«أهم حاجة نفسية لدى الإنسان هي أن يكون بطلاً»، هذا ما قاله المحلل النفسي الشهير «أوتو رانك»، سواء أكان بطلاً في بلده أو في مدينته أو منزله أو أسرته أو حجرته أو حتى في خياله.. لا يهم. فإن أنت لست بطلاً بحسب أي صورة من هذه الصور فأنت لا أحد، وستكون ضحية دائمة للمشاعر السلبية.
منذ فجر العصور والبشر يحكون الحكايات والأساطير التي يواجه فيها الأبطال الوحوش والمحن من كل صنف ونوع. واليوم، لا شيء تغيّر. فنحن نمضي وقتاً لا حصر له في متابعة حكايات جيمس بوند ضد الأشرار، وطوم كروز ضد أعدائه في «مهمة مستحيلة»، وهاري بوتر ضد الساحر الشرير، وحتى حكايات المشاهير ومغامراتهم.
نعير اهتمامنا لهذه القصص فهي تجعل قلبنا يطرق وتجعلنا ننسى كل شيء؛ لأننا نتماهى مع البطل في خيالنا ونسكن دخيلته ونحارب حربه في خيالنا. ويأتي انتصاره على وضع ميؤوس منه انتصاراً لنا وفرحة داخلية شديدة.
لكن ثمة مشكلة هنا، فحتى يكون المرء بطلاً يجب أن يكون له عدو. العدو هو الذي يخلق البطل وهو الذي يكشف عن قوته ومهارته وذكائه وشجاعته. وفي حياتنا اليومية، الأعداء أو المحن أو التجارب التي نواجهها لا بد منها حتى تجعلنا أبطالاً، وحتى نشعر بوجودنا. فمن دون التحديات والصراعات والهزائم والانتصارات، سنكون جميعنا أشبه بأطفال في الثالثة من العمر لم يتعلموا بعد السيطرة على انفعالاتهم وإحباطاتهم.
وجود الأعداء ضروري لتحويلنا إلى أبطال، وكلما كان العدو شرساً أجبرنا على البحث عن مواهبنا المخبأة والتعبير عنها لتصير واقعاً في العالم الحقيقي. فالعدو، بعد تخطي الوهلة الأولى، هو في الحقيقة حليف لنا، وهو ممرّنا الإلزامي نحو البطولة.
لكن المشكلة الثانية تكمن في اختيار العدو. وكثيرون مَن يخطئون في اختيار أعدائهم حين يرونهم في الآخرين، ليمضوا حياتهم في حالة صراع مع الآخر وسعي للتغلب عليه وسحقه، حتى وإن انتصروا لا يكون لانتصارهم طعم حلو، فيبدأون البحث عن عدو آخر إلى ما لا نهاية.
يرون الأعداء في مَن حولهم، وفي أصغر الأمور، بينما عدوهم الأكبر يكمن في دواخلهم، في ترددهم، في عدائيتهم، في خوفهم، في نزعتهم نحو الشر، وفي جميع المشاعر السلبية التي تسيطر عليهم وتحول دون انطلاقتهم في الحياة.
حين يكون الآخر هو العدو فهذا يعني أننا قمنا بالخيار الأسهل، وإذا ما انتصرنا عليه لن نصير سوى أبطال صغار لا طعم ولا لذة لانتصارنا. ولن نتحوّل إلى أبطال كبار إلا حين نحدد عدونا الأكبر في داخلنا وننتصر عليه.
لماذا نفرح لحكايات الأبطال؟ نفرح لأنهم نجحوا في الانتصار على الشر وجعل الخير يعم العالم، والأجدى بكل واحد منا أن يبدأ بنفسه.