(Jeff Dean/Getty-AFP)
مع بداية موجة «كورونا» في العالم وتطبيق إجراءات التعبئة بما فيها بقاء غالبية الناس في منازلهم، كنت تسمع الكثيرين منهم يعبرون عن مخاوفهم إزاء هذا المرض الجديد الذي يجتاح العالم أجمع. ورأينا الناس يلتزمون بإجراءات الوقاية من ارتداء الكمامات وتعقيم المشتريات والتباعد الاجتماعي... وهكذا تمكنت الكثير من البلدان في العالم من اجتياز المرحلة الأولى من الجائحة بأقل أضرار ممكنة، حتى أنها ظنت أنها تخطت المرحلة الخطرة إن لم تكن قد تغلبت على المرض، أو ظن بعضهم أن «كورونا» فيروس لا وجود له.
لكن يبدو أن الكثيرين اطمأنوا إلى وضعهم أكثر مما يلزم فقد عاودت الإصابات الارتفاع من جديد لتبلغ أرقامًا لم تشهدها في الموجة الأولى، ومع هذا ترى الناس في الشوارع وفي سيارات الأجرة وفي المتاجر والأماكن العامة يتصرفون كما لو أن شيئًا لم يكن، ويتجولون ويتظاهرون بوجوه مكشوفة ويتقابلون من دون كمامات ولا مسافات آمنة بينهم، وكأنهم لا يعيشون في خضم جائحة العصر التي باتت تهدد الكبار كما الصغار.
قد يرد بعضهم هذا السلوك المتهور إلى أن هم الانهيار المالي والإفلاس الاقتصادي الناجم عن توقف الأعمال وقد طغى على ما عداه فجعل بعض الناس يتصرفون بلامبالاة إزاء جرثومة مجهرية لا يرونها. بيد أن عدم ارتداء الكمامة ليس من سمات الموجة الثانية من موجات «كورونا»، بل هو ظاهرة تفشت في الكثير من البلدان وحتى المتقدمة منها، كما في فرنسا والولايات المتحدة وسواهما. حتى أن موضوع الكمامة قد تحول إلى موضوع صراعي وخلافي في الكثير من الولايات الأمريكية إلى درجة أن صحيفة الـ«نيويورك تايمز» اعتبرت أن ارتداء الكمامة من عدمه قد صار مسألة تتعلق بالانتماء السياسي لصاحبها، ورأت فرنسا نفسها ملزمة بإصدار مراسيم تجبر فيها الناس العائدين إلى مؤسساتهم على ارتداء الكمامة داخل المؤسسات.
وإذ تسمع بعض الناس في القرى اللبنانية كذلك يبررون عدم وضع الكمامة بالقول إن جائحة «كورونا» غير صحيحة وهي شائعة يتلاعبون بواسطتها بعقول الناس، تسمع بعضهم الآخر من المترددين في اتخاذ موقف من هذه المسألة يقولون إنهم لا يرتدون الكمامة خوفًا من أن يصبحوا أضحوكة للآخرين. وفي المقلب الآخر من الأرض تسمع من الأمريكيين الحديث نفسه يضاف إليه «انتفاضة عزة وكرامة» في الولايات التي أصدرت قرارًا بالكمامة الإلزامية باعتبار أنها «تعدٍ صارخ على الحريات الشخصية». ومهما يكن من أمر، ومع احترامنا لآراء جميع الناس، قد يكون من المفيد أن نطبق على جائحة «كورونا» رهان الفيلسوف الفرنسي «باسكال» حول يوم الحساب وقد قال للمشككين فيه ما معناه إنه لا يضرنا بشيء أن نتصرف كما لو أن يوم الحساب موجود حتى وإن لم يكن كذلك، فهذا كفيل بجعل الناس جميعهم يلتزمون الأخلاق الحميدة... فيا ليتهم يقيسون القياس نفسه على الكمامة وعلى إجراءات الوقاية.