فريق العمليات في المحطة الأرضية
«إن رحلات الفضاء يفخر بها كل إنسان على وجه الأرض، لأنها تجسد الإيمان بالله وقدرته، ونحن نشعر كوننا عرباً بأن لنا دوراً عظيماً في هذا المشروع وفي هذه الأبحاث، وفخورون بالتقدم الهائل في علوم الفضاء، بفضل القواعد التي أرساها العلماء العرب منذ مئات السنين، ونأمل أن يعم السلام ويدرك البشر الأخطار، التي تهددهم بسبب التأخر»… مقولة الوالد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، في مطلع سبعينيات القرن الماضي، جسدت شغفه بعلوم الفضاء، واستلهمت منها القيادة الرشيدة للدولة توجهها لاستكشاف المريخ، مستبشرة بعبارة «لا شيء مستحيل» التي حفزت شباباً إماراتياً لخوض مهمة «مسبار الأمل»، ملهمين بذلك مئات الشباب لاستكمال مهمة حملت عبارة «قوة الأمل تختصر المسافة بين الأرض والسماء».
فكيف غيرت مهمة «مسبار الأمل» مسار العلم والتعلم في دولة الإمارات؟ وما التحديات التي واجهت فريق عمل المسبار في مهمتهم الأولى نحو استكشاف المريخ؟
فريق العمليات
لقد اجتزنا مهمة شبه مستحيلة في ظل ظروف صعبة وغير مسبوقة في العالم لم تشهد لها البشرية سابقةً طوال تاريخها الحديث
من جهته أوضح المهندس عمران شرف، مدير مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، أن هنالك العديد من القصص الملهمة خلال مهمة إنجاز مسبار الأمل، بداية من نقل المسبار إلى محطة الإطلاق في اليابان، «لقد اجتزنا مهمة شبه مستحيلة في ظل ظروف صعبة وغير مسبوقة في العالم لم تشهد لها البشرية سابقةً طوال تاريخها الحديث، وما ترتب عليها من تحديات فنية ولوجستية، تمثلت في إغلاق المطارات والموانئ حول العالم، ووضع قيود صارمة على التنقل بين الدول ضمن الإجراءات الاحترازية لمكافحة تفشي الفيروس، وكان على فريق العمل أن يضع خططاً بديلة لنقل المسبار في الموعد في ضوء هذا التحدي المستجد، حتى يكون جاهزاً للإطلاق في التوقيت المحدد سلفاً في منتصف يوليو 2020، ومع وضع خطة محكمة راعت كل التدابير الاحترازية في نقل المسبار إلى محطة تناغاشيما اليابانية، نجحنا في إتمام عملية نقل المسبار إلى اليابان حسب الجدول الزمني المقرر، في رحلة استغرقت أكثر من 83 ساعة براً وجواً وبحراً، ومرت بثلاث مراحل رئيسية، روعي خلالها اتخاذ تدابير وإجراءات لوجستية محكمة، لضمان إيصال المسبار إلى وجهته النهائية قبل الإطلاق في وضعية مثالية».
نموذج محاكٍ لـ«مسبار الأمل»
السر في نجاح المهام السابقة التي ساقتنا بالتدريج لمهمة استكشاف كوكب المريخ، هو التخطيط المسبق، والسير بخطوات مدروسة
من جهته يشير إبراهيم عبدالله المدفع، مهندس نظام التحكم وقائد فريق أنظمة التحكم، إلى المكاسب التي حققها الشباب الإماراتي منذ انطلاق مهمة مسبار الأمل «لقد أثبتت الكوادر الوطنية الشابة للعالم، أن أبناء وبنات دولة الإمارات لا يعرفون المستحيل، بل استمروا في تطوير أنفسهم خلال فترة إنجاز المهمة، فلك أن تتخيل حجم تبادل الخبرة العلمية، بداية من التصميم والتجهيز ونقل المسبار إلى اليابان، ثم إطلاقه بنجاح والتحكم في مسار الرحلة عبر إجراء مناورات توجيه المسار بكفاءة، فقد خلقت هذه المهمة أملاً كبيراً يتجدد مع إتمام مرحلة والانتقال للمرحلة التالية. ومن هنا أقدم نصيحتي لشباب الإمارات وهي التخطيط، إذ إن السر في نجاح المهام السابقة التي ساقتنا بالتدريج لمهمة استكشاف كوكب المريخ، هو التخطيط المسبق، والسير بخطوات مدروسة، فلا يمكن خوض مهمة ينظر إليها الملايين بأنها مستحيلة، وفشلت بها دول عديدة سابقة، إلا بالتخطيط والدراسة والبحث المستمر».
المهندسة حصة المطروشي
واصلنا الليل بالنهار لإنجاز هذه المهمة الوطنية التاريخية خلال المدة الزمنية التي حددتها القيادة الرشيدة وهي 6 سنوات
كما لفتت المهندسة حصة المطروشي، نائب مدير المشروع لشؤون العمليات، في بداية حديثها إلى أن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل» أصبح محط آمال مئات الملايين من 56 دولة عربية وإسلامية، لإحداث حراك شامل في مختلف قطاعات صناعة واستكشاف الفضاء في العالم العربي «يعلق المجتمع العلمي العربي والعلماء والجامعات والمراكز العلمية والأكاديمية والبحثية حول العالم آمالاً كبيرة على مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، لأن مسبار الأمل سيكون نافذة علمية مفتوحة للعالم على معلومات علمية حيوية غير مسبوقة عن الغلاف الجوي لكوكب المريخ، وهذا هو الهدف من وراء هذه المهمة، فقد تجاوزنا تحديات كبيرة، إذ واصلنا الليل بالنهار لإنجاز هذه المهمة الوطنية التاريخية خلال المدة الزمنية التي حددتها القيادة الرشيدة وهي 6 سنوات، حتى يتزامن وصول المسبار مع احتفالات الدولة بيومها الوطني الخمسين، في حين أن المهام الفضائية المثيلة يستغرق تنفيذها ما بين 10 إلى 12 عاماً، وكان هذا تحدياً كبيراً لفريق العمل حولوه بفضل الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة إلى حافز إضافي يدفعهم لبذل المزيد من الجهد».
المهندس خالد محمد بدري
فتحت مهمة مسبار الأمل آفاقاً كثيرة أمام الشباب الإماراتي للدراسة في مجالات علمية وهندسية وتكنولوجية عديدة
أما خالد محمد بدري، مهندس أجهزة علمية – المقياس الطيفي للأشعة تحت الحمراء، فقد تحدث عن طبيعة الحياة التي يعيشها فريق مسبار الأمل «نعمل من أجل تكوين فهم أفضل حول الغلاف الجوي للكوكب الأحمر ومكوناته وفصوله، إضافة إلى تتبع سلوكيات ومسار خروج ذرات الهيدروجين والأوكسجين، والتي تشكل الوحدات الأساسية لتشكيل جزئيات الماء الذي هو أساس مقومات وجود الحياة على أي كوكب، وهذه الأمور تستوجب دراسة مستمرة، وتطويراً للذات في مختلف العلوم، ومواكبة كل جديد في علم متجدد ومتطور، فقد فتحت مهمة مسبار الأمل آفاقاً كثيرة أمام الشباب الإماراتي للدراسة في مجالات علمية وهندسية وتكنولوجية عديدة، خاصة وأنه منذ اليوم الأول للمشروع كان توجيه القيادة واضحاً، وهو أن يتم تطوير المسبار وعدم شرائه جاهزاً، الأمر الذي ساعد على بناء قدرات الكوادر الوطنية العاملة في المشروع عبر البرنامج الذي يدمج بين الخبرة المكتسبة من قبل مهندسين عملوا منذ عام 2006 في تطوير أقمار اصطناعية وبين نقل معرفة وخبرة إلى الباحثين والمهندسين الإماراتيين، بالتعاون مع شركاء معرفة دوليين، وهذا الأمر يستلزم من المرونة والتأقلم في ظروف مختلفة، والتعلم المستمر من دون توقف».
نورة سعيد المهيري، محلل بيانات علمية
ما يميز مسبار الأمل، هو قربه من خط الاستواء للكوكب الأحمر، مما يعني أنه سيكون في أقرب نقطة من الكوكب على بعد 20,000 كم وأبعد نقطة على بعد 43,000 كم، من أجل التقاط التضاريس الكاملة للمريخ
أشارت نورة سعيد المهيري، محلل بيانات علمية، إلى أهمية البحث في تخصصها العلمي «في البداية أريد أن أتحدث عما يميز مسبار الأمل عن المهام الفضائية السابقة التي قامت بدارسة مناخ المريخ، هو مداره العلمي الفريد، فهو قريب جداً من خط الاستواء للكوكب الأحمر، مما يعني أنه سيكون في أقرب نقطة من الكوكب على بعد 20,000 كم وأبعد نقطة على بعد 43,000 كم، من أجل التقاط التضاريس الكاملة للمريخ، والعمل على هذه البيانات لم يكن كافياً لها ما درسته في تخصصي الدراسي حول علوم البيئة والاستدامة بجامعة زايد، الخطوة الأولى التي أهلتني للعمل في مهمة مسبار الأمل، التي تعلمت منها إمكانية الخوض في تخصصات لم أكن على دراية بها، خاصة وأنه من ضمن مهام جهاز كاميرا الاستكشاف الرقمية هي دراسة الطبقة السفلى من الغلاف الجوي للكوكب الأحمر بشكل مرئي، والتقاط صور عالية الدقة للمريخ، وقياس العمق البصري للماء المتجمد في الغلاف الجوي، وقياس مدى وفرة الأوزون، وتقديم صور مرئية للمريخ ملتقطة عبر الغلاف الجوي، وهذه المهام تثبت حاجتها لتخصصات مختلفة وعديدة، وأنها ستتسع لطموحات وجهود مئات الشباب الإماراتي».
* تصوير: يوسف الأمير