24 فبراير 2021

د. حسن مدن يكتب: مهارات فقدناها

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: مهارات فقدناها
اليوتيوبر مولي بورك مع كلبها

صحيح أن الظروف التي فرضتها جائحة «كورونا» على البشر قد أكسبتهم مهارات، فرضتها مقتضيات التكيّف مع إيقاع الحياة الجديد، حيث المكوث الطويل في البيوت، والتباعد الاجتماعي بكافة تجلياته، وليس فقط في المسافات الفاصلة بين شخص وآخر.
ولن ندخل في تفاصيل تلك المهارات، التي قد يتحول بعضها إلى نمط عيش وعمل، حتى لو تمكّن العالم من احتواء الجائحة، وعادت الحياة إلى سابق عهدها، فإنها ستعود وقد اكتسبنا جديداً لم نكن نعرفه قبل الجائحة، أو على الأقل لم نكن نعرفه بالصورة الواسعة التي عهدناها بعد تفشي الوباء.

بالمقابل، فإننا خسرنا مهارات وعادات، قد تكون استعادتها يسيرة في بعض الحالات، ولكنها قد تكون صعبة جداً في حالات أخرى. ولنسق أمثلة بسيطة، فحسب بعض وسائل الإعلام فإن أخطاء الطياريين كثرت في الآونة الأخيرة، بعد انقطاع الكثير منهم عن قيادة الرحلات الجوية بسبب ما أحاق بحركة السفر والطيران من تراجع، ففقد البعض منهم اللياقة التي كانت تشحذها قيادة الطائرات في المرحلة السابقة.

لا يتوقف الأمر على البشر وحدهم. وحول هذا تحدثنا فتاة كندية ضريرة اسمها مولي بورك، في العشرينات من عمرها، اشتهرت لإدارتها لقناة «يوتيوب»، يتابعها أكثر من مليوني شخص، كرّستها للدفاع عن حقوق المكفوفين، وتحفيز هممهم، وتشجيعهم على مواجهة التحديات، من واقع تجربتها الشخصية كفتاة فقدت بصرها تدريجياً، فهي لم تولد ضريرة، وبعزمها وتصميمها أضحت نموذجاً ملهماً.

تحدثت الفتاة عما أحدثته ظروف جائحة «كورونا» من تغييرات على كلبها، وهو من فصيلة كلاب يجري تدريبها في معاهد خاصة كي تصبح مرشدة لذوي الهمم، حتى أنها تسمى «كلاب الإرشاد»، لأنها تقوم بمصاحبة ذوي الحاجات الخاصة بمن فيهم فاقدي البصر أو السمع، وبالنظر لطبيعة المهمة التي تؤديها هذه الكلاب، يسمح لأصحابها أن يرتادوا معها المطاعم والمتاجر والفنادق.. الخ.

بسبب ظروف «كورونا» تقلصت أو توقفت مشاوير الفتاة إلى الجهات المختلفة، وأصبحت ملازمة لبيتها، وبات خروجها رفقة كلبها محصوراً في الوقت المخصص لقضاء حاجته في الشارع، وبعد حين لاحظت أن الكلب فقد مهاراته التي جرى تدريبها عليه في لفت نظرها إلى ازدحام حركة المرور، أو وجود حفرة في الطريق أمامها لتتحاشاها، أو تنبيهها إلى أن عليها صعود درجات أو سلالم.. الخ، وتدريجياً تخلى الكلب عن انضباطه وأصبح يتصرف كأي كلب آخر.

كل الكائنات، ونحن ضمنها، تفقد لياقتها حين تكفّ عن ممارسة ما اعتادته، وستأتي لحظة جرد حساب لما أفقدتنا إياه «كورونا» من مهارات، وما خسرناه، بسببها، من لياقات.

 

مقالات ذات صلة