تحفظ للإنسان حياته من غير آلام شديدة، إلى انقضاء أجله المسمّى في علم الله تبارك وتعالى.
ويضيف «لكن هذا النقل، لكي يكون مباحاً، ينبغي أن يخضع لمجموعة من الضوابط الشرعية، حتى لا يتحوّل الأمر إلى تجارة يتصارع فيها الأغنياء، ويهدرون حقوق المرضى الفقراء، ويحوّلون أعضاء الإنسان إلى سلعة قابلة للتزايد في الأسواق».
نقل الأعضاء بين الأحياء
ويوضح مفتي مصر الأسبق، مجموعة من الضوابط الشرعية لنقل الأعضاء أهمّها:
نقل الأعضاء من إنسان حيّ إلى مثله
يجوز نقل عضو من إنسان حيّ إلى مثله عن طريق «الهِبة والتبرع»، مع مراعاة عدد من الضوابط الشرعية والطبية، أبرزها:
- وجود ضرورة ملحّة لذلك، بحيث يكون هذا النقل محققاً لمصلحة مؤكدة، أو شبه مؤكدة، للمنقول إليه من الوجهة الطبية، ويمنع عنه ضرراً مؤكداً يحلّ به، إذا استمر حاله من دون نقل.
- موافقة المنقول منه مع كونه بالغاً عاقلاً مختاراً.
- ألّا يؤدّي نقل العضو إلى ضرر محقق بالمنقول منه، يضرّ به، كليّاً أو جزئيّاً، أو يؤثر فيه سلباً، في الحال، أو في المآل، بطريق مؤكد من الناحية الطبية؛ لأن مصلحة المنقول إليه ليست بأولى شرعاً من مصلحة المنقول منه؛ والضرر لا يُزال بالضرر، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام، ويكفي في ذلك المصلحة الغالبة الراجحة. والضرر القليل المحتمل عادة، وعرفاً وشرعاً، لا يمنع هذا الجواز في الترخيص، إذا تم العلم به مسبقاً، وأمكن تحمّله أو الوقاية منه، مادياً ومعنوياً، بالنسبة إلى المنقول منه، والذي يحدّد ذلك هم أهل الخبرة الطبية العُدول.
- صدور إقرار كتابي من اللجنة الطبية قبل النقل بالعلم بـهذه الضوابط، وإعطائه لذوي الشأن من الطرفين -المنقول منه العضو، والمنقول إليه- قبل إجراء العملية الطبية، على أن تكون هذه اللجنة متخصصة، ولا تقل عن ثلاثة أطباء عُدول، وليس لأحد منهم مصلحة في عملية النقل.
- يشترط ألّا يكون العضو المنقول مؤدّياً إلى اختلاط الأنساب، بأيّ حال من الأحوال.
نقل أعضاء الموتى
أمّا النقل من الموتى إلى الأحياء فشروطه وضوابطه أقل، وتتلخّص في التأكد، طبياً، من موت الإنسان المنقول منه، بشهادة لجنة طبية متخصصة، والإقرار باستحالة عودة الحياة إليه مرة أخرى، وتبرّع الميت قبل موته بأعضائه، ويجوز هنا تبرّع أهله بأعضائه بعد وفاته.. وهنا يجب التعامل مع الميت المتبرّع بأعضائه بما يكفل حماية جثته من الامتهان أثناء النقل، فقد كرّم الله الإنسان، حياً وميتاً.
هل يجوز بيع العضو المنقول؟
يقول د. واصل «الإنسان لا يملك أعضاءه ملكاً تاماً لكي يتصرف فيها وفق هواه، ولكنه يملك التصرف فيها عند الضرورة، وبالقدر الذي لا يؤدي إلى ضرر أكبر.. فلا اعتراض، شرعاً، على أن يتبرّع إنسان بعضو من أعضائه لإنسان من أجل إنقاذ حياته.
أما إن كان هذا العطاء مرهوناً بانتفاع مادّي، فلا يجوز ذلك، لأنه بيعٌ لما لا يملك على الحقيقة، ولما فيه من امتهان لآدمية الإنسان، وفتح الباب لتجار الرقيق كي يجعلوا من أعضاء الإنسان سلعاً، تُباع وتُشترى، وقد يؤدي هذا بدوره، إلى قتل الأبرياء، من أجل الحصول على تلك الأعضاء التي يتنافس الناس على بيعها، وشرائها».