يائيل برون- أول امرأة ترأس البرلمان الفرنسي
اسمها غير معروف للنسبة الأكبر من مواطني بلادها، لكن هذه السيدة الشقراء دخلت التاريخ من أوسع أبوابه باعتبارها أول امرأة تجلس على كرسي رئاسة الجمعية الوطنية، أي البرلمان. وغداة انتخابها لهذا المنصب الرفيع راح محررو الصحف يتسابقون لجمع المعلومات عن ماضي هذه النائبة التي يجهلون عنها الكثير.
أول امرأة ترأس البرلمان في تاريخ فرنسا
اسمها بالولادة يائيل برون. وبعد زواجها من فياني بيفيه أضافت اسمه إلى لقبها. إن زوجها يشغل وظيفة رفيعة لدى مجموعة «لوريال» لمستحضرات التجميل، وقد رزقا بخمسة أبناء.
إنها في الحادية والخمسين من العمر، ولدت في مدينة نانسي شرق فرنسا لأب يهودي يعمل موظفاً في شركة للإعلانات وأم خريجة دار للأيتام كانت تشتغل كاتبة على الطابعة. كان جدها بولونياً وجدتها ألمانية، وهما من المهاجرين الهاربين من صعود المد النازي في شرق أوروبا.
يائيل برون
ليس ليائيل سوى شقيق واحد. وبسبب ظروف عمل الأب انتقلت الأسرة إلى باريس. وكانت قد اعتادت منذ صباها الأول أن تستمع إلى النقاشات السياسية التي تدور حول مائدة البيت بين والدها ورفاقه، وكان من نتائج ذلك أنها مالت إلى العمل العام وانتمت للحزب الاشتراكي الفرنسي قبل أن تنتقل إلى حزب الرئيس ماكرون «النهضة».
كانت قد درست القانون ومارست المحاماة وبفضل نشاطها تمكنت في العام 2017 من الفوز في الانتخابات التشريعية واصبحت نائبة في الجمعية الوطنية عن منطقة «إيفلين» القريبة من باريس. ومنذ تلك السنة ترأست اللجنة القانونية في الجمعية، أي البرلمان، لحين انتخابها، أواخر الشهر الماضي، رئيسة له. وبهذا تكون يائيل برون بيفيه أول امرأة ترأس البرلمان في تاريخ فرنسا.
يائيل برون
جدها يهودي بولوني وصل فرنسا بحقيبة واحدة هارباً من النازية
دافعت يائيل طوال فترة نيابتها عن مبدأ المجتمع المدني والعدالة بين الجنسين في الوسط السياسي. وكان طبيعتها العفوية تفاجئ زملائها، فقد كانت تقود بنفسها السيارة الرسمية المخصصة لها كنائبة، كما اعتادت أن تغني بصوت عال أثناء السياقة. والأهم أنها لم تتخندق وراء أسوار حزبها بل كانت تؤمن بالحديث مع زملائها والتفاهم بين ممثلي الأحزاب الأخرى. وكان من ثمار نشاطها تعيينها وزيرة للحافظات الفرنسية الواقعة وراء البحار، في الوزارة الأخيرة التي سبقت انتخابها رئيسة للبرلمان، وبهذا اضطرت إلى التخلي عن مقعدها الوزاري.
قدمت يائيل نفسها في البرلمان باعتبارها تمثل المهاجرين اليهود الذين وفدوا إلى فرنسا بمئات الآلاف من دول أوروبا الشرقية. وكان جدها الخياط البولوني وزوجته قد وصلا إلى مدينة نانسي في ثلاثينات القرن الماضي بتأشيرة سياحية يحملان حقيبة واحدة، وبعد ذلك طلبا اللجوء. ورغم انتمائها الديني فإنها ليست متدينة ولا تمارس الشعائر، باستثناء الاحتفال بالأعياد وفق تقاليد العائلة.
تعد الآن رابع أهم شخصية في الجمهورية الفرنسية
بعد انتخابها، خاطبت النواب قائلة أن الشرعة العالمية لحقوق الإنسان تبدأ بعبارة «يولد الرجال والنساء أحراراً ومتساوين في الحقوق»، وأضافت «وبانتخابكم لي رئيسة لكم تمنحون لهذه العبارة رسالة جديدة». وقد كان مقدراً لها أن تفوز بهذا المنصب قبل أربع سنوات لكنها سحبت ترشيحها في اللحظة الأخيرة لأنها شعرت بأن الوقت لم يحن بعد وهي غير مسلحة بما يكفي لمواجهة تحديات رئاسة البرلمان.
إنها الوظيفة التي يعتبر من يشغلها رابع أهم شخصية في الجمهورية الفرنسية. ورغم انتمائها لحزب ماكرون فإنها ليست من الحلقة المقربة من الرئيس لكنها قطعة أساسية من أنصاره تحت القبة النيابية في «قصر بوربون»، مقر البرلمان، لاسيما وأنه يحتاجها لعدم تمتعه بالأغلبية المطلقة بين النواب، وهي ستكون السيدة الأولى التي سيكون لها حق لها استخدام المطرقة والدق على الطاولة في حال تصاعد الجدل بين النواب وانتشرت الفوضى. إن المطرقة هي أبرز عدة عمل لرئيس البرلمان، فهل تستخدمها أم تحل الأمور بالتي هي أحسن؟.
يائيل برون عقب انتخابها رئيسة للبرلمان
في حياتها كامرأة، تمارس يائيل برون سعادتها العائلية باعتبارها والدة لخمسة أبناء، وهي تعترف في أحد تصريحاتها بأنها تعرفت إلى زوجها حين كانا تلميذين في الثانوية، وقد ترافقا منذ تلك الفترة وتساندا حتى تزوجا. وحين تم نقل الزوج بحكم عمله إلى تايوان ثم إلى اليابان والبرتغال تركت عملها وأخذت الأطفال وتبعته، وعند عودته رد لها الجميل واحترم مقتضيات عملها. وعندما عقد أول لقاء انتخابي لها كان زوجها جالساً في القاعة.
لكن كيف يجد الزوجان، اليوم، وقتاً للقاء ورؤية الأبناء بينما كل منهما يجري ما بين المطارات وصالات الاجتماعات؟
تقول إنها مقصرة من هذه الناحية في حق أبنائها لكنهم كبروا ولم يعودوا أطفالاً، وهم يقولون لها «لقد اعتنيت بنا يا ماما على مدى سنوات طوال والآن عليك أن تنطلقي ونحن فخورون بما وصلت إليه».