جولة داخل «بيت محمد بن خليفة» أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو
يجسد بيت محمد بن خليفة في العين، منطقة المعترض، شاهداً على التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي ترافقت مع التنقيب عن النفط واكتشافه، ويبرز بقوة الفترة الانتقالية بين ثلاثينات وستينات القرن العشرين، حيث يزاوج بين طرازه المعماري الدال على هذه التحولات وبين دوره الثقافي الراهن النابض بالحس الوطني وتعزيز الهوية وإشراك المجتمع في هذا الحراك.
قصة بناء بيت محمد بن خليفة بن زايد آل نهيان
بني بيت محمد بن خليفة بن زايد آل نهيان، والد زوجة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عام 1958 كمنزل عائلي ليتحوّل راهناً، بعد ترميمه، إلى معلم ثقافي يستقطب الأنشطة والمحاضرات وورش العمل، ويخلق هذا التماس الخلاق بين الفرد والمكان كون موقعه يختلف عن باقي المواقع سواء بهندسته المعمارية وروح المكان وطلاءات جدرانه الآسرة والتي تتماهى مع أبعاد الاختلاف لكل زاوية فيه.
ارتبط باكتشاف النفط
ففي أرجائه، تروي الجدران بألوانها الزاهية تاريخ التطور العمراني كنموذج امتزجت فيه الأنماط المعمارية مع مواد البناء العصرية وتقنياتها، كما تلفت منى الغيثي، رئيس وحدة بيت محمد بن خليفة، والتي تؤكد أن البيت «رمز للتطور المجتمعي لجهة ارتباطه باكتشاف النفط، وهو شاهد حي على التقاليد المعمارية التي تعود إلى الفترة الانتقالية في إمارة أبوظبي والتي تميزت بتأثيرها باكتشاف النفط وإنتاجه تجارياً، ما أدى إلى ظهور طراز معماري ديناميكي جديد استخدمت فيه مواد البناء المستوردة لتصميم الأشكال والتقنيات التقليدية، وسمحت المواد الجديدة كالإسمنت والحديد الصلب والألمنيوم بظهور أساليب هجينة حيث كان للخرسانة على وجه التحديد دور فعال في تطوير هذا النمط المعماري الهجين».
يعد ضمن مواقع العين الثقافية المدرجة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي
يزدان البيت، الذي يعد ضمن مواقع العين الثقافية المدرجة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، بزخارفه وجمالياته الهندسية وألوان الطلاء المختلفة على الجدران والتي اختارها أبناء الشيخ محمد بن خليفة لغرفهم ولأرجاء البيت أيضاً، حيث تم إجراء تحاليل دقيقة لطبقات الطلاء التاريخية التي تشكلت أساساً لاستخدام الألوان الحالية من ضمن جهود المحافظة على بيت محمد بن خليفة التاريخي.
يتكوّن من 3 مبان تحوي نحو 15 غرفة
يتجلى ماضي البيت التاريخي ألواناً وطرازاً معمارياً وشواهد حية نابضة بكل تفاصيل المرحلة السابقة، حيث جولة في أرجائه كفيلة بالقبض على مسام الزمن العابر والانتقال بك من زاوية إلى أخرى ليتراءى أمام ناظريك تلك المرحلة الفاصلة بين ما قبل النفط وما بعده من تطور في العمران والاستعانة بالتقنيات الحديثة والمواءمة مع تحولات العصر.
يتكوّن البيت من ثلاثة مبان تحوي نحو 15 غرفة: مبنى المجلس وهو المبنى الرئيسي الذي كان يستقبل فيه الشيخ زواره وضيوفه، ومبنى العائلة حيث تسكن الأسرة، والمبنى الجديد المضاف ويتضمن مكاتب إدارية، مركز فنون ومقهى وكله ضمن مساحة واحدة، وتضم الساحة الداخلية الحوش وتستخدم لعروض الأداء والبرامج.
أعيد افتتاح البيت كمركز مجتمعي ثقافي نابض بالحياة ليحيي ذكرى المغفور له الشيخ محمد بن خليفة آل نهيان ويسلط الضوء على الفترة الانتقالية باعتبارها حقبة محورية
يواكب البيت حالياً المشهد الثقافي وتحول لمركز إبداعي يزاوج بين زخم الروزنامة المجتمعية ومتطلبات المجتمع المحلي وبين تحقيق أهدافه في إرساء منظومة عمل متكامل يكون فيها أفراد المجتمع المحلي عناصر فاعلة ومنتجة.
تشرح الغيثي هذا البعد «أعيد افتتاح البيت كمركز مجتمعي ثقافي نابض بالحياة ليحيي ذكرى المغفور له الشيخ محمد بن خليفة آل نهيان ويسلط الضوء على الفترة الانتقالية باعتبارها حقبة محورية وارتباطها بموقع العين للتراث العالمي، حيث إن خدمة احتياجات المجتمع المحلي هي السبب الرئيسي وراء إعادة افتتاحه لإنشاء نسيج اجتماعي فريد وتوفير مكان يجمع أفراد المجتمع لتعزيز الهوية الوطنية والثقافية من خلال بحث وجمع وتفسير التاريخ الجماعي لأبوظبي والإمارات العربية المتحدة ككل، بالإضافة إلى تلبية احتياجات المستخدمين والعمل كمركز مجتمعي لورش العمل الأسبوعية إلى الفعاليات الشهرية، وتعزيز بيئة للطلاب لتشجيعهم على التعلم واكتساب المعرفة».
موقع فريد
يقع بيت محمد بن خليفة بجانب واحة المعترض ضمن واحات العين حيث ازدهرت الزراعة والمستوطنات البشرية في العين منذ آلاف السنين بفضل نظام الري الفريد للواحات والتي تعتمد على شبكة الري من القنوات المائية المغطاة أو المكشوفة التي تسمى بالأفلاج، وهذا سبب رئيسي وضعه على قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي.
ولكن ماذا يعني لرئيس وحدة بيت محمد بن خليفة منى الغيثي هذا التماس اليومي مع البيت وطرازه المعماري والروح الثقافية التي تسوده؟
توضح «يعني لي الكثير وأعتبره بيتي. لقد عملت في مواقع أخرى يمتاز كل منها بطابع وإرث ثقافي فريد، ولكن ثمة انتماء كبيراً لهذا المكان الذي أجده مختلفاً بألوانه وزخرفاته ونسقه المعماري، وكونه من أهم المعالم الثقافية في تاريخ أبوظبي الحديث».
وماذا عن الغرفة الأجمل فيه؟
تجيب الغيثي بحيرة لافتة «سؤال صعب جداً. أرى أن كل غرفة أجمل من الأخرى. فغرفة الشيخ طحنون بن محمد تحتوي على بعض قطع الأثاث التي كان يستخدمها بالفعل، وغرفة الشيخ محمد بن خليفة تعتبر من ضمن سلسلة المعارض الموجودة في البيت. لكل زاوية في البيت لمسة مختلفة».
يجذب بيت محمد بن خليفة مختلف فئات المجتمع وشريحة الشباب الذين يجدون في أجوائه اختلافاً عن الأمكنة التقليدية، كما يمكن استخدام وتفعيل مساحات البيت من قبل الأفراد والجهات الحكومية والخاصة ومجموعات المجتمع.
فالهدف ليس ربحياً كما يؤكد القيمون عليه، لذا يجد أصداء كبيرة في العين وبالأخص أن تنظيم أي فعالية من قبل أي جهة تشكل تجربة متكاملة في الاطلاع على المكان عبر جولة على معالمه وتاريخه ومن ثمّ تنظيم الورشة أو الفعالية في أجواء مفعمة بالحنين والألفة.
*تصوير: السيد رمضان