11 أغسطس 2022

أسرار وحقائق لا تعرفها عن جبل المقطم في مصر

محرر متعاون من القاهرة

أسرار وحقائق لا تعرفها عن جبل المقطم في مصر

ترابض هضبة المقطم على تخوم صحراء القاهرة مثل حارس أسطوري، وتروي للزائرين والمقيمين على حد سواء، عبر دروبها المتعرجة وصخورها التي نحتها التاريخ، حكايات عتيقة عن سكان تلك البقعة الساحرة، في تلك القرون البعيدة، للاستمتاع بغراس الجنة.

تمتد هضبة المقطم في صورة مثلثة الشكل، على مساحة تصل إلى أربعة عشر كيلومتراً مربعاً، على شكل حافة من الصخور الجيرية، تبدأ من الأسفل بخط كنتور يصل إلى 60 متراً فوق مستوى سطح البحر، ثم يأخذ في الارتفاع نحو الشرق، ويبلغ أقصى ارتفاعه على مساحة 140 متراً.

سبب تسميته بـ«جبل المقطم»

سبب تسمية جبل المقطم

لا يعرف أحد على وجه الدقة سر تسمية تلك الهضبة باسم المقطم، وإن ذهب المؤرخ الشهير تقي الدين المقريزي، إلى إرجاع تلك التسمية إلى مصرايم بن حام، ابن النبي نوح عليه السلام، الذي أراد استخراج الذهب والزبرجد والفيروز وغير ذلك من المعادن الموجودة بمصر، بطريقة الصنعة، أي بواسطة الكيمياء، فجعل أمرها إلى رجل يقال له مقيطام الحكيم، كان يعمل في هذا الجبل الذي كان يحد مصر القديمة من ناحية الشرق فسمي الجبل باسمه، قبل أن يختصر الاسم مع مرور الزمان ويبقى ما يدل عليه، فقيل له «جبل المقطم».

جبل المقطم و الفتح الإسلامي لمصر

جبل المقطم و الفتح الإسلامي لمصر

على مدار قرون من الزمان، جذب جبل المقطم أنظار كثير من الرحالة والمغامرين، إلى جانب النساك والزهاد الأوائل. ومما يروى عن جبل المقطم أن المقوقس عظيم مصر أراد أن يبتاع سفح الجبل من عمرو بن العاص بعشرين ألف دينار، فما كان من عمرو إلا أن كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، وأخبره أنها أرض لا نبات فيها، وأن المقوقس أخبره أنه وجد في الكتب أنها غراس أهل الجنة، فكتب عمر رضي الله عنه إلى عمرو قائلاً: لا أعرف غراس الجنة غير المؤمنين، فاجعلها مقبرة لهم.

نفذ عمرو بن العاص ومن تولى من بعده حكم مصر وصية الخليفة عمر بن الخطاب، بل إن كثيراً من الصحابة والتابعين الذين شاركوا في فتح مصر اتخذوه مستقراً لهم، في حياتهم وبعد رحيلهم، على ما يضمه من قبور ورفات لهم، إلى جانب عشرات من قبور الصالحين الذين سكنوا هذا المكان في أزمنة عدة، ومن بينهم عقبة ابن عامر، وهو أحد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي شارك في فتح مصر، وكان عقبة من أوائل أهل المدينة الذين بايعوا النبي صلي الله عليه وسلم، في السنة الأولى للهجرة، وكان آنذاك لا يزال شاباً صغيراً.

مسجد رابعة في جبل المقطم

مسجد رابعة في جبل المقطم

ينتصب مسجد رابعة على قمة تل صغير في جبل المقطم، ويكتسب شهرة عريضة بين سكان المنطقة كونه يضم رفات واحد من النساك الأوائل، للسيدة رابعة العدوية، وهي رابعة بنت إسماعيل العدوي، التي ولدت في البصرة عام مئة هجرية لأب فقير، وقد سميت برابعة كونها الابنة الرابعة لأبيها، الذي توفي وهي لا تزال طفلة دون العاشرة، فلم تلبث الأم أن لحقت به، لتجد رابعة وأخواتها أنفسهن بلا عائل، إذ مك يترك الأب لبناته من أسباب العيش سوى قارب صغير، ينقل الناس بدراهم معدودة في أحد أنهار البصرة، فكانت رابعة تخرج لتعمل مكان أبيها، ثم تعود بعد عناء.

مقابر جبل المقطم في مصر

مقابر وأطرحة

يضم سفح جبل المقطم مقبرتين عظيمتين، الصغرى وتبدأ من شارع صلاح سالم وتمتد حتى مشارف جامع بن طولون، فيما تقع الأخرى، والتي يطلق عليها «القرافة الكبرى»، في منطقة الدراسة، وتمتد حتى مشارف مدينة نصر، متداخلة مع القلعة وما يجاورها من مقابر وأضرحة، تتسم بالبساطة، وعلى رأس تلك المقابر تقع مقبرة الإمام الليث بن سعد، الملقب بفقيه مصر، ويقع الضريح داخل مسجد صغير يتخلله مكتبة صغيرة وغرفة استراحة بها عدد محدود من المقاعد.

مقابر جبل المقطم في مصر

ويجاور قبر الإمام الليث بن سعد، قبر آخر على بعد أمتار قليلة يضم رفات أحد كبار المتصوفة في القرن السادس الهجري، وهو ابن عطاء الله السكندري، الذي يطلق عليه أهل التصوف في مصر، لقب «قطب العارفين»، ويجاور الضريح مسجد صغير يقع عند سفح المقطم، موازياً إلى خلوة يقال إنها ترجع إلى السيدة نفيسة، الملقبة بـ«نفيسه العلوم»، وتجاور هذه الخلوة القبر الذي دفن فيه الإمام الشافعي، وقد كان أحد تلامذتها النجباء، إلى جانب قبور أخرى ترجع إلى أقطاب أخرى في عالم التصوف الإسلامي، ومن بينهم ذو النون المصري، وابن الحسن الديبوري، والإمام ورش المدني، صاحب القراءة المعروفة.

وجميع هذه القبور، يتضمنها منذ عقود بعيدة مخطوط نادر وضعه الإمام موفق الدين بن عثمان، يرجع تاريخه إلي القرن السادس عشر للهجرة، ويحمل عنوان «مرشد الزوار إلى قبور الأبرار»، وقد بقيت من هذا المخطوط نسختين، إحداهما في المتحف البريطاني بلندن، والأخرى بمكتبة أياصوفيا في تركيا، وترجع أهمية هذا المخطوط إلى أنه يتضمن ذكراً مفصلاً لأكثر من مئتي قبر لهؤلاء النساك الأوائل.

مسجد اللؤلؤة جبل المقطم

مسجد اللؤلؤة

ويعد مسجد اللؤلؤة واحداً من أعجب المساجد التي بنيت في جبل المقطم، إذ يرجع تاريخ بنائه إلى عام 1015 ميلادية، وقد بني على ارتفاع يصل إلى ستين قدماً، عند حافة المقطم، ورغم طرافة البناء وفرادته إلا أن هذا المسجد الذي بني في العصر الفاطمي لا يزال مهجوراً، حتى أنه يكاد يسقط من فرط قدمه، وقد فشلت كثير من عمليات الترميم الذي استهدفته لأن المرممين لم يتوصلوا إلى طريقة تمكنهم من الوصول إليه، غير تسلق الجبل بالأيادي العارية، ويبدو أن صخوراً كانت تحيط بالمسجد في الماضي، وتمثل طريقاً سالكاً إليه، قد سقطت بفعل عوامل الزمن لتعزل المسجد عن العالم.

كنيسة القديس سمعان الخراز

كنيسة القديس سمعان الخراز

وإلى جانب تلك الآثار الإسلامية الفريدة، يضم جبل المقطم واحداً من أكبر الأديرة المصرية وأكثرها إبهاراً، وهو المعروف باسم كنيسة القديس سمعان الخراز، وهي عبارة عن مجمع يضم ستة كنائس حفرت جميعها في صخور الجبل، لكنها تستقبل الزوار من كل سحنة ولون، نظراً لأهميتها الدينية عند المسيحيين حول العالم، ومعمارها العجيب.

*تصوير: أحمد شاكر