03 يناير 2022

د. هدى محيو تكتب: من محاسن الجائحة

أستاذة وباحثة جامعية

د. هدى محيو تكتب: من محاسن الجائحة
الاختصاصي العالمي أنطوني فاوشي

في الأشهر الأولى من جائحة «كورونا»، في ربيع العام 2020، تساءل العالم النفسي «جاي فان بافل» من جامعة نيويورك، عن طبيعة العوامل الاجتماعية التي تسمح بتوقُّع درجة انصياع الأفراد لإجراءات الصحة العامة كالحفاظ على المسافة الاجتماعية وإغلاق المطاعم والمتاجر.

كان «فان بافل» يرأس فرقة صغيرة مستعدة لجمع البيانات بهدف إجراء الدراسة. ولكن بما أن الجائحة كانت تطال العالم أجمع، خطرت على باله فكرة توسعة المشروع وقام بخطوة لم يكن قد قام بها في السابق.

في إبريل (نيسان) 2020، نشر على «تويتر» وصفًا لمشروعه ودعا باحثين آخرين للانضمام إليه قائلاً في نفسه «ربما أنجح في جمع عشرة أشخاص على الأرجح من بلدان مختلفة يمكنهم تزويدي ببيانات إضافية». وكم كانت دهشته كبيرة حين تجاوب معه أكثر من مئتي باحث من أكثر من 67 بلدًا.

وفي النهاية تمكن الباحثون من جمع بيانات تخص أكثر من 46 ألف شخص حول العالم. وكانت نتيجة هذا التعاون الواسع النطاق أن الناس الذين يؤكدون أهمية الهوية الوطنية هم الأكثر ميلاً لاحترام إجراءات الصحة العامة ودعمها لأنهم يشعرون أن المصيبة تطالهم جميعًا كشعب واحد.

وقد أجريت دراسات أخرى شملت ستة بلدان وضمت 12 ألف شخص دلت على أن هوية الشخص الذي يوصي باحترام إجراءات السلامة لها أهمية حقيقية.

فقد سُئل أشخاص من البرازيل وإيطاليا وكوريا الجنوبية وإسبانيا وسويسرا والولايات المتحدة عن أي من «طوم هانكس» أو «كيم كارداشيان» أو «أنطوني فاوشي»، المستشار العلمي في البيت الأبيض، أو شخصية رفيعة من بلادهم، يمكن أن يصدقونه أكثر لو طَلَب منهم احترام قواعد التباعد الاجتماعي، فمالت الإجابة إلى الاختصاصي العالمي أنطوني فاوشي على حساب المشاهير العالميين.

وبغض النظر عمّا دلت عليه هذه الأبحاث، فإن الأهم هو أن الجائحة، من محاسنها، قد بدلت بعمق الطريقة التي تجرى فيها أبحاث العلوم الاجتماعية والسلوكية، إذ أدرك الباحثون في هذا المجال ما يمكنه أن توفره لهم التقنيات الحديثة من سبيل للقيام بأبحاث واسعة النطاق على مستوى العالم.

كما أن أزمة «كورونا» التي عزلت البلدان عن بعضها بعضًا جعلت الباحثين أكثر استعدادًا للتعاون وتقاسم المعلومات وجعلتهم يوجهون العلوم الاجتماعية نحو منحى جديد، قد سبقتهم إليه العلوم البحتة، وهو منحى البيانات الكبرى التي لم تعد تقتصر على تجارب صغيرة ومحدودة بل تطمح إلى إجراء «ميغا دراسات» تجمع مشاركات من سائر أنحاء العالم من أجل اختبار صحة عشرات لا بل مئات الفرضيات والإجراءات.

وككل ما يتيحه العلم والتكنولوجيا، يبقى الرجاء أن تكون وجهة استعمال هذه الإمكانية هي الوجهة الصحيحة، لأن البشر وإن كانوا لا ينتمون إلى شعب واحد إلا أنهم ينتمون إلى جنس واحد.