3 نوفمبر 2020

د. باسمة يونس تكتب: تجربة الوحش

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

د. باسمة يونس تكتب: تجربة الوحش

في عام 1939 قام عالم نفس يدعى الدكتور ويندل جونسون ومساعدته عالمة تدعى ماري تودور بإجراء تجربة على 22 طفلاً وطفلة من أيتام قدامى المحاربين في ولاية أيوا الأمريكية، ولم يتم إبلاغ إدارة الميتم حينها بالحقيقة كاملة وقيل لهم بأنهما جاءا لمعالجة الأطفال الذين يعانون مشكلات في النطق ويتلعثمون عند التحدث. وأخبراهم بأنهما سيعملان على تصحيح حالة التلعثم لدى الأطفال من خلال إخبارهم بأن كلامهم على ما يرام وسينظران إن كان هذا سيحدث تغييرًا. لكنهما لم يفصحا للإدارة عن التجربة المقابلة والتي سيتم من خلالها إبلاغ مجموعة من الأطفال الأسوياء والذين لا يعانون مشكلات عند التحدث بأنهم يتلعثمون وبحاجة للخضوع إلى علاج مكثف للتخلص من اللعثمة في الكلام.

وهكذا، أدخل العالمان جونسون وتودور هاتان المجموعتان في التجربة التي تضمنت اثنين وعشرين طفلاً من الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 15 عامًا، ولمدة ستة شهور متواصلة، لينتج عنها أمراً خطير جداً، تمثل في أن خمسة أطفال من بين ستة ممن كانوا لا يعانون أية مشكلات عند الكلام أصبحوا لا يعرفون التحدث بسلاسة وبدأوا يتلعثمون ويخطئون أثناء التحدث، بينما نجح الآخرون الذين كانوا يعانون مشكلات وخضعوا لملاحظات إيجابية وتحفيز في تخطي مشكلاتهم والتحدث بشكل سليم.

وأدرك الدكتور جونسون حينها خطورة ما ارتكبه، وبأنه تمكن من تدمير مهارات وقدرات المجموعة الثانية وحاول إعادة التجربة عليهم وقام بإعطائهم علاجاً إيجابياً، اتضح بأنه لم يكن مفيداً بعد أن فقد هؤلاء الأطفال ثقتهم بأنفسهم وأصيبوا بالإحباط وأصبحوا يعانون الاكتئاب والشعور بالنقص عدا عمن هربوا من الميتم وآخرين لم يعودوا قادرين على التحدث نهائياً. وقررت المؤسسة التي أجرت عليهم التجربة تعويضهم بعد أعوام طويلة وبعد أن كبروا على هذه الحال بمبلغ مالي وقدره 1.2 مليون دولار في سنة 2007، لكنه لم يكن ليعيد الزمن ولا يغير ما حدث، فقد تسببت لهم الصدمة بمشكلات مزمنة في النطق ولم يعودوا قادرين على العودة إلى طبيعتهم أبداً.

ورغم هول التجربة وخطورتها ونتائجها التي تخطت الحدود الأخلاقية ومارست على الأطفال ضغوطاً نفسية وعملت على تحطيم قدراتهم، فهي برهان قاطع على أن الأذية النفسية وتعريض الأطفال المستمر للتخويف وإقناعهم بأنهم فاشلون أو غير قادرين على النجاح، سوف يحطم قدراتهم الأساسية وسيكون له مردود سلبي خطير لن يدركه أحد إلا بعد أن يكبروا، متحولين إلى شخصيات هشة ومصابة بالإحباط والكآبة وفي منتهى السلبية لا يثقون بمن حولهم ولا يعرفون السعادة التي فقدوها بسبب هذه التجربة.
وبرهنت التجربة كذلك على أن تغيير الواقع ممكن، فالأطفال الذين كانوا يعانون مشكلات في الكلام تغلبوا على هذه المشكلات وخرجوا من التجربة بنفسية أفضل وقدرات جيدة، غيرت حياتهم وبدلتها إلى الأحسن، وهو ما أمكن القيام به من خلال الدعم النفسي والمعالجة الإيجابية بجرعات من التحفيز والتشجيع. ولا تزال هذه التجربة التي تسمى بتجربة الوحش واحدة من أسوأ التجارب في تاريخ البشرية لأنها عكست ما قد تتسبب به التجارب العلمية بالإنسان عند إخضاع أيتام لا حول لهم ولا قوة لهذه التجارب الوحشية.

 

مقالات ذات صلة