03 سبتمبر 2022

ليلة سقوط سماسرة الأعضاء البشرية في مصر

فريق كل الأسرة

ليلة سقوط سماسرة الأعضاء البشرية في مصر

بدأت القصة بخلاف على ثمن بيع الأعضاء، فكشف شبكة كاملة من المنحرفين والمتواطئين. الجريمة لم تكن وليدة اليوم واللحظة، وإنما امتدت جذورها لبضع سنوات مضت، وربما كانت لن تكتشف لولا هذا الخلاف المادي الذي وقع بين الوسيط أو سمسار الأعضاء، وبين أحد ضحاياه من المتبرعين، وعقب سقوطه في قبضة رجال الشرطة تكشفت مفاجآت مُذهلة.

تشكيل إجرامي طبي يضم تخصصات

لم يكن تشكيلاً عصابياً مكوّناً من مجموعة من المجرمين والخارجين على القانون، وإنما تشكيل إجرامي طبي يضم تخصصات مختلفة للربح من خلال بعض العمليات المشبوهة والخاصة بتجارة ونقل الأعضاء، بمقابل مادي يوافق عليه الضحية أو «المتبرع».

أما السمسار فله نسبة من الأرباح تبدأ في الصعود كلما وصلنا إلى الرأس الكبير والعقل المدبّر لهذا التشكيل الإجرامي الخطر، منزوع الإنسانية.

تجارة تُدر ملايين الجنيهات

بدأ التشكيل الإجرامي بشكل غريب جداً.. تعاطف من خلال مأساة إنسانية، ثم تحول الأمر برمته إلى تجارة تُدر ملايين الجنيهات اشترك فيها العشرات، البعض كان ضمن التشكيل العصابي بحسن نية دون أن يدري، يقوم بأداء واجبه فقط، والبعض الآخر كان يعلم تفاصيل كل كبيرة وصغيرة، ويعلم المكسب المتوقع.

بداية القصة كانت من خلال إعلان صغير في إحدى الصحف، رجل في العقد الخامس من عمره يطلب متبرعاً بالكلى، نظير مبلغ مالي كبير يتم الاتفاق عليه، وفي نهاية الإعلان حدد طريقة التواصل معه من خلال هاتفه المحمول.

وبعد مرور بضعة أيام تلقى المريض مكالمة هاتفية، ولم يكن المتصل هو المتبرع الأساسي؛ بل كان ممرضاً يعمل في أحد المستشفيات، طلب مقابلة المريض للاتفاق على كافة التفاصيل.
وبالفعل حُدد موعد اللقاء، وفي الزمان والمكان المحدّدين التقى الممرّض أو «سمسار الأعضاء» مع المريض الثري، وبمجرد اللقاء انسابت دموعه على وجنتيه، حاول الممرّض تهدئته مؤكداً له أنه من الممكن أن يتدخل لتوفير متبرع يتمتع بصحة جيدة لكن المقابل المالي سيكون كبيراً، وبعد دقائق من الشد والجذب اتفقا على دفع مبلغ 350 ألف جنيه، دون ثمن العملية الذي يجب أن يتم في مستشفى محدد.

وافق المريض مضطراً خصوصاً أنه ليست لديه أي بدائل أخرى يمكن أن تفي بالغرض، وقبل أن ينتهي اللقاء طلب الممرض مهلة بعض الوقت حتى يتم الاتفاق مع المتبرع.

لم يكن الممرض الشاب في حقيقة الأمر سوى «سمسار أعضاء بشرية» يعمل في الخفاء، ولديه شبكة من المساعدين والمعاونين. تمكّن السمسار من تسخير كل إمكانياته لتحقيق أهدافه بدقة متناهية، خصوصاً أنه يعمل صباحاً في مستشفى حكومي معظم المترددين عليه من البسطاء، وفي المساء يعمل بشكل إضافي في مستشفى استثماري كبير لزيادة دخله.

من هنا خطرت بباله الفكرة الجهنمية، كان السمسار يلعب على استغلال الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض البسطاء، وبينهم بعض المرضى ممن لديهم مشاكل صحية تحتاج إلى عمليات جراحية وحالتهم المادية لا تمكّنهم من تسديد أجور العمليات، ما دفعه لاستقطاب زبائنه بعناية شديدة جداً حتى لا يقع تحت المساءلة القانونية، ومن ثم يُقنع ضحاياه من البسطاء بأنه يمكنهم إجراء العمليات التي يحتاجون إليها، والحصول على الرعاية الطبية اللازمة مجاناً نظير التبرع بإحدى الكليتين، ولن يتوقف الأمر على العلاج فقط، ولكن سيحصل الضحية أيضاً على مبلغ يقدر بـ50 ألف جنيه نقداً.

ويمثل هذا العرض بالنسبة للعديد من البسطاء، حلماً كبيراً لا يمكن رفضه؛ لذا كانت الموافقات تأتي بصورة مذهلة وسريعة.

على الجانب الآخر كان السمسار يتفق مع بعض ضعاف النفوس في إدارة المستشفى الاستثماري الذي يعمل به ليلًا لجلب الزبائن (المريض والمتبرع)، مقابل مبلغ مالي كبير كان بمثابة العمولة المشروعة التي يحصل عليها نتيجة هذا العمل، في مقابل الأموال الطائلة التي تدخل للمستشفى جراء هذا النوع من العمليات القذرة غير المشروعة.

صفقة في الخفاء

كانت الأمور كلها تسير بدقة متناهية، حيث يحصل السمسار البشري على موافقة كتابية من المجني عليه بالتبرع بأحد أعضائه، مع بيان علمه بكل التفاصيل والتبعات المترتبة عليها. الغريب في الأمر أن كل هذه الاتفاقات كانت تتم في الخفاء حتى لا يظهر اسم المستشفى في أي عمليات مشبوهة؛ بل يتلخّص دوره في رغبة مريض ومتبرع في إجراء جراحة بموافقة الطرفين فقط لا غير، ولا دخل للمستشفى في أي شيء.. إلى هنا تسير كل الأمور بشكل طبيعي، كما هو مخطط له، إلى أن وقع ما لم يكن في الحسبان.

اختلاف على التسعيرة

أصبح للسمسار البشري زبائن من المرضى يُبلغ كل واحد منهم الآخر، بمقابل مادي. وبمرور الوقت تحوّل المرضى إلى سماسرة صغار يبلغون سمسار البشر الأول بكل التفاصيل، والظروف المختلفة للمرضى، ومن منهم سيوافق على الفور وفقاً لحالته المالية والاجتماعية.

كانت العمليات الجراحية تتم بشكل دوري وبمبالغ كبيرة، على حسب دراسة الحالة التي يقوم بها القسم المختص للمريض، لدرجة أصبحت فيها بعض العمليات تتم بالدولار لتحقيق أكبر مكسب مادي ممكن، لكنّ خلافاً حاداً وقع بين سمسار الأعضاء وأحد الضحايا من المرضى بسبب المقابل المادي، حيث لم يعجب المريض ما عُرض عليه من مال، فهدد وتوعد السمسار البشري بفضح كل ألاعيبه لو لم يحصل على المبلغ الذي حدده.

لم يُعره السمسار أي اهتمام واحتدم النقاش بينهما حتى وصل إلى مشادة عنيفة انتهت بالقطيعة، أو هكذا ظن السمسار. لكن المتبرع كان له رأي آخر، حيث ذهب إلى قسم شرطة العاصمة وحرّر محضراً يفيد بقيام ممرض بأحد المستشفيات الحكومية باستغلال حالته الاجتماعية الصعبة واحتياجه لإجراء جراحة وعرض عليه التبرع بكليته مقابل إجراء الجراحة مجاناً في أحد المستشفيات الاستثمارية الخاصة، ودعم كلامه بصور وفيديو، دون أن يدري السمسار البشري.

فضح المستور

كان الكلام خطراً ويحمل في طياته اتهامات طالت الجميع، خصوصاً أن هذا السمسار ليس إلا ممرض يعمل موظفاً في أحد المستشفيات الحكومية، ولن يتمكن من فعل كل هذه الأمور لو لم يكن وراءه العديد من المساعدين والمتعاونين في مختلف المجالات الطبية، بداية من اختيار الضحية وتجهيزات العملية، وصولًا إلى الطبيب الذي يُجري هذا النوع من الجراحات الخطرة.

ليلة سقوط سماسرة الأعضاء البشرية في مصر
صورة الممرض

بدأت الأجهزة الأمنية في وضع «السمسار البشري» تحت الرقابة المشددة دون أن يشعر، حيث تبين أنه ليس بمفرده، فخلفه بعض العناصر التي تساعده في عمله، كما أنه يقوم بتزوير التحاليل الطبية والأشعة اللازمة للحصول على موافقة الأجهزة المعنية لإجراء العمليات الطبية المشار إليها، وذلك في حالات كون المجني عليهم لا تتوافر فيهم الحالة الصحية المطابقة، إضافة إلى قيام التشكيل العصابي بالحصول على موافقة المجني عليهم وتوقيعهم على إقرار يفيد بموافقتهم على التبرع بدون مقابل مادي، خلافاً للحقيقة، وذلك حتى يتمكنوا من إجراء عمليات زرع الكلى من دون مساءلة قانونية.

كما أشارت التحريات التي أجريت، بدقة، إلى أن المستوى المادي والاجتماعي الذي يعيش فيه «الممرض السمسار» لا يتفق تماماً مع كونه موظفاً ودخله محدود ومعروف، ما دفع الجهات الأمنية لعمل كمين للمتهم حتى ضُبط متلبساً أثناء الاتفاق مع أحد الضحايا على عملية جديدة.

الغريب في الأمر أن الضحايا في ما بعد اكتشفوا أنهم لم يحصلوا إلا على الفتات بعد علمهم بالمبالغ المالية الضخمة التي كان يتحصل عليها المتهم، مقابل توسطه في هذا العمل المشبوه والقذر.

لم يكن سقوط المتهم هو نهاية المطاف؛ بل كان البداية للكشف عن سلسلة من الجرائم غير الأخلاقية التي تتم في الخفاء عن طريق السمسار الوسيط، حيث قدم المتهم اعترافات تفصيلية عن طبيعة نشاطه والمتورطين معه في هذا النشاط الإجرامي الخطر، فأحيل للنيابة العامة في القاهرة التي أمرت بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيقات الجارية معه، إلى حين استدعاء باقي المتورطين في الجريمة والذين وردت أسماؤهم في القضية.