حتى الأمراء المشاهير يعانون مشكلات التوفيق بين الكنة والحماة. وها هو الأمير هاري، نجل ولي العهد البريطاني تشارلز، يحاول أن يتوصل إلى اتفاق جديد مع جدته الملكة إليزابيث الثانية بعد أن تباعدت السبل بينهما عقب اقترانه بالممثلة الأمريكية ميجان ماركل ومغادرته بريطانيا للعيش في كندا ثم الولايات المتحدة.
لا مكان لميجان في الجدار الملكي الثلاثي الصلب
عندما حزم هاري حقائبه وغادر مسقط رأسه مع زوجته ميجان، وصفت الصحافة ذلك الخروج بمصطلح «ميجسيت»، على غرار «بريكست» أي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كانت قضية كبرى رغم أنها شخصية وليست قومية، لا تتعلق سوى بالعائلة المالكة وبالعلاقات بين أفرادها. وقد دفعت خطوة هاري الكثيرين إلى مقارنة طباعه بطباع والدته الراحلة ديانا، الأميرة التي شكّل خروجها من العائلة وطلاقها من ولي العهد واحدة من أشد الصدمات بعد تنحي الملك إدوارد عن العرش. ودائماً، كان الحب وراء تلك الأزمات.
رسمياً، لن يغادر دوق ودوقة ساسيكس هاري وميجان العائلة المالكة إلا في الربيع المقبل. لكن يبدو أنهما يرغبان بتأجيل الموعد لسنة إضافية، وهي مهلة تتيح لهما مراجعة عدد من البنود التي يتضمنها اتفاق الانفصال عن قصر «بيكنجهام». والحقيقة أن سنة 2020 شهدت نوعاً من التباطؤ داخل العائلة. ففي بدايتها أعلن الأمير هاري وزوجته قرارهما بأخذ مسافة من العائلة واستعادة بعض الحرية خلاصاً من الضغط الذي لم تتعود عليه العروس الجديدة. وبعد التباحث مع الملكة وذوي الشأن، فإن الاستقلال عن العائلة المالكة سيبدأ رسمياً مع اليوم الأول من إبريل المقبل. لكن، وبخلاف كل التوقعات، كشفت صحيفة «الديلي ميل» اللندنية، أن الزوجين يودان تمديد ذلك التاريخ.
كيت في الصف الأول وميجان في الثاني
ما الشروط الجديدة التي يود الأمير هاري التفاوض بشأنها عبر تطبيق «زوم»؟
منذ إعلان رغبتهما بالخروج، تساءل ملايين البريطانيين:
كيف سيعيش الأمير وزوجته وطفله ومن أي مخصصات؟ هل سيواصل تلقيه حصته التي تأتي من جيوب دافعي الضرائب أم أنه سيضطر للعمل لكسب قوت يومه؟ لقد كان ضابطاً وقد ترك الجيش، فماذا يملك من مؤهلات لعمل جديد؟ وهل ستضطر زوجته للعودة إلى التمثيل لكي تعيل نفسها والأميرين زوجها وطفلها؟
كان واضحاً أن أموراً مالية تقف وراء الرغبة بتأجيل موعد الانفصال. فما هي الشروط الجديدة التي يود هاري التفاوض بشأنها؟ إنه يؤيد زوجته في قرار التخلي عن الواجبات البروتوكولية التي كانت تقيد حريتهما وتستنزف وقتيهما. لكن يبدو أن ميجان راجعت نفسها وهي تريد الحفاظ على بعض الامتيازات الملكية الخاصة برعايتها لعدد من المؤسسات. فمنذ انضمامها إلى العائلة المالكة البريطانية، ورثت ميجان عدداً من المسؤوليات والألقاب، منها أنها رئيسة نشاطات إنسانية وخيرية، ومنها ما يتعلق بتحسين ظروف النساء، أو رعاية الحيوانات المعرضة للانقراض، أو دعم التعليم الجامعي. أما هاري فكان رئيس الشرف لمنظمة غير حكومية تهتم بمحاربة الصيد العشوائي في غابات جنوب أفريقيا، كما كان راعياً لمسابقات «أنفيكتوس» الأولمبية الرياضية لذوي الاحتياجات الخاصة، منذ تأسيسها عام 2014.
للتوصل إلى هذا الهدف، ينوي هاري وميجان التباحث مع عدد من أفراد العائلة وذلك من خلال لقاء عبر شاشة من خلال تطبيق «زوم». ومن المؤمل أن يتم اللقاء في الشهر الجاري، حسبما أفادت به معلومات صحيفة «صن» البريطانية الشعبية. وسيدرس أفراد العائلة طلبات الأمير وزوجته للتأكد من أنها تخدم «قيم صاحبة الجلالة». وغني عن القول إن ميجان ستبذل كل ما في وسعها للحفاظ على جو من الود والتفاهم خلال الحوار، لاسيما وأن العلاقات بينها وبين القصر مرت بفترة جمود خلال الأشهر الماضية. وفي حال تم تخفيف ضغوط السفر القائمة حالياً بسبب جائحة «كورونا» فإن من المنتظر أن يطير هاري إلى لندن لإتمام الاتفاق المنتظر، قبل حلول الربيع.
وإلى جانب الإجراءات الرسمية، فإن هاري وميجان لن يقطعا العلاقات تماماً مع القصر. بل نشرت صحيفة «صن» رغبتهما في العودة إلى لندن للاحتفال بالعيد الخامس والتسعين لولادة الملكة إليزابيث، في أبريل، ثم العيد المئوي لولادة زوجها الأمير فيليب في يونيو. وهما لن يغيبا عن حفل رفع الستار عن تمثال للأميرة ديانا، والدة هاري، وذلك في الأول من يوليو المقبل بمناسبة مرور 60 عاماً على ولادتها.
هل أخطأت ميجان بدفع زوجها إلى الخروج من موطنه والتمرد على تقاليد عائلته؟
لقد سبق للعائلة أن تنازلت ووافقت على زواجه من ممثلة خلاسية أمريكية سبق لها الزواج والطلاق. فهل تحول حفيد الملكة إلى سلاح ضدها؟ الحقيقة أن تقاليد القصور، وبالذات العائلة المالكة في بريطانيا، تتضمن الكثير من الواجبات والتصرفات الجامدة التي يصعب على امرأة من خارجها التأقلم معها. ونظراً لأصولها الخلاسية غير البيضاء، فإن ميجان كانت تتحسس لنظرات التمييز التي قد تطالعها بها النخبة النبيلة. ثم أنها وجدت نفسها في مواجهة جدار صلب مؤلف من ثلاث نساء قويات: الملكة إليزابيث، و كاميلا زوجة ابنها وولي عرشها الأمير تشارلز، وكنتها كيت ميدلتون، زوجة الأمير وليام، ثلاثي تعاهد على التضامن في وجه محاولات الانشقاق. ولعل أبلغ صورة لذلك الجدار النسائي هي حضورهن سوية مرتديات السواد، للمشاركة في الاحتفال بما يسمى «يوم الذكرى»، وذلك في ضريح ضحايا الحرب العالمية الأولى من الجنود البريطانيين.
في تلك المناسبة، حرصت كيت ميدلتون على الظهور بتسريحة ترفع فيها شعرها إلى الخلف في «شينيون» متعدد الطبقات، على عادة سيدات طبقة النبلاء. وقد كان واضحاً التآلف بين الثلاثي رغم الحفاظ على مسافة من التباعد بينهن ووقوف الملكة في شرفة مجاورة مع مرافقتها سوزان رودس، التزاماً بتعليمات تفادي العدوى. وقد شاركت كل من كاميلا وكيت في غناء النشيد الوطني الذي تقول كلماته "حفظ الله الملكة". هل كان هناك موضع لميجان وسط هذا الجدار الأسود الصلب؟ فخلال ذلك اليوم نفسه، كان الأمير هاري وزوجته يحضران مراسم الاحتفال بذكرى ضحايا الحرب، ولكن على مبعدة آلاف الكيلومترات عن لندن، في المقبرة الوطنية في لوس أنجلوس. وقبل ذلك، كانا قد أوصيا بإرسال إكليل من الورد قيمته ألف باوند، ليوضع باسمهما على ضريح الضحايا في لندن. لكن طلبهما جوبه بالرفض من العائلة المالكة.
الملكة إليزابيث وكاميلا وكيت ميدلتون
وقد أبلغ القصر الأمير هاري بأنه لم يعد فرداً من العائلة ولهذا يتعذر على القصر وضع إكليل باسمه. لكن صحيفة «التايمز» أشارت إلى أن الملكة لم تأخذ علماً بالأمر، وهو ما نفته صحيفة «الديلي ميل» التي أكدت أن الملكة كانت تود أن يكمل حفيدها مسيرته في صفوف الجيش البريطاني، أما أن يفعل ما يشاء وقتما يشاء فهذا غير مقبول لأن للعائلة المالكة دستورها وهو لم يعد عضواً فيها.
اكتفى هاري وميجان بقطف أزهار من حديقتهما الخاصة لوضعها على ضريح جنديين، الأول من القوة الجوية الأسترالية والثاني من جنود المدفعية الكندية. وخلال الزيارة، كان هاري يتقلد ميدالياته العسكرية باعتباره خدم في الجيش البريطاني لعشر سنوات. وكان كتاب جديد صدر الصيف الماضي بعنوان «هاري وميجان إلى الحرية» للمؤلفين سكوبي ودوران، قد أشار إلى أن الأمير الأصهب شعر بالحزن الشديد لتخليه عن ألقابه العسكرية وهو أمر «كسره» نفسياً.
على الرغم من التباعد والخروج من العائلة المالكة، حافظ أفرادها على تقاليد عيد الميلاد وتبادلوا الهدايا فيما بينهم، ولو بالمراسلة. لقد فرضت عليهم الجائحة أن يحتفل هاري بالعيد مع عائلته بعيداً عن شقيقه الوحيد الأمير وليام وعائلته. وقد أمضى العيد في منزله الجديد في «مونتيشيتو» بولاية كاليفورنيا الأمريكية، بعيداً عن «باكينجهام» و«وندسور»، لكن أطفال الشقيقين تلقيا الهدايا من الطرفين. وهناك أنباء عن عودة الاتصالات بين هاري ووليام، عبر «زوم»، إضافة إلى أنباء عن رغبة ولي العهد الأمير تشارلز بالقيام برحلة إلى الولايات المتحدة مع زوجته كاميلا لزيارة ابنه هاري وعائلته. فهل يكون عام 2021 مناسبة لعودة المياه إلى مجاريها على الرغم من الخروج من كنف الجدار الصلب؟