ربما دفعتها الظروف إلى اختيار طريق لم يلقَ استحسان البعض ممن يروا أن أعمال الخير يجب تسخيرها لمساعدة من يستحق من البشر، ورغم أن ما تفعله أبعدها عن ممارسة حياتها بشكل طبيعي إلا أنها اكتسبت من خلاله رضاها عن ذاتها، إذ دفعتها الظروف الصعبة التي عاشتها في أن تهب نفسها لخدمة الحيوانات المشردة، لتأوي في بيتها أكثر من 500 قطة وكلب، مؤمنة بأن ما تفعله ربما يكون طريقها إلى السعادة الداخلية ونيل رضا الله تعالى.
هي العمانية مريم محمد البلوشي، الخمسينية التي تهوى تربية الحيوانات في منزلها، التقيناها لنتعرف إلى سر ارتباطها بها والتحديات التي تواجهها في عملها الخيري.
ينظر الناس لأهمية توجيه الخير للأعمال الإنسانية، خاصة وأن هناك من يحتاجون للدعم في كل مكان، إلا أنك فضلت تخصيص وقتك وجهدك لمساعدة الحيوانات، فما تعليقك؟
أبواب الخير كثيرة واختيار أحدها لا يقل أهمية عن غيرها، فالرفق بالحيوان قد يكون سبيل الإنسان إلى نيل رضا الله تعالى، فنسبة 99% من أموال المنظمات والجمعيات الخيرية موجهة للجنس البشري، وكثير من الناس أصحاب القلوب الرحيمة يقومون بالسد في هذا الجانب، ولكن قليلاً منا من يختار طريقاً آخر يكون سبيله للعطاء.
ما نوعية الحيوانات التي تتولين رعايتها، وكم عددها؟
لدي أكثر من 500 حيوان أليف، 480 قطة و 22 كلباً، أعيش معها تحت سقف بيت واحد أقدم لها الرعاية والاهتمام، فالحيوانات الأليفة خاصة القطط والكلاب تتميز بالوفاء، فكم من حالات نفقت بعد رحيل أصحابها، وأخرى دافعت باستماتة عن رفيق دربها إذا ما استشعرت خطراً يلاحقه، وغيرها الكثير من المواقف التي تثبت أن تلك الحيوانات تستحق اهتمام البشر وأن يكونوا أكثر وداً لها.
هل تخصصين مكاناً لرعاية الحيوانات، وهل يوجد من يدعمك في الإنفاق عليها أم تتولين مسؤوليتها بمفردك؟
لدي بيت مكون من طابقين في العاصمة مسقط، الطابق الأرضي هو مأوى تلك الحيوانات التي تشاركني كل تفاصيل حياتي، والثاني لي، والحقيقة أنه لا يوجد من يدعمني باستمرار ولكن هناك بعض المساعدات من المقربين والأصدقاء الذين تعرفوا إلي من خلال حساباتي الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، غير ذلك أنا من يتولى الإنفاق على تلك الحيوانات، ولو توافر لدي المال الكافي فسأقوم بتأسيس منظمة لحماية الحيوانات.
هل لديك مساعدين تعتمدين عليهم، أم تتولين رعايتها بنفسك؟
معظم العمل أقوم به بمفردي وتساعدني عاملتان خصصتهما لرعاية الحيوانات بالمنزل، فالأمر بكل تأكيد مرهق ومجهد ويحتاج إلى أكثر من يد كي تساعد، ولكن الأهم من ذلك أن يكون عن حب واستشعار حاجة الحيوان للإنسان ودعمه له.
ما الذي تشعرين به عندما تجلسين وسط هذا العدد الكبير، وهل تجدين في مجالستها ما لم تجديه مع البشر؟
حين أجلس معها أستشعر صدق مشاعرها إذ تغمرني سعادة كبيرة ربما لم أجدها في مجالسة البشر، الذين قد يظهرون لك شيئاً ويخفون آخر داخلهم، أما تلك الكائنات الرقيقة فقد خلقها الله تعالى على فطرتها، لا يوجد لديها متطلبات سوى أن تلقى الرعاية والاهتمام.
دخل علي ابني ذات يوم يحمل قطة صغيرة وطلب مني رعايتها ومنذ تلك اللحظة تغيرت حياتي
نشأت يتيمة وكان حلمك إنشاء ملجأ للأيتام، لماذا لم تسعي لتحقيق هذا الهدف؟
تذوقت مرارة الحرمان من وجود الأب الذي يعد السند والقوة في حياة كل واحد فينا، وكان حلمي منذ الطفولة إنشاء ملجأ للأيتام، ولكن بفضل الله تعالى لا يوجد بدول الخليج العربي أيتام يجوبون الشوارع بحثاً عن ملاذ يأويهم، ولذلك قررت أن أخدم كائنات أخرى تقاسمنا الحياة وتبحث عن المأوى والمأكل والمشرب.
مررت بحالة اكتئاب وكانت رعاية الحيوانات ملاذك للخروج من هذه الحالة، فما الظروف التي مررت بها ووصلت بك إلى هذا؟
حياتي بالمجمل لم تكن سهلة فبين مطرقة اليتم وسندان الفقر عشت وترعرعت، مروراً بزواج لم أوفق فيه، وغيرها الكثير من التحديات والصعوبات التي واجهتها بحياتي، كل ذلك أدخلني في حالة من الحزن المظلم الذي أشبهه بقاع البئر حيث أرى الضوء بعيداً أسمع أصوات الناس ولكنني لا أقدر أن أتواصل معهم، لتأتي بارقة الأمل التي أخرجتني من هذه الحالة، إذ دخل علي ابني ذات يوم يحمل قطة صغيرة وطلب مني رعايتها ومنذ تلك اللحظة تغيرت حياتي وكأن الروح دبت فيّ من جديد.
ما الذي تأملينه لهذه الحيوانات؟
أتمنى من كل فرد قبل أن يتبنى حيواناً لابنه أو ابنته أن تكون العائلة مدركة أن بعد التبني هناك تحمل مسؤولية، وألا يقتصر الأمر على تلبية رغبة أبنائهم الذين قد يملون من الاهتمام بها، فالوالدين هما من يجب أن تكون لديهما قناعة التبني فهما من يتحملان مصاريفها وعلاجها وإطعامها.