فيلم الحارة
تفتقر السينما العربية إلى شركات توزيع تهتم بالسينما المستقلة والمختلفة كما تفتقر إلى مؤسسات خاصّة أو تجارية تقبل دعم هذه السينما بفتح شاشاتها لها.
الحديث هنا عن أفلام لا ترى فرص العرض التقليدي بعد إنتاجها. كثير منها ينطلق في مهرجان محلي أو عالمي ثم يكتفي.
ليس هناك تبادل زيارات بينها وبين الجمهور العريض خارج المهرجانات ولا فرصاً للنجاح ما يشجع المستثمرين والمموّلين على التواصل مع المواهب الجديدة المتوفرة في كل بلد ناطق بالعربية هذه الأيام.
التالي هو بعض تلك الأفلام الجيدة التي إما لم تر نور العرض التجاري في أي مكان، أو اكتفت بعرض سريع في بلدها الأم:
1- فيلم أبو صدّام
المخرج: نادين خان
البلد: مصر
من ابنة المخرج الراحل محمد خان، هذا الفيلم المتميّز بحكايته ودلالاته والشغل الصعب الذي عمدت إليه المخرج في ثاني أفلامها.
حكاية قوامها الرجل الذي يقود شاحنة تماثله قوّة وهيمنة، كلاهما ضخم وفارض لوجوده. كلاهما ينظر إلى العالم تحته، يحاربه بحجمه المدهم. إنه كما لو أن شخصية أبو صدّام لا يمكن لها أن تقود أي نوع آخر من السيارات.
هو والشاحنة الضخمة رمزان متجانسان. تحاصر أبو صدّام مشاكل فهمه القاصر لوضعه كرجل. مشاكله مع ذلك الغلاف الهش الذي يحيط به نفسه. قلب الفيلم هو ذلك المفهوم الذكوري الذي يُسير بطل الفيلم نحو نهاية غير سعيدة.
2- فيلم حد الطار
المخرج: عبدالعزيز الشلاحي
البلد: السعودية
دراما اجتماعية عن حب لم ينته بزواج الحبيبين: اسمها شامة (أضوى مهد) التي فرضت عليها التقاليد الزواج من شاب ارتكب جريمة قتل ويواجه قريباً تنفيذ حكم الإعدام به.
لكن قلبها ينبض حباً لشاب آخر (فيصل الدوخي) الذي يريد التقدّم لزواجها.
في خط مواز، هناك ذلك الشاب الذي تحب والذي نصحه والده بالعمل سيّافاً. المهمّة الأولى المسندة إليه، بعد فوزه بالعمل، هي قطع رأس المتهم ذاته! من هذا التأسيس يمضي «حد الطار» كتوليفة عاطفية وبخطوات هي في الوقت ذاته واثقة في إدارة الشخصيات وتوزيع اللقطات وإخراج المشاهد.
اللافت هو بحث المخرج في التركيبة الاجتماعية للشخصيات التي يعرضها. لا يكترث لتجميلها كونها في الأصل جميلة روحاً وسلوكاً. يعرضها طبيعياً ويضعها في مواقف تصطدم كل منها برغباتها الخاصة ومشاكلها مع محيطها.
3- فيلم لو كانوا يطيحو الحيوط
المخرج: حكيم بلعباس
البلد: المغرب
يستخدم المخرج بلعبّاس في هذا الفيلم العصي على التصنيف خيالاً غير مُقيد يستلهمه من الواقع المُعاش ومن البيئة الاجتماعية الحاضرة ما يثريه.
مؤلف من 17 حكاية يجمعها تحت مظلة واحدة. حكايات تدور عما يعرفه المخرج جيداً كونه عاش البيئة وترعرع في المجتمع ذاته قبل أن يحمل ذكرياته معه أينما اتجه.
كل حكاية من حكاياته ذات حدث مختلف لكنها تلتقي في انتمائها إلى ينبوع الذاكرة المشغولة بحرية المزج ما بين الواقع والخيال. إنه فيلم فريد من نوعه من مخرج سبق وحقق أفلاماً تسجيلية وروائية من قبل لكن لا شيء مثل هذا العمل المشغول بقدرة المخرج الفذّة على سرد حكاياته بالغموض المناسب من دون أن ينفر المرء مما لا يصل إليه أو يفتر اهتمامه بما يراه.
4- فيلم قلتلك خلص
المخرج: إيلي خليفة
البلد: لبنان
إنه عن إيلي خليفة ذاته. هو المخرج وهو البطل. رجل بشعر رمادي منكوش وعينين حائرتين ووجه لا يحمل تعابير تواكب كلماته ومشاعره. هو شبيه بالممثل الأميركي جون تورتورو وحركات جاك تاتي في حيرته وملامح بستر كيتون التي يدور تحت جمودها كل ما يتفاعل داخلها صمتاً. يواجه خليفة ما يواجهه كل مخرج يحاول التميّز بعمله.
حين يقابل إيلي داخل الفيلم المنتج (جورج كعدي) داخل دكان حلاقة ليسأله عن رأيه في السيناريو الذي سبق وأرسله إليه يبادره ذاك بالنقد «أنت أفضل واحد يكتب سيناريوهات غير مُرضية». متسائلاً عن السبب في أن شخصياته النسائية لا تتكلم. يرد إيلي أن المنتج في نسخة سابقة شكا من كثرة الحوار. يتقدم إيلي من أذن المنتج ويهمس له شيئاً، ينتفض المنتج ويصيح رافضاً «ولا قرش».
5- فيلم الحارة
المخرج: باسل غندور
البلد: الأردن
فيلم من خمسة أجزاء ننتقل بينها بسلاسة وتحتوي على العديد من الشخصيات التي يؤديها ممثلون جيّدون في ابتكار اللحظة التي يعيشونها مستمدّين، ولابد، من إدارة المخرج الجديد (أول عمل) باسل غندور.
حكاية شاب يقنع الفتاة التي يحب بالهرب معه، لكنه يعادي عصابة يقودها رجل لا يرحم ويستطيع الوصول إليه وإيذائه. نتيجة ذلك وبالاً عليه وعلى الفتاة التي يحب والحارة جميعاً.
فيلم جديد في صفاته كلها وتحت إدارة وتنفيذ رجل لا جدوى معه البحث عن هنات البداية.
المشروع بذاته (الحارة وأحداثها وشخصياتها ومآلات كل ما يدور فيها) مُعالج بدراية. لا يتولّى الفيلم بنصب إعلان يقول إن الأحداث حقيقية، لكن منوال العمل صادق ما بين علاقة المخرج بالفيلم وعلاقة الفيلم بما يمكن أن يكون واقعاً حتى ولو صدّقنا نصف ما نراه وثلثي ما نسمع.