16 أغسطس 2021

د. باسمة يونس تكتب: الإخفاء شعار الخصوصية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتبـ: الإخفاء شعار الخصوصية

يقولون بأن ما لا تعرفه قد لا يؤذيك، ولكن، ماذا لو أن ما لا تعرفه سببه رغبة شريكك في إبقائه مخفياً عنك؟

كانت ملاحظة آشلي أن شريكها يعاني فقدان الذاكرة عندما يتعلق الأمر بتذكر مكان الاحتفاظ بالأدوات المنزلية مزعجة في البداية، فهو إن احتاج إلى ضمادة، على سبيل المثال، يسألها بشكل متكرر عن مكان وجودها وترد عليه آشلي في كل مرة بأنها في الصندوق في الحمام حيث تكون دائماً!

ومع أن البعض يرى هذه السمة مزعجة لأنهم لا يحبون تكرار الأسئلة ويظنون بأنها مجرد حالة إهمال من الشخص الذي ينسى دائماً، لكن آشلي أدركت وجود فرصة في هذا الأمر، فشريكها الذي لا يتذكر أين توجد الأشياء سمح لها بإنشاء مخابئ سرية للأشياء التي تريد الاحتفاظ بها لنفسها مثل الصور القديمة مع أصدقاء لم تخبره عنهم وبعض المشتريات التي ترغب في إبقائها سرية وغيرها من الوجبات السريعة وقطع الحلوى، وهي تؤمن بأن بعض الأزواج بحاجة إلى أماكن سرية لإخفاء ما يشعرون بأنه يخصهم وحدهم فقط، رغم أن الأغلبية ينظرون إلى العلاقة الزوجية على أنها علاقة شفافة ويجب أن تخلو من الأسرار مهما كانت ضئيلة أو بلا قيمة.

وهكذا أصبح لآشلي الكثير من الأماكن التي تستطيع أن تخبئ فيها الأشياء في منزلها مثل الكتب أو خلف اللوحات الفنية كما يفعل العديد من الأشخاص الذين يحاولون إخفاء آثار علاقاتهم السابقة بدلاً من التخلص منها لأنهم لا يريدون فقدان جزء من ماضيهم وفي الوقت نفسه يحاولون إبعادها عن عيون الشريك الحالي تجنباً للمشكلات وإثارة النزاعات لا غير.

لكن الأمر المزعج أن يكون هناك في مكان ما في المنزل الذي تعيش فيه أماكن سرية يخفي فيها الشريك أغراضاً لا يريد أن تراها، حتى لو كانت أغراضاً تافهة أو بلا قيمة لكن مجرد فكرة الإخفاء هي التي تثير الانزعاج على الرغم من أن الحاجة إلى إخفاء شيء ما تكاد تكون عالمية برأي الدكتورة كوهين صاحبة كتاب «أسرار العائلة»، لكنها تثير القلق لمجرد الشعور بأن هناك أسراراً مدفونة في مكان ما في منزل يعيش فيه شخصان لا يمكنهما التشارك بها أو حتى معرفة وجودها، وتزداد خطورة الإخفاء عند اكتشاف الشريك وجودها والحرج الذي سيصيب من إخفاها وصعوبة محاولة تبرير السبب كما حدث مع «ليلى» التي اكتشفت صوراً مخبأة في خزانة زوجها فمزقتها ولم تخبره شيئاً، ولم يقل هو بدوره أي شيء لكنهما انفصلا بعد فترة وجيزة ولم يكملا حياتهما سوياً!

وتصف المؤلفة إعلاناً صادفته من العصر الفيكتوري للمكاتب والطاولات التي تؤمن لأصحابها أدراجاً مخفية ومقفلة، في محاولة للحفاظ على الخصوصية الفردية، فقد فطن صناع الأثاث منذ زمن بعيد لرغبة الناس في الإخفاء فصنعوا لأجلهم ما يسهل عليهم هذه العملية ويوفر عليهم عناء التفكير في أماكن أخرى. والدكتورة كوهين المؤلفة نفسها تقول بأنها كانت تتعمد حفظ صور أصدقائها السابقين وبعض الحلي الصغيرة والرسائل في خزانة داخل غرفة نومها عندما كانت تعيش بمفردها لكنها وبعد ارتباطها بشريك حرصت على إبعاد هذا الصندوق وإخفائه عنه.