برناديت آدم زوجة لاعب الكرة الفرنسي جان بيير آدم
لم أكن قد سمعت باسم جان بيير آدم إلا قبل يومين. أي عندما نشرت الصحف الفرنسية خبر وفاته. وعرفت من تفاصيل الخبر أنه كان بطلاً من أبطال كرة القدم ولاعباً دولياً، احتل مركز الهجوم في المنتخب الفرنسي قبل أن يصاب إصابة أقعدته وشلّت قدراته. آدم، وهو إفريقي الأصل من السنغال، ذهب إلى المستشفى لإجراء عملية بسيطة في الركبة. لكن خطأ ارتكبه طبيب التخدير تسبب في انقطاع الأوكسجين عن دماغ المريض لبضع دقائق. وكانت النتيجة أنه لم يستيقظ من البنج.
فقد الوعي ودخل في الغيبوبة وتحول لكتلة مشلولة. متى كان ذلك؟ قبل أربعين سنة تقريباً، وبالتحديد في ربيع عام 1982. عاش أربعة عقود يتنفس ولا يتحرك أو يعي شيئاً مما يجري حوله. ولما فارق الحياة، أخيراً، تذكّر الفرنسيون أن هناك لاعباً اسمه جان بيير آدم، وقد تصوّر الجميع أنه مات من زمان، وهو لم يفارق الحياة لكنه كان في حكم الميت.
ليس قصدي من كتابة هذه السطور أن أنشر نعياً له. القصد هو أن أؤدي التحية لامرأة تحملت ما لا طاقة لأحد على تحملّه إلا إذا كان من أصحاب القلوب الذهبية. هل تعرفون بشراً كثيرين يحملون وراء الضلوع قلباً من ذهب؟ إن اسمها برناديت، وهي زوجة آدم الذي أسلم الروح بين ذراعيها في مستشفى مدينة «نيم»، جنوب فرنسا. وطوال أربعين عاماً ظلت بجانبه، ترعاه وتخدمه وتحمله إلى الحمّام وتغسل جسده الثقيل وتطعمه وتنقّط الماء في فمه.
وهي تقول إن الكثيرين كانوا يرجونها منذ سنوات طوال أن توقف هذه المعاناة، أي أن تتخذ بمساعدة الأطباء قراراً بما يسمونه «الموت الرحيم».
كتبوا لها عبر وسائل التواصل «اسحبي من فمه وأنفه كل الأمصال وأنابيب المغذي ودعيه يرحل بسلام».
وكانت تتعجب من هذه الطلبات لأن زوجها لم يكن يتغذى بالأمصال ولم يكن مربوطاً إلى أي أنابيب بل كانت تطعمه بيديها، تدس اللقمة الطرية بين شفتيه لعله يتقبلها ويهضمها. أي أن برناديت كانت تزّق زوجها آدم زقاً مثل الطيور. يوم دخل في الغيبوبة، كان في عزّ شبابه وقوته ورجولته، وها هو يفارقها وقد تجاوز السبعين. وفي مقابلة أجرتها معها محطة «سي إن إن» قالت برناديت إنها كانت تحرص على إلباس زوجها ثياباً جميلة وتشتري له الجديد منها. كما كانت تعطرّه كل يوم بالعطر الذي يحب «سوفاج».
فقد كان قبل إصابته شاباً أنيقاً مملوءاً بالحيوية، يميل للضحك والدعابة وله قدرة على بث الفرح حيثما جلس. وهي قد حاولت أن تأتي له بكرسي ذي عجلات لكي يجلس مسنوداً بالأحزمة. أرادته حاضراً في بيته وكانت تتمنى أن ترى صحته تتحسن.
انتظرت معجزة من السماء طالما أن حالته لا تتراجع. لكن صحته، أو ما بقي منها، تدهورت في الأشهر الأخيرة وكان لابد من نقله إلى المستشفى. لا أحد ينكر أن النساء صبورات. لكنني أبقى أتساءل: كم تملك تلك الزوجة من الحب والعناد والمقاومة؟ إن مثيلات برناديت كثيرات جداً في كل البلاد. وأسباب الصبر كثيرة. وأعرف رجالاً يقدمون لزوجاتهم المريضات الرعاية نفسها. أسترجع أسماءهم فلا يحضرني سوى واحد!