16 ديسمبر 2020

د. حسن مدن يكتب: الحذاء أو الملكة؟

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: الحذاء أو الملكة؟

ما الذي يجذب المقتدرين من أصحاب الملايين والمليارات لشراء الأشياء الأثرية، أو تلك المحملة بعبق التاريخ، وأن يدفعوا لقاء ذلك مبالغ طائلة، لا يقدر على دفعها طبعاً سواهم؟

ما الذي يجعل من سعر حذاء قديم يبلغ عشرات الآلاف من اليوروهات، أو من سعر إناء خزف صيني قديم يبلغ 4.1 مليون يورو؟

الأرجح أن القيمة لا تكمن في الشيء بحد ذاته، بقدر ما تعود إلى اسم الشخص الذي ارتبطه به، أو إلى الحقبة التاريخية التي يعود إليها، وليس بغريب أن نجد نظيراً لمثل هذه الأشياء في عالم اليوم قد تفوقها جودة وجمالاً، ولكنها مهما غلا سعرها قد لا تغلب السعر الذي تباع فيه تلك الأشياء «التذكارية» في المزادات العلنية.

هذا ما حدث مثلاً مع إناء خزف من الصين يعود تاريخه إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر، في عهد الإمبراطور تشيان لون، بيع في مزاد بالمبلغ الذي ذكرناه، أي 4.1 مليون يورو، في مدينة بورج في وسط فرنسا، بعدما عُثر عليه خلال توزيع تركة في شقة باريسية.
المدهش أن أصحاب الشقة التي وزعت تركتها مرّوا حسب «فرانس برس» مئات أو آلاف المرات أمام هذا الإناء الملون برسوم بالأزرق على خلفية بيضاء، دون أن تكون لديهم أدنى فكرة عن قيمته.

لكن ليست القطع الخزفية والذهبية والفضية وما إليها هي وحدها من يجذب اهتمام الشغوفين باقتناء التحف النادرة. ذلك أن حذاء لبسته امرأة دخلت التاريخ، جلب لباعته 40 ألف يورو، ولكي نعرف السرّ علينا معرفة اسم تلك المرأة التي سبق لها أن ارتدت الحذاء. إنها ماري إنطوانيت آخر ملكات فرنسا، التي أعدمت خلال الثورة الفرنسية.

ولأنه حذاء ملكة، فطبيعي أن يكون أنيقاً، قيل إنه أبيض اللون، يبلغ طوله 22,5 سنتيمتر، ما يوازي في العصر الحالي قياس 39، ويغطي الحرير ثلثه فيما الجزء الخلفي مصنوع من جلد الماعز، مع نعل جلدي وأربع شرائط مطوية متداخلة على الجانب.
ومما زاد في أهمية الحذاء الذي بيع في مزاد علني أجري في فرساي قرب باريس، أنه يحمل اسم ماري إنطوانيت على كعبه، ويقال إنها كانت ترتديه بانتظام خلال الحياة اليومية في القصر.

يبقى السؤال: أكان لهذا الحذاء أن ينال كل هذا الاهتمام لو لم يكن ممهوراً باسم صاحبته، أليس ما شدّ الأنظار نحوه هو اسم ماري إنطوانيت لا كمية الحرير في خامته، وما هو عليه من أناقة؟

 

مقالات ذات صلة