لمن يظن أن العام 2020 هو أسوأ الأعوام التي مرت على البشرية بسبب الجائحة التي أصابتها وما تسببت به من تدهور في الاقتصاد العالمي وارتفاع نسب البطالة إلى جانب ما يحدث من تأثيرات بيئية كارثية كانقراض بعض الأجناس وموجات الجراد... فهو مخطئ لأن 2020 لا يزال تنقصها كوارث كثيرة، على الرغم من كارثة مرفأ بيروت بالنسبة إلى اللبنانيين، حتى تصير أسوأ الأعوام في التاريخ البشري المعروف بالمقارنة مع العام 536 ميلادية.
يؤكد المؤرخ مايكل ماكورميك، الاختصاصي بتاريخ القرون الوسطى في جامعة هارفارد، أن العام 536 شكل بداية أسوأ مرحلة في تاريخ البشرية المعروف وأسوأ حقبة يمكن أن يولد فيها إنسان ويعيش على وجه الأرض. ففي ذلك العام، لف ضباب هائل الكثافة الأرض وغطى أوروبا والشرق الأوسط وجزءًا من آسيا، فغرقت الأرض في ظلام دامس طيلة ساعات الليل والنهار ولمدة سنتين كاملتين لأن الشمس في النهار كانت تعطي ضوءًا شبيهًا بضوء القمر في الليل.
ويفترض اليوم، بعد الدراسات التي أجريت على أجزاء من أعماق الجليد في سويسرا وغروينلاند، أن السبب آنذاك كان عائدًا إلى انفجار بركاني في آيسلندا غطى رماده جزءًا كبيرًا من الأرض ما جعل حرارتها تهبط بشدة. فتأثرت المحاصيل الزراعية وتلف معظمها وعمت المجاعة في مجمل أوروبا وصولاً إلى الصين. وتضافرت المجاعة مع البرد الشديد لإسقاط عدد لا يحصى من الضحايا تبعهما انتشار وباء الطاعون في العام 541، حاصدًا مئة مليون ضحية إضافية.
تلك كانت، بحسب المؤرخين، المرحلة الأخيرة من تفكك الإمبراطورية الرومانية، ومن عاش في تلك الحقبة لا بد أنه ظن أن نهاية العالم قد أزفت. بيد أنها كانت في الحقيقة نهاية عالمٍ كان مسيطرًا على مناطق شاسعة من المعمورة ودخوله مرحلة انحدار دامت قرونًا طويلة. ويحكى أن بعض المستثمرين اشتروا منازل وممتلكات بأثمان بخسة في روما، عاصمة الامبراطورية، ظنًا منهم أن الأسعار سترتفع مجددًا وسيحققون ربحاً طائلاً من ورائها. إلا أن الأسعار واصلت الانخفاض لمدة 800 عام! ولم تستعد نشاطها إلا في عصر النهضة أي في بداية القرن الخامس عشر. وعلى امتداد كل هذه الفترة الفاصلة، كانت قصور روما ومنازلها الفخمة قد تحولت إلى زرائب للأغنام والأبقار كما تحولت ساحاتها إلى مراعٍ بعد أن احتلتها الأعشاب واستعادت الطبيعة حقوقها فيها.
كيف يمكن أن نفهم ما يحصل اليوم وما قد يحصل غدًا؟ أو بالأحرى ما الذي سيحل بنا غدًا؟ وباء «كورونا»، ديون سيادية في أقوى دول العالم وفي أضعفها، بيئة مأزومة، توترات سياسية تزداد حماوة... قد تجد أزمات حلولاً لها وتبقى أزمات أخرى بلا حل، لكن من المرجح أن زمن الحياة السهلة وزمن الرخاء الذي نعمنا به فترة من الوقت قد بدأ بالتلاشي ولا بد لنا أن نواجه ما قد ينتظرنا من أزمات بشجاعة وتعاضد وإيمان.