02 أبريل 2022

إنعام كجه جي تكتب: أموات أحياء

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: أموات أحياء
الممثل الفرنسي بيير ريشار

لا أدري كم مرة سمعت فيها خبر رحيل الفنان عادل إمام وهو حي يُرزق.

أنباء كاذبة تطارد الفنانين والفنانات وتنتشر مثل النار في الهشيم بفضل وسائل التواصل. لم تعد الصحف الورقية هي المرجع في معلومات القراء بل ما يصل إلى الهاتف الصغير في اليد.

وحدث في النصف الأول من القرن الماضي أن نشرت صحف القاهرة خبر وفاة أحد السياسيين. لكن الخبر لم يظهر في صحيفة «الأهرام»، ثم تبين أنه كاذب. وانتشرت يومها عبارة تقول «من لم يمت في الأهرام فهو حي».

كنت أعمل في مجلة عربية أسبوعية تصدر في باريس حين وصلنا خبر رحيل الشاعرة العراقية نازك الملائكة، رائدة الشعر الحديث. حاولنا الوصول إلى ابنها الوحيد المقيم معها فلم نفلح. وكان علينا أن نعدّ ملفاً عنها وعن سيرتها وأعمالها، يليق بها. وقبل الانتهاء من الملف ظهر بيان يؤكد أنها لم تمت.

التقيت، ذات يوم، بأستاذتي الشاعرة لميعة عباس عمارة في مؤتمر دعت إليه الجامعة الأمريكية في بيروت. وبعد انتهاء جلسة الافتتاح عانقتها ووقفت أتحدث معها حين قطع حديثنا طبيب من معارفي. وبعد السلام قدمت له السيدة الجميلة الواقفة معي: ست لميعة عباس عمارة.

فإذا به يقهقه وكأنه سمع نكتة طريفة وقال إن لميعة ماتت من زمان. ولكم أن تتخيلوا حرجي في تلك اللحظة. لكن السيدة الكبيرة شاركته الضحك وهي ترد «أنا شبحها يقف أمامك».

أكتب هذا الكلام لأن ممثلاً فرنسياً كبيراً يدعى بيير ريشار تعرض لشائعة الوفاة قبل أيام. لقد كان محبوباً ومن أقرب الفنانين إلى قلوب المواطنين البسطاء. الصغار يحبونه قبل الكبار. لكنه تقدم في العمر وما عاد يجد أدواراً كثيرة في الأفلام الجديدة.

لهذا شعر بالصدمة وهو يقرأ خبر تدهور صحته وكأنه يعاني سكرات الموت. لذلك اتصل بالصحيفة التي نشرت الخبر وطلب نشر تكذيب. كما قام بتصوير تسجيل يعلن فيه أنه بصحة جيدة ولا يقف على حافة القبر.

ما الذي يربحه أصحاب شائعات موت المشاهير؟

لا أفهم من يسعى للانتشار وهو يضع يده بيد عزرائيل. فالكذب، حبله قصير. ويا خبر اليوم بفلوس بكرة ببلاش. ومن حق الفنانين الذين أسعدونا وأطربونا وطرزوا بالفرح نهاراتنا وليالينا أن نحترم معاناتهم. إن الشيخوخة صعبة في حد ذاتها، فهل نزيد هماً إلى همومهم أم نتركهم في سلام، نبعث لهم رسائل المحبة والعرفان في كل مناسبة؟

ليس أشق على النفس من أن يقرأ المرء نعيه وهو حي.