ليس من الغريب أن يعجب رئيس فرنسي سابق بأميرة بريطانية جميلة ومحبوبة مثل ديانا. لكن ما الذي أحبته ديانا في جيسكار، الرجل السبعيني، آنذاك، الذي فقد شعر رأسه وانتفخت جفونه؟ خبراء الغرام يقولون إن للقلب في الهوى مذاهب. وبعد أن غادر كل منهما دنيانا، بقيت الحكاية تدور بين الناس مثل أسطورة لذيذة.
فما حقيقتها؟
لابد من الإقرار، في البداية، بأن الاثنين كانا من ذوي القلوب المرهفة والضعيفة أمام غوايات العواطف. فمن المعروف عن الرئيس الفرنسي الأسبق، فاليري جيسكار ديستان، أنه كان رجلاً يحب النساء. وهو قد رحل هذا الشهر بعد أن بلغ من العمر 94 عاماً وكانت آخر أخباره دعوى قضائية تقدمت بها ضده صحافية ألمانية تزعم أنه تحرش بها.. كيف وأين ولماذا؟ كانت مع فريق من الإعلاميين لإجراء مقابلة معه في مكتبه وقد انتهز فرصة التقاط صورة جماعية وأرخى يده على ظهرها. إنها حكاية يمر بها الفرنسيون مرور الكرام لا اللئام. وهم يعتبرونها محاولة للتكسب ولفت الانتباه ونوعاً من التجني على شيخ بلغ من العمر عتياً. لكن هؤلاء الفرنسيين أنفسهم لا يبرئون رئيسهم الراحل من قصص أخرى حقيقية كان جيسكار بطلاً لها، وهي غراميات لم يسلم منها رؤساء فرنسا جميعاً، ميتران وشيراك وساركوزي وهولاند. أما الرئيس الحالي ماكرون فإن إخلاصه لزوجته التي تكبره في السن كثيراً يستحق التقدير، وقد يثير التساؤلات.
الأميرة ديانا في زيارة لباريس عام 1992
ومثلما هفا قلب جيسكار للكثيرات، فإن قلب ديانا كان ضعيفاً أمام الرجال الذي أبدوا لها الحنان الذي افتقدته في حياتها الزوجية. وفي قائمة عشاقها نجد الطبيب والمرافق والسائس والمليونير. فهل مالت إلى جيسكار أيضاً، على الرغم من فارق السن بينهما؟ وأين نشأت قصة الحب وتطورت؟ أفي الواقع أم في المخيلات؟
"الأميرة والرئيس"
الوقائع تقول إن جيسكار نشر في عام 2009 رواية تحكي عن قصة حب قامت بين رئيس فرنسي وأميرة انجليزية تعاني من إهمال زوجها. واختار الرئيس السابق لروايته عنواناً لا يحتمل اللف والدوران، هو «الأميرة والرئيس». ومنذ نشرها لم تتوقف التكهنات. هل حاول العجوز «البصباص» غواية الأميرة التي كانت محط كل الأنظار وقد جمعت من الشهرة والشعبية ما لم يحصل لأميرة أوروبية من قبل؟
إنها الرواية الثانية للرئيس السابق الذي صار يتسلى بالكتابة بعد خروجه من القصر الرئاسي، وهي تتحدث عن رئيس فرنسي أرمل رشيق ومثقف وأنيق يدعى جاك هنري لامبيرتي وأميرة انجليزية شابة وجميلة اسمها باتريسيا أوف كارديف. وهما قد تعارفا في حفل العشاء الختامي لقمة الدول الصناعية السبع في قصر «باكنجهام». وحسب مقتضيات اللياقة الفرنسية قام الرئيس بتحية الأميرة بقبلة على ظاهر اليد. ثم تجولت بينهما النظرات التي تطورت إلى علاقة سرية، خصوصاً بعد أن باحت له بأحزانها لأن زوجها يهملها وينشغل بعشيقته.
غلاف كتاب«الأميرة والرئيس»
عند صدورها، قوبلت الرواية بسخرية النقاد، ولم تحقق النجاح المتوقع لها. فقد طبع منها الناشر 120 ألف نسخة ولم يُبع منها سوى 19 ألفاً. ونظراً لسمعة بطلي الرواية في الميدان العاطفي، فإن الآلاف من القراء والقارئات الذين سارعوا إلى اقتنائها، تساءلوا «من يقول إنها وقائع خيالية وليست حقيقية؟». ومما يرجح تلك التساؤلات موقع كل من البطلين. إذ ليس من المعقول أن يجازف كاتب في مكانة الرئيس جيسكار ورصانته الفكرية باختراع علاقة مع أميرة يعرفها القاصي والداني وقد انتهت حياتها بمأساة لا تسمح بالتعامل معها بخفة وخيال.
لقد حكم الرجل فرنسا لمدة 7 سنوات بين 1974 و1981 وترك الحكم ليصبح عضواً في المجلس الدستوري الأعلى، ثم جرى انتخابه عضواً في الأكاديمية الفرنسية، الصرح العريق المسمى «مجمع الخالدين».
بحسب ما هو مؤكد فإنه لم يلتق بديانا خلال ولايته الرئاسية بل بعد خروجه من الحكم. وقد تم اللقاء في عشاء خيري بمناسبة «الليلة العالمية الثانية للطفولة»، ودعي إليه الرئيس الفرنسي الأسبق. وهناك صورة شهيرة التقطت للاثنين في تلك الأمسية، تكشف عن سعادة جيسكار بالوجود بجانب ديانا التي كانت في أوج أنوثتها وشهرتها. وبمعزل عن كلام الروايات، تخبرنا الوقائع أن لقاء ديانا وجيسكار جرى في خريف 1994، قبل ثلاث سنوات من مصرعها في حادث سيارة في باريس مع صديقها المصري عماد الفايد، وقد تم اللقاء في باريس، وليس في لندن كما ورد في الرواية.
«العاشق اللاتيني»
كان من الطبيعي أن تترجم الرواية إلى اللغة الانجليزية. وحال نزولها إلى مكتبات بريطانيا صاح الإنجليز «مستحيل ولا يمكن... أمبوسيبل». بل مضى نقاد الأدب في لندن إلى حد السخرية من جيسكار ووصفه بذلك اللقب الشهير «العاشق اللاتيني» الذي لا يشق له غبار في ساحات الغرام والانتقام. ونظراً للضجة التي أثارتها الرواية اضطر جيسكار إلى أخذ الكلام للدفاع عن نفسه، وعن جموح خياله، وقال في تصريح لصحيفة «الفيجارو» الباريسية «إنها رواية تجعل من الأميرة ديانا شخصيتها الرئيسية. وقد حاولت أن أعيدها إلى الحياة كما بدت لي حين التقيتها». لكن الرئيس يعود للتأكيد أنه «عرف ديانا قليلاً وفي جو من علاقة ثقة». كما يؤكد أن ديانا هي التي أقنعته بكتابة رواية حول علاقة حب مسؤول كبير في دولته وشخصية شهيرة في بلدها، وهي التي أوحت إليه ببعض أفكار الرواية، قبل رحيلها.
لم يكن جيسكار وسيماً لكنه كان رياضياً جذاباً واسع الاطلاع ويجيد لفت اهتمام النساء. وهناك حقيقة مؤكدة هي أن أصحاب السلطة يتمتعون بجاذبية استثنائية في أعين النساء. وهذا هو ما جعل حسناء إيطالية مثل كارلا بروني تحب الرئيس ساركوزي وترتبط به. وفيما يخص فاليري جيسكار ديستان فإنه كان يؤمن بقدرات النساء وقد قدّم لهن خدمات كثيرة خلال فترة رئاسته لفرنسا. وهو الذي أسس وزارة لحقوق المرأة وأسندها للصحافية فرانسواز جيرو. كما خالف توجهات حزبه اليميني ووقف وراء وزيرة الصحة سيمون فاي لكي يسمح بقانون يبيح الإجهاض في إطار معين. وعلى الصعيد الخاص كان أول رئيس يجلس بجانب زوجته وهو يوجه التحية لمواطنيه ومواطناته بمناسبة رأس السنة الميلادية. وكان يعطي الكلام لزوجته السيدة آن إيمون لكي تهنئ الفرنسيات والفرنسيين بالعيد.
ورغم مغامراته الكثيرة ظل شديد الاحترام لها. لم يتأخر عن الإقرار بفضلها عليه ووقوفها إلى جواره في كل مراحل صعوده. وقد ساهم في توطيد علاقتهما المأساة التي أصابتهما بوفاة ابنتهما الشابة.
الرئيس الراحل جيسكار مع زوجته
لم يتورع جيسكار عن النزول إلى الملاعب لممارسة كرة القدم. فهو كان أصغر الرؤساء سناً في تاريخ فرنسا. وبسبب تحرره من القيود البروتوكولية فإن الصحافة في باريس أطلقت عليه لقب: «كنيدي الفرنسي»، تشبيهاً له بالرئيس الأمريكي الجذاب الذي كانت له مغامرات نسائية لكنه ظل ملتصقاً بزوجته. وقد ربطت الشائعات بين جيسكار وبين الممثلتين ماري لافوريه ومارلين جوبير، وهي لم تكن مجرد تقولات بل علاقات تتستر عليها أوساط «الأليزيه». وقد انكشفت إحدى تلك الحكايات حين تعرض الرئيس لحادث سيارة بينما كان عائداً إلى القصر في ساعات الفجر من لقاء مع عشيقة له. هل تكون تلك «الحيوية» والسمعة السابقة هي ما دفع ديانا إلى التبسط معه وتقبل مغازلاته التي لا شكّ فيها؟
لا أحد سيعرف الحقيقة ما دامت الأميرة المتمردة قضت في سيارة والرئيس المتمرد الذي فارق الحياة في الثاني من الشهر الحالي متأثراً بـ «كورونا». لكن الرواية ستبقى تحرك المخيلات الباحثة عما يلهيها عن قتامة الشتاء وقلق الفيروس.