الكاتب عبد الرزّاق قرنح
للمرة الأولى، منذ حوالي عشرين عامًا، يفوز كاتب من أصول إفريقية بجائزة نوبل للآداب. نشأ عبد الرزّاق قرنح في زنجبار، الأرخبيل الذي يقع في مقابل سواحل تنزانيا، حيث جزء من سكانه من أصول عربية وتمتزج لغته السواحلية بالمفردات العربية.
وقع الأرخبيل تحت الاستعمار البريطاني حتى العام 1963، وفي العام 1964 قامت ثورة دموية ترافقت مع استهداف ملاك الأراضي والتجار العرب الأثرياء ما أجبر عبد الرزّاق قرنح على مغادرة بلاده متجهًا إلى بريطانيا، وكان آنذاك في الثامنة عشرة من عمره.
لم يتوقع قرنح يومًا أنه سيصبح كاتبًا، لكن مع إحساسه بالبؤس والفقر والغربة بدأ يكتب صفحات في مذكراته عن بلاده ثم انتقل إلى كتابة حكايات عن أشخاص آخرين.
اعتاد الكتابة من أجل أن يفهم مشاعره ومعاناته لتثمر هذه الكتابة عن روايته الأولى التي تبعتها تسعة أعمال أخرى يستكشف فيها قرنح ما تخلفه في النفس بشكل مستدام صدمات الاستعمار والحرب والتهجير.
يقول قرنح إن ما حفّزه على الكتابة هو إحساسه بـ«فقدان مكانه في هذا العالم»، وقد قال أندرز أولسن، رئيس لجنة جائزة نوبل للآداب، إن قرنح «تمكن، بتعاطفه العميق، من اختراق تأثيرات الاستعمار في شرق إفريقيا وآثاره في حياة المهاجرين المقتلعين من جذورهم»، فتجد الشخصيات نفسها في رواياته «هائمة بين الثقافات والقارات، بين الحياة التي تركتها خلفها والحياة التي بانتظارها في مواجهة العنصرية والأحكام المسبقة، لتجبر نفسها على السكوت عن الحقيقة أو على ابتكار سيرة حياتية جديدة من أجل أن تتجنب الصراع مع الواقع».
سبق اختيار قرنح لجائزة نوبل للآداب جدالٌّ حامٍ في الأوساط الأدبية السويدية اتهم الجائزة بقلة التنوّع بين حائزيها حيث إن 95 كاتبًا من أصل الـ117 الذين فازوا بها حتى العام 2020 كانوا من أصول أوروبية أو أمريكية شمالية.
ولا تكمن أهمية فوز عبد الرزّاق قرنح بها هذا العام لكونه أديباً ملهماً من أصول إفريقية وحسب، بل أيضًا لأن المواضيع التي تطرّق إليها والتي كانت تؤرقه أيام شبابه من هجرة وتهجير وهوية وانتماء واندماج في المجتمعات المضيفة هي نفسها المطروحة اليوم وبشكل ملحّ جدًا على المهاجرين الذين تتزايد أعدادهم لأسباب سياسية و/أو اقتصادية وعلى مجتمعاتهم المضيفة سواء أكانت في العالم المتقدم أو الأقل تقدمًا.
صرّح قرنح بالقول «إنه لنوع من الخسة والتقتير من جانب الدول المزدهرة التي تقول نحن لا نريد هؤلاء الناس، وأعدادهم في الحقيقة لا تقارن بأعداد المهاجرين الأوروبيين في جميع أنحاء العالم». وبالفعل «نحن لا نريد هؤلاء الناس» هي العبارة التي يركز عليها اليمين المتطرف في الغرب من أجل تجييش الرأي العام والفوز بالانتخابات، ولربما يساهم فوز قرنح بجائزة نوبل في إضفاء وعي جديد على هذه المشكلة.