23 فبراير 2022

قصص ملهمة لعائلات لم تيأس.. في اليوم العالمي للأمراض النادرة

محررة في مجلة كل الأسرة

قصص ملهمة لعائلات لم تيأس.. في اليوم العالمي للأمراض النادرة
مروان جناحي في إحدى فعاليات الجمعية

يعد 28 فبراير تاريخاً استثنائياً لدى بعض الأسر، ممن قدر لها أن تعيش ظروفاً مختلفة لوجود حالة لديها تعاني في صمت، إنه اليوم العالمي للأمراض النادرة، والتي سميت هكذا لعدم اكتشاف أعراضها، إذ يقضي صاحبها معظم أيام حياته في البحث عن طبيب لمعرفة فقط سبب مرضه، وقد يغيبه الموت ولا يعرف الحقيقة لأنه وببساطة يكون مصاباً بمرض غير مكتشف.

حكاية تحدّ خلف الأبواب المغلقة

وتشير التقديرات إلى أن هناك نحو 7.8 مليون مصاباً بمرض نادر في منطقة الشرق الأوسط، وهي حالات تدوم طوال العمر ولا يعرف معاناتها سوى من تأثروا بها أو المشاركين بشكل مباشر في التعامل معها، لتبقى الرحلة المؤلمة لهؤلاء الأطفال وأحبائهم حكاية تحدّ خلف الأبواب المغلقة، وهو ما دفعنا إلى طرق أروقة جمعية الإمارات للأمراض النادرة للتعرف إلى قصص ملهمة، ملأى بالأمل والقدرة على اجتياز التحديات بهدف إحداث فارق جوهري إيجابي في الحياة.

قصة بشرى وصبا

قصص ملهمة لعائلات لم تيأس.. في اليوم العالمي للأمراض النادرة
بشرى وصبا بصحبة والدهما

سمير حماشة، مهندس، وهو أب لابنتين بشرى وصبا (16 و11 عاماً)، تعانيان من متلازمة داء السكريات المخاطية المتعددة، يقول «أنا وزوجتي أبناء عم من الدرجة الرابعة أو الخامسة، وتعرفنا إلى هذا المرض النادر من خلال أخت زوجتي والتي لديها طفل يعاني نفس المرض، وكانت الحياة تسير عادية إذ رزقنا بـ 6 أبناء، أول 4 والحمد الله بصحة تامة، ولكن بشرى وصبا الأصغر بدأ يظهر عليهما المرض في الصغر، لنبدأ معهما رحلة البحث عن العلاج في الأردن».

ويكمل «في البداية كانت معرفتنا بإصابتهما صعبة علينا كوالدين، ولكن تقبلنا والحمد الله قدرنا وسهل علينا الأمر معرفتنا به لوجود حالة في العائلة، وهو ما أفادنا كثيراً لأن اكتشاف المرض مبكراً يزيد من فرصة عدم تدهور الحالة، فبمجرد ما ظهر المرض عليهما اعتبرنا ذلك هدية إلهية رغم معاناة الطفلتين، سعينا إلى إيجاد حل لهما والبحث عن علاج، والذي بدأناه منذ عام 2011 في الإمارات، بل وسعينا لتثقيف بنتينا بهذا المرض وتعتبران رحلة الذهاب إلى جلسات العلاج كرحلة ترفيهية، ونسعى إلى توفير جميع سبل الراحة وتسهيل الرحلة العلاجية عليهما، ويرجع الفضل الأكبر لوالدتهما، التي ترعاهما وتسعى بأن تؤمن طلباتهما واحتياجاتهما وكل سبل الراحة خلال تلك الرحلة الطويلة. وبمجرد أن بدأنا العلاج توقف تدهور صحتهما من صعوبات بالقلب والنظر، والحمد الله الاثنتان تذهبان إلى المدرسة وتتمتعان بمستوى عال من الذكاء والتحصيل العلمي، فبشرى في الصف العاشر وصبا في الصف السادس».

قصص ملهمة لعائلات لم تيأس.. في اليوم العالمي للأمراض النادرة

وعن طبيعة التحديات التي واجهت تلك الأسرة وكيفية مواجهتها، يضيف سمير حماشة «أكبر تحد يمكن أن تواجهه أسرة لدى أحد أفرادها مرض نادر هو التمكن من التشخيص السليم وما يتبعه من رحلة علاج مناسبة واستمرارية هذا العلاج الذي يعتبر مكلفاً جداً، بجانب إيجاد المدارس المناسبة للحالة وتتقبلها وتعمل على تأمين كافة خدمات الرعاية، والأصعب من ذلك كله هو تقبل المريض لحالته، ولكننا اجتزنا ذلك كله بفضل جهود دولة الإمارات، إذ كانت بشرى وصبا تشاركان في بعض البحوث العلمية التابعة للمستشفيات وتشرحان عن مرضهما النادر بكل ثقة، فلم يكن هناك وعي مجتمعي كاف بالأمراض النادرة سابقاً قبل إنشاء جمعية الإمارات للأمراض النادرة، إذ للجمعية جهود كبيرة للتوعية بتلك الأمراض في المجتمع من خلال الأنشطة والحملات التوعوية والتثقيفية للمجتمع المحلي».

قصة لين غزيري

قصص ملهمة لعائلات لم تيأس.. في اليوم العالمي للأمراض النادرة

قصة أخرى لا تقل عن سابقتها إلهاماً، بطلتها لين غزيري والتي تم تشخيصها بمرض احمرار الأطراف المؤلم في عمر 8 سنوات بعد رحلة استمرت لأشهر طويلة من السفر والانتظار والبحث عن طبيب ملم بحالتها النادرة، وهو مرض يسبب نوبات ألم حارقة، وخفقان واحمرار في جميع الأطراف وذلك بسبب خلل في الأوعية الدموية، وتوضح والدتها يمنى عريبي «كنت أعرف معلومات عن الأمراض النادرة من خلال بعض المقالات الطبية ولكن لم أتخيل يوماً أن تشخص ابنتي بمرض نادر، إذ فجأة وبدون مقدمات وجدنا أعراض المرض تظهر عليها وهو ما سبب صدمة كبيرة لابنتي وكل أفراد الأسرة».

وتكمل «مرض احمرار الأطراف المؤلم يسبب تغييراً جذرياً في حياة المرضى بشكل عام، فالنوبات المؤلمة قد تأتي متواصلة ولفترات طويلة مما يؤثر في حركة الجسم، إذ اضطرت ابنتي لفترة زمنية من استعمال الكرسي المتحرك بسبب حدة الألم في القدمين، كما فرض علي ذلك أن تتلقى تعليمها منزلياً على مدار 6 سنوات، بسبب صعوبة تحملها للحركة والتغيرات في درجات الحرارة، التي تعد من أكبر المحفزات لألمها. فبعد سنة من تشخيص مرض لين في الولايات المتحدة الأمريكية، أتينا إلى دبي وأخذت على عاتقي مهمة نشر التوعية عن مرضها وعن كل الأمراض النادرة في الإمارات والعالم العربي، وأطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي حملة باسم تحدي اليد الحمراء، التي انتشرت في أكثر من 20 دولة حول العالم ووجدت ترحيباً كبيراً من المجتمع، الذي دعمني خلال هذه الحملة على مدى الـ 6 سنوات الماضية، وأصبحت متحدثة تحفيزية وأشارك رحلتنا من تحويل الألم إلى عمل وأمل».

حملة "تحدي اليد الحمراء"


وعن نوعية الدعم الذي وجدته داخل الإمارات، تشير عريبي «رحلة الأمراض النادرة صعبة ومخيفة، ولكن من خلال الجمعيات يجد الأبطال وأهاليهم الدعم المعنوي مما يخفف من آثار هذه المصاعب، إذ تواصلت مع المعنيين في جمعية الإمارات للأمراض النادرة منذ حوالي 3 سنوات، ووجدت التعاطف والدعم المعنوي من الأهالي الذين لديهم حالات مصابة ومن أعضاء مجلس الإدارة والأطباء المتخصصين في الجمعية، الذين لم يبخلوا بمجهودهم ووقتهم في سبيل إدخال البسمة على المرضى وعائلاتهم».

قصة مزنة

قصص ملهمة لعائلات لم تيأس.. في اليوم العالمي للأمراض النادرة

متلازمة «كورنيليا دي لانج سيندروم»، كانت من نصيب مزنة (24 عاماً)، تتحدث والدتها نشمية الفيلي وتروي تفاصيل قصتها والتي بدأت من أول يوم ولادة طفلتها، وتقول «الصدمة كانت في أول يوم ولادة عندما أخبرني الطبيب عن متلازمة مزنة وكيف ستعيش، وكنت أُكذبه لسببين الأول، لأن عائلتنا لا تحمل أي نوع من الإعاقات والمتلازمات والأمراض الوراثية وكذلك والد مزنة، والثاني لأنها مكتملة رغم صغر حجمها عن الأطفال الطبعيين ولا يوجد تشوهات، ولم أصدق حتى بدأوا بتثقيفي وإرسال مجلات شهرية تثقيفية عن هذه المتلازمة وتواصلت مع أمهات لديهن أطفال بنفس المتلازمة فتبادلنا المعلومات وكنا دعماً نفسياً لبعضنا البعض».

وتتابع «ولدت مزنة في الولايات المتحدة الأمريكية لأن والدها كان طالباً في الجامعة آنذاك، وعندما علمت بمرضها لم يكن يؤلمني أنه سيؤثر فيها عقلياً وجسدياً بقدر ما عرفته أن أصحاب تلك الحالات أعمارهم قصيرة وأقصى حد لهم عشر سنوات حسب البحوث التي كتبت عنهم، ولكن يقيني بأن الأعمار بيد الله تعالى قوى من عزيمتي، بجانب تطور العلم والأدوية يوماً بعد آخر، كل ذلك منحني القوة والصبر والثبات واحتساب الأجر بإذن الله تعالى».

وعن أصعب التحديات، تشير «أتعامل مع أطباء بتخصصات متعددة، فابنتي بين فترة وأخرى تعاني أعراضاً مختلفة، فأضطر لزيارة أطباء لا يعرفون عن هذا المرض شيئاً فيضطرون إلى أن يبحثوا عنه، فبرغم أنها تبلغ من العمر أربعة وعشرين عاماً ولكنها تبدو كالطفلة في الحجم، وأكبر تحد كان بحثي عن علاج للصرع والذي يزداد كلما كبرت، فالتشنجات كانت لا تتوقف ولكن بعد أن وصلت لعمر الخامسة عشر عاماً غير طبيب زائر دواءها فتمت السيطرة عليه، وأحمد الله تعالى على توافر الدواء بالإمارات والذي يصرف لها بالمجان، بالإضافة إلى تعرضها للتنمر الاجتماعي، وهو أمر كان يزعجني كثيراً ولكنني بدأت أثقف نفسي للتصدي لهذه السلوكيات السلبية من الناس وحماية ابنتي منهم».

أهمية التوعية بالأمراض النادرة

عن الجهود المبذولة التي تقدم لأصحاب الأمراض النادرة، يقول مروان عبد العزيز جناحي، رئيس جمعية الإمارات للأمراض النادرة، والمدير العام لمجمع دبي للعلوم ورئيس فريق عمل قطاع الصناعات الدوائية والمعدات الطبية، «توجد حاجة ملحة لتثقيف مجتمعنا بالأمراض النادرة والتصدي لحالات الوصم الاجتماعي والتنمر، التي تصاحبها مما لها من تأثير سلبي في حياة الكثيرين من المرضى، إذ يتوجب علينا الاستماع والتعلم من المرضى والأسر، والعمل مع القطاع الحكومي والجهات الأكاديمية والطبية وشركاء القطاع الخاص من أجل تحقيق زيادة الوعي في المجتمع بالأمراض الوراثية، وزيادة نسبة حدوثها في زواج الأقارب وطريقة الوقاية منه، عن طريق الفحص الوراثي للكشف عن الأشخاص الحاملين للأمراض الوراثية وخاصة الفحص الجيني ما قبل الزواج».

محاور تركز عليها جمعية الإمارات للأمراض النادرة للتوعية بالأمراض النادرة، والمساهمة في جعل الإمارات دولة رائدة عالمياً في مجال تشخيص ومعالجة تلك الأمراض:

المحور الأول: التكثيف من جهود البحث العلمي، والذي يمكن تحقيقه من خلال التعاون مع قطاع صناعة الأدوية، إذ إن صدى الاكتشافات العلمية المتعلقة بعلاج الأمراض النادرة غالباً ما يكون قليلاً بالمقارنة مع الاكتشافات المتعلقة بالأمراض الأكثر شيوعاً.

المحور الثاني: توفير العلاج والرعاية على نطاق أوسع وذلك بالاستناد إلى حجم استثمار الإمارات في قطاع الرعاية الصحية، كما بمقدورنا أن نتيح للمريض فرصة الاستفادة من التجارب السريرية وما قبل السريرية والتعاون مع الكوادر الطبية للتوعية بالأمراض النادرة لزيادة فرص التشخيص المبكر وتجنب الأخطاء التشخيصية.

المحور الثالث: (ويعد الأهم): الاستماع إلى المرضى والعائلات وأولياء الأمور والتعلم منهم حتى نفهم ماهية الدعم الذي يحتاجون إليه، وكيفية توفيره بالصورة المثلى».