في حوارنا مع دانا عمرو، مسؤولة البرامج في «دبي العطاء»، نرصد ملامح الانقلاب في مجال التعليم الذي تزامن مع جائحة «كوفيد- 19» وتأثير الحروب والنزاعات المسلحة ، حيث يبلور السؤال البديهي واقع الفتيات التعليمي، مع انقطاع 130 مليون فتاة عن الدراسة، رغم جهود تدعيم حضور المرأة في مجال التعليم ونهضة المؤسسات التعليمية.
لماذا لم يزل هناك 130 مليون فتاة لم يزلن منقطعات عن الدراسة رغم كل الجهود القائمة؟
هناك عدة عوامل تعمل على حرمان الفتيات من استكمال عملية التعليم، وأهمها الزواج المبكر والحمل، انعدام التحصيل في المدرسة، وعدم الاهتمام بالاستمرار في المدرسة.
وفي بعض البلدان وخصوصاً في منطقتنا العربية، فإن الأعراف الاجتماعية والأدوار النمطية للجنسين تؤثر في قدرة الفتيات للاستمرار في الدراسة.
تقوم مؤسسات الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك الحكومات باستثمار الكثير من الجهود والمصادر لمحاربة تسرب الفتيات من المدرسة.
لا شك أنها جهود ستعطي نتائج إيجابية وإن على المدى الطويل، رغم أن انتشار الحروب والكوارث الطبيعية والأوبئة عوامل تمنع الفتيات من استكمال مسيرتهن التعليمية، مع استمرار هذه الأزمات.
يجب أن يكون هناك تركيز أساسي على وضع الخطط والاستراتيجيات لتشجيع عودة الفتيات إلى العملية التعليمية
في هذا الصدد، ما السياسات التي تراهنون على اتباعها وما أفضل الممارسات للتغيير في النظرة المجتمعية تجاه تعليم المرأة؟
على الرغم من كل المكاسب التي تحققها الدراسة والتعليم للفتيات والنساء، إلا أن هذه الفئة كانت الأكثر تأثراً بالجائحة.
فقبل إغلاق المدارس بسبب جائحة «كورونا»، بقيت الفتيات في المدارس لفترة أطول، وكن يتلقين التعليم أكثر من أي وقت آخر. وكان حرمان الفتيات من الالتحاق بالمدارس والقائم منذ زمن طويل آخذاً في التراجع. وفي بعض الحالات، وحسب إحصائيات البنك الدولي، كانت هناك فجوة عكسية في بعض مناطق العالم، إذ تتفوق الفتيات على الأولاد في كل من معدلات الالتحاق بالمدارس ونواتج التعلم، مما يمثل تحسناً في تعلم الإناث.
فيروس «كورونا» قد يؤدي إلى وقف هذا التقدم بصفة مؤقتة وقد يؤدي إغلاق المدارس بسبب الجائحة إلى إبطاء وتيرة هذه المكاسب أو فقدانها.
وتشير توقعات منظمة اليونسكو إلى أن 11 مليون فتاة قد لا يعدن إلى الدراسة على الإطلاق بعد انتهاء الجائحة. وترتفع هذه الإحصائية إلى 20 مليون فتاة في دراسات أخرى.
لذلك، يجب أن يكون هناك تركيز أساسي على وضع الخطط والاستراتيجيات لتشجيع عودة الفتيات إلى العملية التعليمية، والأهم هو العمل على تنفيذ الخطط وتمويلها ووضع أدوات المتابعة والتقييم المناسبة للتأكد من وجود تغذية راجعة تعمل على صقل هذه الاستراتيجيات، بما يضمن كفاءة تنفيذها.
في حوار مع بعض الفتيات
ألا تشعرين أن المهمة صعبة، في ظل المفاهيم التي أرستها الحروب والأفكار «المتزمتة» إلى حد ما؟
لا شك أن المهمة صعبة للغاية، وخصوصاً بعد التأثير السلبي للجائحة على العملية التعليمية، وبالنظر إلى أن مشكلة تعليم الفتيات هي قضية متشعبة وتدخل فيها عدة عوامل اقتصادية واجتماعية لكن المهمة ليست مستحيلة، جميع الدراسات والأبحاث التي تقوم بها مؤسسات الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمعاهد تؤكد أهمية ونجاعة الاستثمار بتعليم الفتيات والفائدة الاقتصادية الكبيرة على المجتمع بكامله.
إن العمل على تغيير النظرة الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تؤثر بصورة سلبية في فرص الفتيات في التعليم يعد من أصعب المحاور التي يمكن إحداث تغيير فيها.
بناء مدرسة جديدة عند عدم توفر عدد كاف من المدارس يعد أمراً سهلاً ومباشراً، بينما تكمن الصعوبة والتعقيد في تغيير وجهة نظر أب أو أخ أو مجتمع بكامله لا يؤمن بأهمية ونجاعة تعليم فتياته. ولذلك، تعمل دبي العطاء وغيرها من المؤسسات التعليمية على تغيير هذه الأنماط والمفاهيم المجتمعية من خلال تدريبات وحلقات مناقشة وحملات توعوية تستهدف المجتمع بشكل مباشر لتغيير وجهة النظر السائدة وإظهار نماذج إيجابية من المجتمع ذاته لفتيات أثبتن قدراتهن من خلال التعليم.
كيف تلمستم أثر غياب التعليم في حياة النساء اللواتي لم تتح لهن فرص التعليم، والآثار المرتبطة بتحقيق هذا الهدف؟
هناك دراسة مهمة قامت بها مؤسسة Plan International، إحدى المؤسسات الشريكة لدبي العطاء حيث قمنا بتمويل برامج تعليم الفتيات معها في عدة دول منها موزمبيق وجنوب السودان والفلبين وأوغندا، هذه الدراسة تشير إلى أن الاستثمار بتعليم الفتيات يحقق عائداً بما يزيد على 280 بالمئة، أي أن استثمار دولار أمريكي واحد في تعليم فتاة، سيعود على الاقتصاد ب 2.8 دولار.
أن الفتاة التي تلقت تعليمها بشكل كامل قادرة على الوصول إلى تحقيق النجاح العملي، وإحداث التغيير الإيجابي في مجتمعها ودفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام. أما ترك الفتيات دون تعليم يؤدي إلى تحديد وتقنين خياراتهن في الحياة، مما يضطرهن إلى الزواج المبكر والحمل المبكر، ما يؤثر بشكل كبير في صحتهن الجسمانية والعاطفية، وبما أن الفتيات هن أمهات المستقبل، فإن التأثير السلبي لغياب التعليم يمتد لأطفالهن وللأجيال اللاحقة.
تسعى منصة «ريوايرد» إلى عدم تكرار السياسات التقليدية نفسها باعتبارها لم تحقق الهدف، ما الحلول الإبداعية التي طرحت عبر المنصة؟
سوف تقوم منصة «ريوايرد» بإيجاد حوار عالمي جديد بعد جائحة «كورونا» والذي نسعى من خلاله إلى دمج شركاء غير تقليديين في هذا الحوار، ونقصد هنا مؤسسات المجتمع الخاص التي يجب أن تكون جزءاً في هذا التغيير.
ستركز منصة «ريوايرد» على أهمية زيادة التمويل للتعليم على مستوى عالمي، هناك فجوة تقارب الـ 200 مليار دولار أمريكي في تمويل التعليم، لذلك، ستتوافر حوارات متعددة بين قادة مؤسسات الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني والحكومات للخروج باستراتيجيات وخطة عمل لزيادة تمويل قطاع التعليم.
وستبحث المنصة بشكل رئيسي موضوع توفير وسائل الاتصالات لكافة الطلاب وخصوصاً اللاجئين وضحايا الكوارث والحروب، استقاء مما تعلمناه بعد جائحة «كورونا» بأن وسائل الاتصالات والإنترنت أصبحت ضرورة ملحة في العملية التعليمية.
وتناقش المنصة مواضيع مهمة تتعلق بتنمية المهارات الأساسية للشباب وتحضيرهم لسوق العمل، وكذلك موضوع الابتكار واستخدام التكنولوجيا في التعليم.
اللعب جزء من العملية التعليمية
ثمة تجارب تم الوقوف عليها واستقاء عناصر النجاح، ما أهم الدروس التي استنبطتموها؟
استقينا أن أهم عناصر النجاح في العمل التنموي والإنساني هو فهم طبيعة المجتمعات التي نعمل بها، والعمل على تحليل المشاكل التي توثر سلباً في العملية التعليمية قبل البدء برسم وتنفيذ البرامج، كون الخطط والاستراتيجيات التي تكون ناجعة في العمل مع الفتيات في مصر قد لا يمكن العمل بها في دولة أخرى مثل موزمبيق. كما أن التنسيق مع الحكومات في الدول التي نعمل بها يعتبر من أهم عناصر نجاح هذه البرامج، وذلك لأن الحكومات هي المسؤول الأول عن العملية التعليمية ويجب التنسيق معها لخلق فرص أفضل للاستمرارية.
وأخيراً، العمل ضمن خطة متابعة وتقييم شاملة هو مفتاح لنجاح أي برنامج تنموي بشكل عام، وخصوصاً عند العمل ضمن بيئة متغيرة كما في مناطق النزاعات والحروب.
تجمع «قمة ريوايرد» (RewirEd Summit) بين الأطراف الفاعلة الرئيسية من جميع أنحاء العالم وبعض المشاركين في إكسبو 2020. أخبرينا كيف ستساهم شراكة «ريوايرد» مع راديكال لإطلاق «ريوايرد ساندبوكس»، في طرح حلول مبتكرة وجذرية لتطوير النظام التعليمي؟
عقدت دبي العطاء في العام الماضي شراكة مع راديكال لإطلاق «ريوايرد ساندبوكس»، وهو عبارة عن منصة تفاعل لدفع وتمكين التعاون الحقيقي بين الأطراف المعنية بالعملية التعليمية وتحفيز عملية إنشاء حلول جذرية مشتركة للتحديات التي نواجهها في قطاع التعليم. يهدف ساند بوكس إلى تنظيم تحالفات غير تقليدية داخل وخارج نظام التعليم الحالي، وذلك لخلق نماذج جديدة في التعليم من خلال الحوار والتعاون والتجربة عبر القطاعات.
السؤال الأخير، كيف توجزين رؤيتك باختصار وما توصيتك في هذا المجال؟
النظر إلى تعليم الفتيات من منظور تنموي وليس فقط إنساني أو تعليمي. الاستثمار في تعليم الفتيات ليس فقط خياراً تعليمياً ولكنه خيار تنموي استراتيجي يعود بالفائدة على كافة أفراد المجتمع وهو حق متأصل لكل فتاة.