05 سبتمبر 2021

أسرار وفضائح إجازات رؤساء فرنسا وزوجاتهم في كتاب جديد

كاتبة صحافية

أسرار وفضائح إجازات رؤساء فرنسا وزوجاتهم في كتاب جديد
جاك شيراك

القراءات الخفيفة هي المفضلة في الصيف. وقد جاء كتاب الصحفي الفرنسي بييريك جايي في وقته. إنه يعود إلى الأرشيفات والمجلات القديمة ويتابع الأماكن التي قضى فيها رؤساء الجمهورية الفرنسية إجازاتهم. إن بينهم من أرادها فرصة للاستراحة من واجبات الحكم، لكن هناك من استغلها لتجميل صورته في أعين مواطنيه، أو من انقلبت عليه الآية فتشوهت صورته بدل أن تتحسن.

عنوان هذا الكتاب المثير «الإليزيه على البلاج»، أي حين يذهب ساكنو قصر الرئاسة إلى الشاطئ. والشاطئ المقصود هو في العادة منتجعات البلاد الساحرة التي تمتد في شريط من الرمال والخلجان والجزر الصغيرة على ساحل البحر المتوسط، جنوب فرنسا. ورغم سحر المنطقة فقد كان من بين الرؤساء من ذهب لكي يقضي الصيف أو إجازة الشتاء في جزر موريس الفرنسية الواقعة في المحيط الهندي، أو أن يتمتع بشمس أسوان في مصر وطنجة في المغرب.

كتاب «الإليزيه على البلاج»
كتاب «الإليزيه على البلاج»

أسرار ووقائع لم يترك مؤلف الكتاب بييريك جايي مصدراً إلا واستكشفه. فقد بحث عن مساعدي الرؤساء السابقين وأبنائهم وأقاربهم وموظفي القصر المتقاعدين لكي يجمع المعلومات المطلوبة، وكانت الحصيلة سلسلة من الأسرار الصغيرة والوقائع المثيرة التي يتعطش الناس لمعرفتها عن المشاهير.

ديجول لم يخلع السترة ولا السروال في أي إجازة

الرئيس شارل ديجول مع ابنته
الرئيس شارل ديجول مع ابنته

جرت العادة أن يقضي الرؤساء إجازاتهم في مقرات وقصور صيفية تابعة للدولة، مثل قلعة بريجانسون جنوب البلاد، أو قصر لاتيرن الواقع في محيط قصر فيرساي. والحديث طبعاً لا يشمل كل الرؤساء بل أولئك الذين تعاقبوا على الحكم بعد الحرب العالمية الثانية، أي ما يسمى بفترة الجمهورية الخامسة، وأولهم الجنرال شارل ديجول الذي كان يفضل قضاء الإجازة في منزله العائلي بقرية كولومبي، وهي التي نشأ ثم دفن فيها.

لا يذكر أحد أن ديجول ظهر على الشاطئ بثياب البحر، لا هو ولا زوجته السيدة إيفون. كان جنرالاً عسكرياً صارماً لا يمكن أن يتخلى عن البدلة وربطة العنق. وبعكسه كان خليفته الرئيس جورج بومبيدو، فحالما تسلم هذا الأخير الرئاسة ذهب مع زوجته السيدة كلود للاستجمام على شواطئ بلدة سان تروبيه الساحرة الواقعة في الساحل اللازوردي، أو بالفرنسية «الكوت دازور»، وهو المنتجع الذي يقصده أثرياء العالم وتمتلك فيه النجمة السينمائية المعتزلة بريجين باردو منزلاً ومزرعة واسعة.

الرئيس جورج بومبيدو مع زوجته
الرئيس جورج بومبيدو مع زوجته

كانت زوجة بومبيدو تحب الاختلاط بالأدباء والفنانين والتنقل من حفل لحفل. وحين كان زوجها رئيساً للوزارة قبل تنحي ديجول، اضطر هذا الأخير إلى لفت نظر رئيس وزرائه وتعنيفه على كثرة إجازاته، داعياً إياه للاهتمام بالوظيفة الموكلة إليه.

بومبيدو كان فرنسياً برجوازياً تقليدياً، يحب أطايب الطعام والشراب. يلجأ إلى منزله الريفي لكي يسترخي ويقرأ الكتب ويشاهد التلفزيون. وقد التقطت له صور وهو يرتدي حذاء خفيفاً وسروالاً قصيراً ويعتمر قبعة من القش. لكن تدهور صحته أجبره على الانزواء قبل أن يودي به المرض، لكي يتولى الرئاسة شاب رياضي من أسرة نبيلة، هو فاليري جيسكار ديستان، الذي كان مفتوناً بنفسه وبتعليمه الراقي وتناسق جسده، يحب أن يظهر أمام المصورين بثياب البحر أو الرياضة، مستعرضاً عضلاته وقدراته في شتى الألعاب.

جيسكار
جيسكار

كانت أسطورة الرئيس الأميركي الوسيم جون كنيدي ونجومية زوجته جاكي قد دارت العالم كله، لذلك حاول جيسكار أن يشكل مع زوجته السيدة آن إيمون ثنائياً لامعاً ونسخة فرنسية من الثنائي جون وجاكي. لكن الفرنسية الأولى لم تكن بجمال الأميركية الأولى ولا بريقها ولا شخصيتها. وجاء في أحد فصول الكتاب أن زوجة جيسكار أوشكت على الغرق في إحدى الإجازات وتم إنقاذها من بين الأمواج.

ميتران يقسم إجازته بين زوجته الرسمية وعشيقته

أسرار وفضائح إجازات رؤساء فرنسا وزوجاتهم في كتاب جديد

حين انتقل الحكم إلى الاشتراكيين مع فوز ميتران بالرئاسة، عام 1981، دخل «الأليزيه» في معضلة غير مسبوقة. فهناك الزوجة الرسمية للرئيس، السيدة دانييل، وهناك عشيقته التي يعيش معها وله منها ابنة هي مازارين، رغم التكتم الشديد على الحياة الشخصية لميتران واعتبار مازارين من أسرار الدولة التي يجب حجبها والحفاظ عليها مثل الشيفرة السرية للسلاح النووي. والحقيقة أن ميتران كان عبقرياً في تقسيم وقته بين المرأتين، حيث كان يبدأ الإجازة مع دانييل ويسمح للصحافة بالتقاط بعض الصور وهما يتنزهان سوية في الطبيعة، ثم حال انصراف المصورين يتسلل إلى قرية هادئة يملك فيها منزلاً بسيطاً، حيث توافيه عشيقته وابنتهما.

ولم يسمح بنشر صور للثلاثي في تلك القرية إلا بعد وفاة الرئيس. وكانت ابنته مازارين هي من أفرج عن الصور والتفاصيل الحميمة لرجل دولة عاش حياتين متوازيتين. وحتى عندما أودى به المرض الخبيث، فقد أسلم الروح بحضور عشيقته، ثم انصرفت لكي تحضر زوجته وتنقذ المظاهر.

وقبل وفاته حرص على اصطحاب ابنته ووالدتها إلى مصر، حيث كان يعشق قضاء بضعة أيام من إجازة رأس السنة تحت شمس أسوان، وفي جناح مخصص له بفندق «أولد كتراكت». أما زوجته الرسمية فكانت تقضي إجازاتها مع صديق لها.

الرئيس ميتران في أسوان
الرئيس ميتران في أسوان

شيراك يطير خلسة إلى جزر بعيدة مع صديقاته

ثم وصل إلى «الإليزيه» رئيس طويل وسيم هو جاك شيراك. إنه ليس رياضياً مثل جيسكار ديستان ولا صاحب أسرار مثل ميتران. لقد كانت له مغامرات نسائية لكنها قليلة وعابرة، فمن المعروف أن بنات حواء ينجذبن إلى الأضواء ويغريهن النفوذ، لكن شيراك كان مأخوذاً بوظيفته، استقتل في سبيل بلوغ الرئاسة ولن يسمح لأحد بصرفه عن الهدف الذي عمل له طوال حياته السياسية الطويلة. كانت زوجته السيدة برناديت امرأة تقليدية تتحدر من عائلة أرستقراطية وتميل إلى الأناقة الكلاسيكية، وهي لم تكن تحب ارتياد الشواطئ وتفضل العطلات في المقرات الرئاسية أو في قصر عائلتها. لذلك فإنها لم تكن صيداً مغرياً للصحافة و«البابارازي».

بل أن ابنتها كلود كانت هي الوجه الأكثر شباباً واجتذاباً للكاميرات، خصوصاً وأنها كانت مديرة العلاقات التي تتحكم بكل تفاصيل تحركات أبيها واتصالاته. في ولايته الأولى، حاول شيراك أن يظهر بمظهر المواطن الفرنسي العادي الذي يرتدي «الشورت» في المصيف. لكن الصور المنشورة له تحولت إلى مادة للسخرية، وبدل أن يرتدي نعلاً مكشوفاً أو حذاء رياضياً خفيفاً يناسب السروال القصير فإنه ارتدى حذاء جلدياً فاخراً مع جوارب. وهو أمر يكشف حرصه على صورته كرئيس حتى لو خلع عنه بدلة «الإليزيه».

جاك شيراك مع ابنته
جاك شيراك مع ابنته

ويفاجئ الكتاب قراءه بأن شيراك لم يكن زوجاً مثالياً على طول الخط، فهو كان يقوم برحلات مختلسة إلى جزر موريشيوس مع حسناوات مجهولات. ولم تكن زوجته برناديت غافلة عما يجري وراء ظهرها لكنها كانت تحبه وتتحمل الكثير لكي تبقى معه. وفي أواخر سنوات ولايته الأولى، قامت بثورة في مظهرها الخارجي، وفاجأت الفرنسيين بـ «نيو لوك» وتسريحة جديدة أعادتها سنوات إلى الوراء.

وهي لم تعد تخشى الصحافة والمصورين بل صارت تتفنن في نشاطاتها مستغلة صعود أسهمها في بورصة الشعبية واحترام الأوساط المحافظة لها. لقد أصبح زوجها محتاجاً لها ولشعبيتها للفوز بولاية ثانية، وهو ما حصل بالفعل.

كارلا بروني منحت المصورين لقطات لم يحلموا بها

أسرار وفضائح إجازات رؤساء فرنسا وزوجاتهم في كتاب جديد

كان على الصحافة انتظار وصول الرئيس ساركوزي إلى الحكم لكي تتخم القراء بأخبار حياته الخاصة وزوجاته السابقات واللاحقات. لقد طلق زوجته سيسيليا بعد انتخابه وتزوج عارضة الأزياء والمغنية الإيطالية كارلا بروني. والحقيقة أن كارلا منحت المصورين أكثر مما كانوا يحلمون به من صور. فهي تارة بمايوه السباحة، وتارة ببدلات السهرة، أو في انحناءة رشيقة أمام ملكة بريطانيا، أو مغنية على المسرح.

ولم تكن كارلا تحتاج الذهاب إلى المقرات الصيفية الرئاسية لأن عائلتها الثرية تملك قصراً في أجمل بقعة من شاطئ جنوب فرنسا.

ولطالما تمتع ساركوزي بعطلاته الصيفية في تلك البقعة الساحرة ومارس كل الرياضات المائية المتاحة. لقد احتاج الأمر زمناً لكي يتعلم كسب تعاطف مواطنيه. فهو في أول صيف له في الحكم ارتكب خطأ كبيراً حين ذهب لقضاء الإجازة في منطقة وولفسبورو في الولايات المتحدة وأقام في منزل يملكه ثري من معارف زوجته سيسيليا.

إن المواطن الفرنسي العادي يحب ألا يتصبب عرقاً في الشواطئ الشعبية بينما يرى رئيسه يركب زورقاً سريعاً في قارة أخرى ويتمتع برفاهية لا تتاح سوى للأمراء أو لأصحاب المؤسسات الكبرى.

يتصور الناس أن الرؤساء لا يملكون وقتاً للراحة. والحقيقة أن هاتفاً معيناً يبقى مضاء حيثما كان الرئيس، وهناك موظف من الرئاسة وضابط من القوات المسلحة يسهران باستمرار على إمكانية الاتصال بالرئيس في أي لحظة من النهار أو الليل. ويحدث كثيراً أن يذهب الرئيس في إجازة وهو يتأبط ملفات تحتاج للمراجعة والبت فيها. وهناك من يتعمد الظهور مع حقيبة الملفات لكي يوحي للشعب أنه يعمل بدون انقطاع.

إجازة تكشف علاقة فرانسوا هولاند بصديقته الصحفية فاليري تريرفيلر

أسرار وفضائح إجازات رؤساء فرنسا وزوجاتهم في كتاب جديد

لكن الصحافة تطارد السياسيين حيثما ذهبوا. وقد اقتنص المصورون صورة لفرانسوا هولاند، قبل أن يصبح رئيساً، وهو يختلس أياماً من إجازة أمضاها مع صديقته الصحفية فاليري تريرفيلر على ساحل بلدة أصيلة المغربية، بعيداً عن شريكة حياته سيجولين رويال، والدة أبنائه الأربعة. وكانت النتيجة أن سيجولين طلبت من هولاند ترك البيت العائلي، وبهذا فإنها لم تدخل معه إلى «الإليزيه» حين فاز بالرئاسة بل اصطحب معه شريكته الجديدة فاليري. ويكشف الكتاب أن هذه الأخيرة تصرفت بعين جائعة عند انتقالها للعيش في رفاهية المقرات الرئاسية، فقد أوصت على وسائد باهظة الثمن للمقر الذي أمضت فيه إجازتها مع الرئيس.

ماكرون بنى لزوجته مسبحاً وراء جدران قلعة

أسرار وفضائح إجازات رؤساء فرنسا وزوجاتهم في كتاب جديد

كان وصول إيمانويل ماكرون إلى الحكم مفاجأة بكل معنى الكلمة. ومنذ اللحظات الأولى طاردته التقولات عن فارق السن بينه وبين زوجته التي تكبره بربع قرن. لقد كانت مدرسة للغة الفرنسية وهو تلميذها الذي أحبها وأحبته وواجها عائلتيهما لكي يتزوجا في نهاية المطاف. ماذا تفعل الصحافة بسيدة تجاوزت الستين، تسير مع رئيس في عمر أبنائها؟

في تلك الفترة نشرت مجلة «باري ماتش» الواسعة الانتشار على غلافها صورة لماكرون وزوجته السيدة بريجيت وهما في الإجازة، وكانت الفرنسية الأولى ترتدي ثوب السباحة. ورغم أن قوامها ظل مشدوداً ورشيقاً رغم العمر، فقد أثارت الصورة عاصفة من الجدل والانتقادات.

وبعد ذلك صارت زوجة ماكرون تتجنب الظهور أمام المصورين في الإجازة. ولكن كيف السبيل لتفاديهم وهي تنزل مع زوجها إلى البحر في الشاطي المحاذي لقلعة بريجانسون، المقر الصيفي للرؤساء؟

كان الحل أن يتم بناء مسبح داخل أسوار القلعة. وهنا هبت فضيحة جديدة لأن الكلفة بلغت 35 ألف يورو، الأمر الذي استهجنه الفرنسيون باعتبار أن المبلغ من جيوب دافعي الضرائب. لكن الفرنسية الأولى صرحت بكل صدق أنها تحب السباحة لكنها لا تريد أن تظهر بالمايوه أمام الجميع. ثم أن كلفة بناء المسبح هي جزء من الميزانية السنوية المخصصة لصيانة القلعة الرئاسية، ولن تضيف مليماً إضافياً على كاهل دافع الضرائب.

وبهذا فإن بريجيت ماكرون تمتعت هذا الصيف بمسبحها البعيد عن الأنظار الفضولية بينما تمتع زوجها الرئيس بممارسة رياضة «الجيت سكي» التي يبرع فيها.

هناك سؤال لطيف يطرحه مؤلف الكتاب في المقدمة، وهو: هل يبقى الرئيس رئيساً عندما يذهب في إجازة؟ إن الصفحات كفيلة بالجواب، وهي ملأى بالتفاصيل والوقائع الصغيرة والكبيرة التي استقاها من أفواه شهودها، بحيث يشعر القارئ بأنه يشاهد مسلسلاً مسلياً وهو مستلقي على الشاطئ، يحتسي عصيراً مثلجاً تاركاً قدميه لمداعبة الأمواج.