22 مارس 2022

د. باسمة يونس تكتب: جبن البقاء و شجاعة الفرار

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: جبن البقاء و شجاعة الفرار

بعد كل ما تعلمناه وما قيل لنا في كل ما نقوم به في حياتنا بأنه علينا ألا نستسلم مهما حدث لأن الاستسلام شيمة الضعفاء والهروب صفة الجبناء والمتخاذلين، يأتي من يخبرنا بأننا إن بقينا جبناء وإن فررنا شجعان، ليس لأن الشجاعة في الهرب ولكن في احتمال ما بعده.

في الواقع، قد تنطبق صفة الشجاعة على الثبات في مواقف لكنها لا تكون كذلك عند الصمود في مواقف أخرى في الحياة، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بقضايا نفسية أو مجتمعية تحتاج إلى اتخاذ مواقف شجاعة للفرار منها والتخلص مما تسببه من آلام.

وتقول إحدى السيدات بأن أشجع شيء فعلته في حياتها كان اتخاذها قرار الطلاق والهروب من زواج خاضت فيه معاناة قاسية مع زوج غير ملتزم أجبرها على العيش في أزمة خوف مطولة ومتواصلة بسبب إدمانه شرب الخمر واعتياده على إيذائها وتعنيفها يومياً.

وتعترف بأن الطلاق في عائلتها كان أشبه بالعار وأقرب إلى ارتكاب جريمة مخلة بالشرف، لكنه كان الحل الأمثل لمشكلتها وكان عليها اتخاذ القرار الأجرأ لإخراج نفسها من أزمتها المستمرة والحياة الصاخبة بالألم والأوجاع.

ولا بد من الاعتراف بأن الفرار من مثل هذه العلاقة المسيئة يعتبر شجاعة بالنسبة للأشخاص المستسلمين لها، رغم أن الخطورة لن تكون في فعل الطلاق وإنهاء العلاقة نفسها ولكنها فيما قد يحدث بعد ذلك وما يتسبب في مزيد من العنف والإيذاء للطرف المصاب بخيبة الأمل وأحياناً بالشعور بالخيانة. ناهيك عن الرحلة الصعبة والمؤلمة التي سيخوضها المطلقان وسيما في ظل وجود أطفال ستبلغ الأذية ذروتها بتدميرهم عاطفياً ونفسياً إلى الأبد.

وفي كتاب «إنها حياتي الآن»، والذي تحول بعد صدوره في عام 2000 إلى دليل عملي للناجين من علاقات مسيئة، يخبرنا المؤلفان (دوغان وهوك) بأن الذين يهربون من علاقة مسيئة غالباً ما يعتقدون بأن حياتهم ستكون جيدة وبأنهم قد وصلوا إلى شاطئ الأمان، وسيتعافون من مصابهم سريعاً، لكنها في الواقع قد تكون بداية كابوس من الرعب ورحلة أشد صعوبة من سابقتها.

إن الوصول إلى السكينة في الحياة بحاجة إلى كثير من الشجاعة في الصبر على ما سيحدث بعد الفرار، ومزيد من الجهد والمعالجات النفسية مع عدم التقليل من شأن الشخص المسيء وردود فعله وتصرفاته المتوقعة وغير المتوقعة بعد ذلك، وضرورة عدم السماح للآخرين أبدًا بالتقليل من مخاطر إنهاء مثل هذه العلاقة أو تسهيلها وكأنها مجرد انتقال من أزمة إلى طمأنينة بدون عواقب أو التزامات أو توقعات.

ويصف بعض من التقى بهم مؤلفا الكتاب نهاية علاقاتهم بأنها كانت بداية لأهوال جديدة بدءاً من المطاردة والتهديدات بالقتل عدا عن دوامة الإجراءات القانونية المؤلمة ومزيد من السنوات الصعبة التي تلت ذلك مع فقدان أصدقاء وفي بعض الأحيان الانفصال عن العائلة، وهو ما قادهم إلى الشعور بحالة من عدم التوازن وكأنهم وصلوا إلى ذروة الجنون.

ورغم أن البقاء في تلك الأوضاع صعب، لكن الهروب وتحمل عواقبه والمضي فيه من أصعب الأشياء التي يمكن القيام بها على الإطلاق، وهو ما يجعله فعلاً مقداماً حقاً ولا يستطيع القيام به أو احتمال ما سيأتي بعده سوى الشجعان الصناديد.