ليتيسيا، ملكة إسبانيا وابنتها الكبرى
يا للهول! لقد ظهرت ملكة إسبانيا وهي ترتدي سترة سبق وأن ارتدتها ابنتها الكبرى!
هذا كان عنوان المجلة النسائية المعروضة في كشك الصحف أمام ناظري. ولوهلة، أثارني الخبر وهممت بأن أقتني المجلة. ثم عدلت عن تضييع بضعة دراهم في خبر عادي. أين الهول في أن تتبادل البنات والأمهات الثياب؟
قبل ولادة طفلتي، أهدتني إحدى القريبات بلوزة ناعمة من الصوف «الموهير» الأبيض والرصاصي الفاتح لأن شتاء ذلك العام كان شديد الزمهرير. إن الحوامل لا يشعرن بالبرد كثيراً، لكن الهدية أسعدتني بشكل خاص لأن قريبتي حاكتها بيديها واشتغلت عشرة أيام لكي تنهيها بأحسن صورة.
وكانت هناك كرات صغيرة مفتولة بيضاء تزين الصدر، مثل حبات البَرَد أو الحالوب التي تنثرها السماء في العواصف الثلجية.
تفاءلت بالبلوزة وارتديتها حتى حلّ المخاض. وبعد الولادة حفظتها في كيس مع حبات النفتالين ووضعتها في رف عال.
مرت السنوات تباعاً وكبرت ابنتي وتزوجت واستدار بطنها. كانت حبلى بطفلها حين غسلت البلوزة المشغولة باليد وقدمتها هدية لها. كانت قد رأت في ألبوم العائلة صوراً لي وأنا أرتديها.
ولم تصدّق أن تلك الخيوط البيضاء ما زالت بنعومتها وجمالها. ارتدتها وهي سعيدة وتباهت بها أمام زميلاتها في العمل. قالت لهن: إنها بلوزة أمي حين كنت في بطنها.
تتبادل الشقيقات والأمهات والبنات الثياب بشكل عادي، فما الذي يجعل من سترة ليتيسيا، ملكة إسبانيا، حدثاً غير عادي؟ أعرف نساء تجاوزن سن الصبا لكنهن يحببن ارتداء ثياب شبابية ويقفن أمام المرآة سعيدات لأنهن حافظن على أجسامهن من الامتلاء والترهل.
وهناك من تخرج فستان عرسها من الدولاب وتنزع عنه غطاء النايلون وترتديه خفية لكي تتأكد من أن مقاييسها لم تتغير، أو أن قامتها لم تدخل مرحلة الخطر.
لم أشتر المجلة. لكن فضولي حرضني على مطالعتها عبر «النت». بحثت عن الخبر ووجدت أن الملكة حضرت حفلاً لتوزيع جوائز سينمائية لأفلام أخرجها طلبة المدارس الثانوية.
ولاحظت محررة المجلة أن ضيفة الشرف ارتدت بدلة من ثلاثة ألوان، وفيها سترة بيضاء تحمل توقيع دار إسبانية معروفة للأزياء.
حتى هنا والأمر طبيعي. لكن الخبر يؤكد أن هذه السترة ذاتها سبق وأن ظهرت بها الأميرة ليونور، الابنة البكر لملكة إسبانيا. وتساءلت محررة الخبر: هل كانت السترة في خزانة ثياب الملكة، يا ترى، أم في دولاب ابنتها؟ ومن التي استعارتها من الثانية؟
رحم الله الدكتور خليل صابات، أستاذ الصحافة الذي درست على يديه في بغداد. كان يقول لنا إن مهنتنا هي «تحويل الفسيخ إلى شربات». أي أن نلتقط سمكة مملحة ومجففة ومنفرة الرائحة وأن نجعل منها عصير فواكه شهياً. ومع شيء من التحوير يمكنني القول إن شطارة بعض الزملاء تكمن في القدرة على خلق خبر من لا شيء.
وهي شطارة أو «فهلوة» لا أستثني نفسي منها. فالمطابع تدور بدون توقف والصحف تنزل إلى الأكشاك كل صباح ولابد من أخبار ومواد تغذي العجلة لكي تواصل دورانها. ومع المقالات والأخبار هناك ثياب تدور بين الأمهات والبنات بكل محبة. إنها الشجرة حين تتجدد دون أن تنقطع عن جذورها.