أيهما هو المطلوب في الأيام الصعبة؟ الصديق المتشائم الذي يجاري سوداويتك ويزيدها اسودادًا، أم الصديق المتفائل الذي يلوح لك بمستقبل مشرق وباقتراب الفرج؟
يقع الخيار البديهي على الصديق الثاني على اعتبار أنه قد يساعد على الخروج من حالة الإحباط والسوداوية. ولكن ماذا لو كان المطلوب هو الصديق الأول أو حتى لا هذا ولا ذاك، بل نوع ثالث من الأصدقاء؟ فلنأخذ الأوضاع التي يعيشها العالم حالياً من انتشار وباء في جميع أنحائه ترافقه أزمة اقتصادية طاحنة طردت الكثيرين من أعمالهم وأقفلت أبواب الرزق في وجوههم. هذا في البلدان المتقدمة، أما في الدول «الأقل تقدمًا» فقد كان الوضع مأزومًا بالأساس قبل أن يزيده وباء «كورونا» سوءًا، ليعيش العالم أجمع في قفص كبير، ذهبي أو فضي بالنسبة إلى بعضهم وخشبي أو «تنكي» بالنسبة إلى بعضهم الآخر، لكنه في النهاية يظل قفصًا. لا ينفع والحال هذه أن يأتيك شخص يقول لك «إن الأوضاع على ما يرام»، لأنها ليست كذلك، و«إنها قد تكون أسوأ مما هي عليه»، لأنك لا تريد أن تفكر بما هو أسوأ إذ تكتفي بدرجة السوء التي تعيشها. وقد ينصحك بـ«النظر إلى الجانب المشرق من الأمور» وهنا قد تصاب إما بالهلع وإما بالشعور بالذنب لأنك لا تستطيع أن ترى ما يراه من «إشراق في الأمور»، فتزداد مع الهلع اسودادًا على اسوداد أو تكبت مع الذنب مشاعرك الحقيقية لتستعير مشاعر إيجابية مزيفة ويتحول إحباطك إلى عوارض وأمراض بدنية. ولا ينفع كذلك أن يأتيك شخص آخر يقول لك أن تجهز نفسك لما هو أسوأ لأن الأمور ستتدهور بطريقة لم يسبق لها مثيل والأفظع أن تدهورها هذا قد خرج عن السيطرة.
أنت لا تحتاج إلى أن تزداد تشاؤمًا ومن المؤكد أنك لا تحتاج إلى أن تعرف هذه «المعلومة» القيمة، بما أن شيئًا لن يتغير سواء عرفت أم لم تعرف. وكل ما ستشعر به جراء هذه الأقوال هو تفاقم بالإحباط يضاف إليه شعور بالعجز التام.
ليس المطلوب في هذه اللحظات «تفاؤلاً ساذجًا» أو «تشاؤمًا ذكيًا» ولا حتى «تساؤلاً»، كل ما هو مطلوب اعتراف بسيط بمشاعر القلق والإحباط والخوف وبمشروعيتها. اعتراف بها لأنك إن أنكرتها ضربتك بقوة أكبر، واعتراف بمشروعيتها لأنها متعلقة بالطبيعة البشرية وليس بالفكر البشري، فلا تكون قابلة للنقاش. لا بأس أن نشعر بالقلق والإحباط والخوف، فهذا من أبسط حقوقنا وبالأخص في الأوضاع الحالية التي يمر بها العالم. وبعد أن نعطي أنفسنا الحق بأن تنتابنا هذه المشاعر، نصير قادرين على التعامل معها، ونسترجع القدرة على استثمار ما نستطيع من جوانب الحاضر القاتمة والتحضير لمستقبل قد لا يكون أفضل مع استمرار الأمل بما هو عكسه.