22 فبراير 2022

د. باسمة يونس تكتب: بطولات عظيمة

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

د. باسمة يونس تكتب: بطولات عظيمة
زورا كاروهيمي لتي انقذت أكثر من 100شخص من الإبادة

المآثر العظيمة ليست في الوقوف أمام العدو ومواجهته بالسلاح التقليدي فقط، بل في المواقف التي تدفع أصحابها للتصرف بشجاعة لإنقاذ غيرهم من كارثة وشيكة أو حمايتهم من مجرمين لا يتورعون عن تهديد حياتهم وترويعهم وتوعد مصائرهم بدون شفقة أو ضمير.

ولا يمكن نسيان الموقف الشجاع لشابة إماراتية وجدت نفسها أمام واقعة مؤلمة عندما كانت خارجة من أحد المستشفيات في مدينة رأس الخيمة مع صديقتها في سيارتها وشاهدت تصادم شاحنتين أسفر عن احتراقهما واشتعال النيران في ثياب أحد السائقين. وعندما صاح المشتعل طالباً النجدة ممن تجمعوا حوله ورأتهم عاجزين عن التصرف أمام وحشية النيران، سارعت بأخذ عباءة صديقتها الجالسة في السيارة بدون تردد، وهرعت ناحية السائق الهلوع تغطيه بها حتى أخمدت النيران تماماً.

كما تحفظ ذاكرة الروانديين بطولة (زورا كاروهيمي) الملقبة بالساحرة لقيامها بما لا يقدم عليه الشباب رغم كبر سنها. وكشفت زورا ما فعلته بعد مرور عشرين عاماً وبعد انتهاء أعمال الإبادة المروعة التي حصلت في بلادها وعن تمكنها من منع إبادة مئة شخص من أبناء التوتسي إثر لجوئهم في منزلها في قرية موسامو شرق العاصمة.

كان ذلك خلال الإبادة الجماعية التي قتل فيها ثمانمئة ألف شخص في رواندا جراء أعمال عنف عرقية اجتاحت البلاد في 1994. وجدت زورا نفسها أمام المسلحين الذين جاؤوا يبحثون عن الفارين، و رغم عجزها عن حماية ابنها وابنتها ورغم أن عائلتها كانت من «الهوتو» التي تشكل الأغلبية في رواندا بعد أن قسمتهم بلجيكا إلى مجموعتين منفصلتين عرقياً وأشعلت التوترات بينهم والثورة المعروفة بـ«ثورة الهوتو» والتي تسببت بنفي الملك وعشرات الآلاف من أبناء التوتسي إلى أوغندا المجاورة، واجهتهم بشجاعة ولم تسمح لهم بتخطي حدود عتبة منزلها.

ولا تزال قصتها حية بعد وفاتها قبل أربعة أعوام عن تسترها على مئة فرد من أبناء التوتسي ومن بينهم ثلاثة أوروبيين في مكان سري في سقف المنزل وفي خندق في الحقل المحيط به ومن بينهم أطفال رضع قتلت أمهاتهم.

كان سلاح زورا يكمن في تخويف المسلحين وبث الرعب في قلوبهم بادعاء قدراتها السحرية واستطاعتها بعث الأرواح الشريرة لتدمير المعتدين وعائلاتهم. وأخذت تحذر المسلحين من إغضاب الإله الذي يخشاه الجميع هناك (نياب ينجي) إن تجرؤوا على الاقتراب من منزلها أو من الضريح المجاور له.

وعمدت زورا إلى دهن جسدها بعشبة محلية تهيج جلد الإنسان ما دفع المسلحين للتراجع خشية أن تصيبهم العدوى إن لمسوها، وبدأت تهز يديها الملأى بالأساور مما أثار خوفهم وأبعدهم عنها وصوتها المتهدج يحذرهم إن عادوا مرة أخرى فهم سيحفرون قبورهم بأيديهم.

كانت زورا ساحرة حقيقية، لكن سحرها في شجاعتها وحسن تصرفها. وكانت قد ألهمت إحدى الأمهات المذعورات أثناء أعمال الإبادة التي كانوا يقتلون فيها الذكور، أن تعمد إلى تعليق خرزات ملونة في شعر ولدها الصبي وتحضنه ولا تفلته بحيث يظنه المسلحون أنثى. ونجا الصبي وكبر ليصبح رئيس رواندا (بول كاغامه) الحالي والذي منحها في 2006 وساماً ظلت ترتديه وتخبئه تحت وسادتها عند النوم خشية أن يسرقه أحد.

 

مقالات ذات صلة